آخر الأخبار

الابن الشاذّ للاستخبارات الإسرائيليّة

فراس خطيب -

حيفا | كشفت الصحافية الإسرائيلية إيلانة ديّان، في برنامج التحقيقات التلفزيوني «عوفدا»، عن طريقة عمل الوحدة 504، وتجنيدها العملاء، وخصوصاً في لبنان، وطريقة العمل معهم والعلاقات التي تربط الجاسوس بمشغّله، علاقة تتجاوز أحياناً المتعارَف عليه في لغة الجاسوسية وتصل إلى مستويات عديدة، قد تؤدي أحياناً إلى جرائم قتل. عدد من أفراد الوحدة يتحدثون عن «معاناتهم» فيها، بينما لا يزال جزء آخر يدافع عنها وعن طريقة عملها وضرورة استمرارها. بين هذين الموقفين، يتطرق التحقيق إلى قضية جورج خليل، أحد الجواسيس اللبنانيين الذي وصل إلى إسرائيل عام 1988ولم يعد إلى لبنان.

«ط» بحسب التقرير، هو ضابط سابق في الوحدة، يقول إن الاستقبال الوحيد في الوحدة، هو لافتة تقول إنّ «العمل الأكثر قذارةً يجب تنفيذه بالأيدي الأكثر نظافة». وعلّق «ط» بالقول: «هذا هو الشعار، لكن أنا أعتقد بأنّ هناك الكثير من النفاق في هذه المقولة. لأنّه في كثير من الحالات، الوحدة تربّي وحشاً». وأضاف «أنا كنت كذلك. لقد تحولت إلى حيوان. لم يكن ممكناً التحدث إليّ في البيت، لقد دمرت تقريباً بيتي».

وأشار التحقيق الإسرائيلي إلى أنّ هذه الوحدة عملت، على مدار سنوات، في الظلمة. مشغّلو الجواسيس التابعون لوحدة 504 هم فعلياً وحدة التجسس التابعة للجيش الإسرائيلي. وتقول ديان إنها تحدثت إلى كثير من الضباط الإسرائيليين وتقريباً اتفق الجميع على أن الوحدة سجلت «إنجازات» كثيرة، وأن هناك من العملاء من جلبوا «معلومة الذهب». لكن مع هذا، قالت ديان، «ثمة ما هو أساسي اعوّج في هذه الوحدة»، مبينةً أنّ هناك شيئاً «متسرعاً» أكثر من اللازم لا مهنياً أو ذكياً بما يكفي، مشددّةً على أنه مقارنةً بـ«الشقيق الذكي» من الموساد و«الشقيق الناجع» من الشاباك، فإنّ «وحدة 504 كانت دائماً الابن الشاذ لأجهزة الاستخبارات (الإسرائيلية). ابن شاذ وإشكالي».

وتابع التقرير إن هذه الوحدة سجلت على اسمها كثيراً من الفضائح الأمنية الخطيرة. «ضباط كذبوا وسرقوا وخانوا وأخفقوا في تشغيل مصادر»، إلا أنّ البرنامج الإسرائيلي أشار إلى أنّه ممنوع الحديث عن معطم هذه الأحداث، لكنْ هناك «أمور من الصعب إخفاؤها». أحدها جرى في شباط 1996، حيث وقع، بحسب ما نشر في وسائل إعلام أجنبية، الرجل الذي أرسل (أي حاول) لاغتيال القيادي في حزب الله، عماد مغنية. في حديث هاتفي قيل إنه مع أحد محامي ذلك العميل في بيروت، قال المحامي واصفاً الاعتقال: «دفعوه نحو السيارة، وجلبوه إلى شمال لبنان وبدأوا التحقيق معه». وهل أعدموه؟ سألت المقدمة، فأجاب: «نعم قتلوه». كان الحديث يجري عن العميل أحمد الحلاق، الذي أعدم في أيلول 1996.

لكن هناك من دافع عن الوحدة ووجودها. منهم دورون عمير، الضابط السابق في الوحدة 504، الذي اعترف بأنّ هناك أخطاءً، لكنه شدّد على أنّ هذه الوحدة «سببّت اختفاء أناس أشرار. وكانت مزوّد الأهداف الرقم واحد لشعب إسرائيل من دون أدنى شك».

جان الراز

تطرق التقرير الى إحدى القضايا المثيرة والمعقدة في وحدة 504، قضية جان الراز. في آذار 2001 اخترق ضابط الاحتياط جان الراز مخزن السلاح في كيبوتس منارة في إسرائيل وقتل ضابط الأمن هناك. أشار التقرير إلى أنَّ «الراز هو العلم الأكثر سواداً، أو على الأقل الأكثر وضوحاً الذي يلوح فوق الوحدة. فهو مشغّل عملاء أُدين بالتهريب ومن بعدها صار قاتلاً». لكن قتل ضابط الأمن في منارة، لم يكن، على ما يبدو، القضية الوحيدة المختبئة من وراء الراز، فبعد قضية عام 2001، انفتحت قضية أخرى: في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي عام 2001 قال أحد الضباط في وحدة 504 عن الراز «في رأيي هذا الرجل قتل أيضاً شخصاً آخر، لكن لا جثة ولا إثباتات ولا يمكن محاكمته على هذا. وأنا أتحدث عن متعاون لبناني»، هو جورج خليل.

ينتقل التحقيق إلى كلير، زوجة جورج التي تعيش في إسرائيل. وبحسب التقرير، فإنّ كلير عرفت أن زوجها جورج كان متعاوناً مع إسرائيل، وعرفت أن جان الراز كان مشغّله. وأشارت مقدمة البرنامج إلى أن الراز (المحكوم عليه بالمؤبد الآن) عمل في حينة بتهريبات من لبنان، وعلى ما يبدو فإن جورج «عرف معلومات (عنه) أكثر من اللازم».

في ليلة الخامس عشر من تموز 1988، دعا الراز العميل جورج خليل الى محادثة عند الحدود. زوجة خليل، كلير، قالت: «انتظرت حتى يوم الأحد، فتشت في أغراضه وملابسه عندها شاهدت رقم هاتف فاتصلت مباشرةً بمكتبهم (الوحدة 504) في نهاريا وقلت، زوجي ذهب اليكم منذ يوم الجمعة ولم يعد لماذا؟ فرد عليها أحدهم: سنفحص ونعود إليكِ».

بحسب التقرير، فإنَّ خليل لم يعد إلى البيت منذ ذلك التاريخ وحتى بعد مضي 23 عاماً. على ما يبدو فإن جان الراز كان آخر من شاهده.

جان الراز لم يعترف بهذه القضية، بل قال في اتصال مع البرنامج من السجن «في الخامس عشر من تموز 1988 أعدته إلى المكان الذي أخذته منه». في إجابة عن سؤال الى أين أعدته؟ أجاب الراز «الى داخل لبنان. وهم يعرفون هذا وتحققوا منه، ومن أن لا مشكلة».

ينتهي التحقيق بإعادة شهاده أحد العملاء منذ عام 1998: «بدأت العمل مع الاستخبارات الإسرائيلية، المشغّلون طلبوا مني أن أنقل إليهم معلومات عن انتشار الجيش اللبناني، كانت المهمة المقبلة تجنيد ضابط في الجيش اللبناني، وبعدها نقلت إليه أوراقاً مزورة. في مرحلة ما طلبوا مني أن أُشير الى أهداف فلسطينية على صور جوية. كانت تلك مغامرة مشوّقة، لكنها في نفس الوقت كانت مثل السير في حقل ألغام. في السابع من نيسان 1999 قررت أن أُفصح عن كل شيء للاستخبارات اللبنانية. نقلت إليهم أسماء أصدقائي والأرقام السرية وكل طرق العمل التي تعودتها. أردت أن أُنقذ نفسي من سنوات السجن الطويلة، ببساطة انكسرت».

ويختم التقرير بتعليق من الجيش الإسرائيلي على عمل الوحدة. يقول الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي «للوحدة 504 نجاحات عسكرية ذات معنى فازت في أعقابها بجوائز وامتيازات، منها جائزة هيئة الأركان للوحدة العسكرية. بطبيعة الحال، نجاحات الوحدة مخفيّة عن أعين الجمهور، وهكذا من الأفضل أن تبقى. عملياتها أنقذت وتنقذ حياة إسرائيليين كثيرين، وهي تجري أيضاً في هذه اللحظات وسط مخاطرة حياة».
(الأخبار)