لذلك، مهما كانت قضايا الأخطاء الطبية عادلة و تستحق التعامل معها بما يحفظ للضحية و أهلها كل الحقوق، فإن هذا لا يبرر التركيز على هذه القضايا بالإعلام في الوقت الذي تزايدت فيه وتيرة إضراب الأطباء المقيمين و اقترابهم من نيل مطالبهم.
و لا أدري هل هي صدفة أم عمل متعمد ذلك الذي جعل ضحايا الأخطاء الطبية بالعاصمة الجزائرية يعتصمون بالقرب من مكان اعتصام الأطباء المقيمين يوم الثلاثاء 12 أفريل 2011؟ !!!
في الأشهر القليلة الماضية، تكرر تناول الصحف الجزائرية لأخبار الأخطاء الطبية بما يبعث على التساؤل حول السبب في تزامن هذا الطرح بين أغلب الصحف، فالأخطاء الطبية موجودة سابقا و ليست خلال أشهر إضراب الأطباء المقيمين فقط، و هناك حرية نسبية للصحافة بالجزائر تكفل التطرق لهذه المواضيع منذ التسعينات و ليس الآن فقط.
و إن كنت أتوجه بالشكر الكبير للمراسلين الصحفيين على سعيهم لإيصال صوت ضحايا الأخطاء الطبية و قد تعاملت مع بعضهم و لمست صدقهم في العمل و اهتمامهم بمساعدة المريض كأولوية قبل العمل الصحفي نفسه، إلا أني قد أشكر مدرائهم مع بعض التحفظ، لأن مالك الجريدة أو مديرها في نظري هو في الغالب تاجر لا يعرف بأن شرف الوسيلة من شرف الغاية، ففي نفس الجريدة قد تجد مدحا لراقصة معينة و في صفحة أخرى تجد تحريما و تجريما للرقص.
تناول الصحف للأخطاء الطبية بهذه الكثافة المعتبرة و المتكررة قد يخدم الضحايا و عائلاتهم و إن كان تحقيق العدالة في هذا البلد صعب جدا، لكن من جهة أخرى هذه الكثافة في الطرح قد تكون خادمة لنوايا أخرى و قد تكون رد فعل مضاد للأطباء المقيمين خاصة و الأطباء بصفة عامة، و كأنهم يقولون لهم لا حقوق لكم مادمتم تقتلون الناس في المستشفيات، و كأنهم يردون على مطالبتهم بالحصانة القانونية، فيذكرونهم بأخطائهم.
إن إنصاف الطبيب في حقوقه لا يعني تهربه من واجباته و من بينها ضرورة مساعدة المريض مهما كان و تحمل نتائج و أخطاء عمله.
و لست هنا بصدد مناقشة موقفي من مطالب الأطباء المقيمين، و عرض موقفي المتضامن دائما مع ضحايا الأخطاء الطبية المظلومون دائما و المهمشون من طرف العدالة، بل المشكل الرئيسي و الخطير بعيدا عن مطالب كلتا الفئتين، هو سياسة ضرب الشيء بضده التي ينتهجها النظام دائما، و الكل يعلم بأن السماح للإسلاميين في بداية التسعينات بالظهور و التفاقم كان لغرض إحداث توازن بينهم و بين الديموقراطيين و الفئات و الأخرى لكن توقع حكام الجزائر كان خاطئا و كما يقول المثل الشعبي الجزائري "كبر الخروف و نطح باباه"، و اليوم نحن نشهد إحداثا للتوازن من خلال ضرب ثلاث أضداد ببعضهم البعض، الإخوان و السلفيين و الصوفيين، فقد تزامنت عودة التطبيل للزوايا و الأضرحة بالسماح لكتب السلفيين المختلفة بالدخول بغض النظر عن محتواها الثمين أو التافه أو الخطير.
نعم للديموقراطية التي تسمح للكل بإبداء رأيه، لكن ما يمارسه النظام ليس ديموقراطية بل هو توجيه لتوقيت و مكان بروز الشيء و ضده.
**ناشط اجتماعي جزائري
djameleddine1977@hotmail.fr