آخر الأخبار

أمريكا..لن ننهار وحدنا

عاشت الأوساط والقوى الاقتصادية والمالية العالمية، خلال الأسابيع القليلة الماضية حالة من الهلع والارتباك والترقب، وهي تتابع وقائع وتداعيات أزمة الدَّين الأمريكي، التي انتهت إلى توصل الإدارة الأمريكية مع زعماء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق اللحظة الأخيرة، وذلك بعد جدل حاد ومفاوضات صعبة بينهما، قدم فيها الطرفان تنازلات عديدة. ويقضي الاتفاق برفع سقف الدَّين العام الأمريكي وخفض الإنفاق بنفس المقدار، بما يعني تفادي عجز أو تخلف الولايات المتحدة الأمريكية عن سداد ديونها، وبالتالي تجنب إعلان إفلاسها.

وكان يمكن أن تسبب هذه الأزمة - لو لم يتمّ التوصل إلى حلها - تداعيات كارثية، لا تطاول الاقتصاد الأمريكي فقط، بل تطاول معه كل من الاقتصاد والنظام المالي العالميين، نظراً لأن الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر في العالم، ويتحكم بالنظامين المالي والاقتصادي في عالم اليوم. لكن وبالرغم من أنه قد جرى، هذه المرّة، تجنب التعثر الأمريكي في سداد الديون، إلا أن الإشكاليات والصعوبات في النظامين المالي والاقتصادي الأمريكي ستبقى قائمة، الأمر الذي يوجه جرس إنذار خطر، للداخل الأمريكي وللخارج أيضا، أي لقطاعات واسعة من الشعب الأمريكي ولشعوب ودول العالم الأخرى التي تستثمر داخل الولايات المتحدة، وخاصة تلك التي تستثمر في سندات الخزينة الأمريكية.

إشهار الإفلاس المحتمل, جعل الأسواق العربية والعالمية، تتعرض لتقلبات قد تزيد خطورتها كلما تعثر الكونجرس في رفع سقف الدين العام البالغ 14.3 تريليون دولار حاليا.

إن انعكاسات هذه الهزة على اقتصاديات العالم العربي ستكون كبيرة، خاصة وأن هذه الأزمة ليست بالحديثة، إذ أنها تفاقمت خلال العشر سنوات الماضية، وبالضبط منذ عام 2000 حينما كان سقف الدين الأمريكي في حدود 5950 مليار دولار، في حين أصبح سقف هذا الدين الآن في حدود 14.3 ترليون دولار، أي انه تضاعف أكثر من مرة خلال عشر سنوات، وأسباب ذلك معروفة، منها الحروب في أفغانستان والعراق وارتفاع النفقات الأمريكية داخليا وخارجيا.

وانعكاسات هذا الأزمة على العالم العربي كبيرة، وذلك من ناحية تراجع قيمة الدولار على الصعيد الدولي، وإذا علمنا أن معظم عملات الدول العربية، خاصة الدول النفطية، مرتبطة بالدولار، فهذا يعني أن هذه الدول ستتعرض لخسائر كبير جدا، فالمتتبع لتطورات نمو الدولار خلال العشر سنوات الماضية يلحظ تراجع هذه العملة بنسبة 50 بالمائة بالمقارنة مع اليورو. وبما ان معظم موجودات (مداخيل) الدول العربية تأتي بالدولار، فإن هذه الدول قد خسرت خمسين بالمائة من عائداتها خلال العشر سنوات الماضية، وقد تزيد هذه الخسائر في حال تعرض الدولار الأمريكي إلى انتكاسة بسبب أزمة الديون الأمريكية.

الدول المنتجة للنفط لديها حوالي 400 مليار دولار كسندات في الخزينة الأمريكية، وهذه الأزمة تجعل تلك السندات مشكوك في استرجاعها، بالإضافة إلى أن قيمة الدولار ستتراجع ما يؤثر على قيمة تلك السندات. فالأوضاع الاقتصادية في العالم العربي سيئة، ونأخذ على سبيل المثال دبي التي مازالت تتخبط في أزمتها المالية، التي هي أصلا انعكاس للازمة المالية العالمية التي كانت مصدرها الولايات المتحدة.

فما يحدث في الولايات المتحدة ينعكس دائما على اقتصاديات العالم العربي، نظرا للعولمة التي باتت تربط الشرق بالغرب، اقتصاديا واجتماعيا، لذلك فإن الانعكاسات المرتقبة من أزمة الدين الأمريكي ستتكون كبيرة وكبيرة جدا.

ماهو مصير 400 مليار دولار كأموال عربية مستثمرة في السندات الأمريكية؟

سنشهد تأخرا في السداد، وفي الواقع فإن الأكثر أهمية من ذلك أن الولايات المتحدة التي خفضت معدل الفائدة على الدولار إلى واحد بالمائة، فإن هذه السندات لا تنتج ما يغطي التضخم ، بالتالي هناك خسارة هامة جدا للدول التي تملك هذه السندات التي يكون مردودها من 2 إلى 3 بالمائة، وعندما ينخفض الدولار بنسبة كبيرة فهذا يعني ان هناك خسارة كبيرة في قيمة الموجودات (السندات) التي قيمتها بالدولار، وهنا أشبه وضع الدول العربية بأنها كائن يحمل حجرا كبيرا ولا يستطيع التخلص منه خوفا من أن يسقط الحجر على رجليه، أي ان هذه الدول ستتأذى في جميع الأحوال. ووضع الدول العربية هو نفس وضع الصين وأوربا فيما يتعلق بأزمة الدين الأمريكي.

عندما تتراجع إرادات رؤوس الأموال العربية فإنه لا يبقى فائض كاف للاستثمار، وللأسف فإن الدول العربية لا تهتم بالاستثمارات الداخلية، إنما فكرة توسيع مجوعة دول الخليج لتشمل كل من الأردن والمغرب ستفتح المجال لإعادة رسم إستراتيجية الاستثمار في هذه الدول لتتوجه نحو الدول العربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة.

الدرس الذي يمكن أن يستفيد منه العالم العربي من خلال هذه الأزمة هو محاولة خلق تكامل اقتصادي عربي، وتخفيف الانعكاسات السلبية للعولمة من خلال التركيز على الاقتصاديات الداخلية للدول العربية أكثر من الاستثمارت الخارجية. فدول الخليج مثلا مرتبطة بالعالم الخارجي أكثر بكثير من ارتباطها ببقية اقتصاديات العالم العربي، ومن هنا يجب إعادة توجيه تلك الاستثمارات نحو بقية الدول العربية، وذلك لتخفيف حدة انعكاسات الأزمات المستورة.