آخر الأخبار

المخابرات ..وأحلام المواطن

الهاتف برنين تصاعدي متوتر يعلمني برقم مجهول يتصل بنا .. من صاحب هذا الرقم و لما في هذا الوقت المبكر ..خير انشالله .. و بعد معاناة و جهد جهيد و ركل الشرشف المتجعد جزئياً و الوسادة المحشوة جانباً (في عملية الوصول للسماعة) .. لم يطلب أكثر من رد السلام و موعد قادم

يوم الثلاثاء .. بسيارته الفارهة و عطره المميز و بدلته الانيقة و ذات الياقة القاسية أتى على الموعد ليقلني لأحد المقاهي الذي أختاره لي مسبقاً و حادثني بكل لباقة
من البداية ..
خير أخي المواطن ما مشكلتك التي سمعنا عنها !!

تلعثمت كالعادة .. لا شيء سيدي .. لا شيء

المخبر : بداية أرجو منك أن تنحي هذا اللقب البائس جانباً فهو يثير اشمئزازي و يذكرني بتلك العقود و الحقب الستالينية الفاشية المتآكلة و أرجو استبداله بصديقي من بعد اذنك

بالتأكيد.. المعذرة يا سيد.. صديقي شرف لي هذا

نظر إلي بابتسامته الانطباعية اللطيفة أذا ما مشكلتك أخبرني هيا يا صديقي .. ألسنا أصدقاء ؟

أجبت : بالتأكيد وعندها بدأت أستجمع قواي المتكاسلة لأخبره بما يعتمر شعوري في تلك اللحظة الراهنة, كالعادة اختنقت كلماتي المكدسة داخلي في محاولة يائسة للخروج من قاع الصمت بايقاع معبر إلى السطح

حينها انتزع زمام المبادرة بكلاسيكة رتيبة

قال هل لا يكفيك الراتب ... هل مشكلتك بالسكن .. بالمواصلات ..بالخدمات العامة .. بالسياسة؟ أخبرنا أرجوك ولا تعذبنا بصمتك أكثر من ذالك فالجهات المختصة تواقة لمعرفة ما يجول بخاطرك ..!!

بدأت الكلام ..من الذروة .. حسناً يا صديقي سأخبرك بأن اتفاقية الكهرباء و الزيت مع دولة مجاورة لا تروقني
المخبر يسأل بعناية .. لماذا ؟

أشعر ان هناك غبناً في حقنا ثم إن الملحق المالي لهذه الاتفاقية يؤجل استحقاقات مالية سيكون أبناءنا بأمس الحاجة إليها اليوم قبل الغد

االمخبر .. هل هناك من يشعر مثلك و يحذو حذوك

مفعم بالثقة أجبت : بالتأكيد

المخبر : أذن لماذا لم تتجمعوا أو تتجمهروا و تقوموا بتنظيم مظاهرات صاخبة و إعتصامات أمام الوزارة صاحبة العلاقة أو مجلس الأعيان أو تحركوا النقابات لإسقاط ذالك الاتفاق طالما أنه لا يعجبكم هل أساعدك في هذا .. لحظة من فضلك .. ريثما أجري اتصالاتي .. بعد خمس دقائق أضاف: حسناً اليوم في أخبار المساء سنطلق حملة اعلامية مناهضة لهذه الاتفاقية و بامكانك من الآن اعتبار نفسك مديراً لها .. ما رأيك و في حال انشغالك سنعين لك مجلس ادراة و سكرتارية للمتابعة و التنظيم .. رشح اسماء
لحظة من فضلك ..سينضم الينا زميل من فرع العناية بالمواطن أذا لم يكن لديك مانع

لا .. بالتأكيد سمعت عن هذا الفرع كثيراً

أهلا اهلا بالزميل اللدود كيف الحال .. قالها المخبر مرحباً
الضيف: الحمد لله .. البارحة كنت متعباً للغاية
مخبرنا : لماذا
الضيف : قمنا مع العناصر بتنظيم حفل أستقبال لأحد كبار رموز المعارضة بالخارج و كانت حفلة صاخبة أحييناها مع الرفاق حتى الصباح

المخبر :اي حمدا لله عالسلامة ..

الضيف : لدى حديثه عن شعور بالوطن و ترابه بالغربة لم يبقى عنصر من عناصري إلا و اهجش بالبكاء ..

المخبر : الشباب عندك ما شالله قلوبهم طيبة و رقيقة

أدار الضيف وجهه باتجاهي فقال ما مشكلة مواطننا الحبيب عندك؟

المخبر : مشكلته انه مازال يكتم معناته بداخلة و لا يخربنا المزيد عنها

قاطعته بشجاعة .. حسناً هناك شيء آخر لا يروقني
سياسة القطر العامودية شاقولياً أرى انها سياسية قديمة متعفنة عفى عليها الزمن و ربما تسير بالبلاد رأساً على عقب !!

المخبر : .. لكن يا صديقي جربنا السياسات الأفقية ردحاً من الزمن و لم نجني منها الكثير و أثبتت فشلها تلك السنوات!

صحيح .. لكن أرى أن نغير هذه التحركات المستقيمة سياسياً المرحلة القادمة بحاجة لانحناءات و ليونة و التواءات جتى نتجنب التصدعات التاريخية و الانكسارات الايديولوجية كما حدث مع الجيران

المخبر .. أسمح لي يا صديقي أن أصفق لتلك النظرة الثابقة لديك و ارفع لك القبعة أذهلني مدى وعيك .. لحظة ثانية من فضلك للاتصال .. بعد دقائق رتبت لك موعداً مع قيادة مجلس الاعيان أرجو ان يناسبك الأسبوع القادم .. لتشرح لهم نظريتك الخطيرة هذه و تحذرهم من ......
قطعت الحوار صوت تساقط القطرات المتثاقلة عبر صفيح سقف الزنزانة 9 المتداعي في آخر الردهة .. الفرع 131
لم يكن هذا الحوار سوى أحلام لليقظة تقاسمنها بشراهة مفرطة كالرغيف الساخن أنا و عمار و خالد عند التمدد على تلك الرقعة الصلبة بانتظار يائس للنوم كأحدى منجزاتنا الطاحونية في عصر السبات المحنط و ليضاف إلى سجلنا المطلي بالادانات تهمة الأرتكان إلى أحلام منافية للمصلحة الوطنية الخاصة و زعزعة السلم الأهلي بالبلاد و التآمر ضد المنجزات التصحيحية و التحريض على عمل أجهزة الدولة و التواصل مع جهات و أطراف معادية
(كالشمس و القمر و النجوم و الحب)

لتبقى أحلامنا خالدة ذات رسالة واعدة بالوطن .. بالربيع .. بالمطر .. بالدفئ .. بالثلج .. بالشمس .. بالحب .. بالخبز .. ببراغ .. بالباستيل
كلها أصبحت أحلام مؤجلة حتى يوم زفاف الحرية و إقامة العرس لنحلق بها .. أحلام عابرة للقيود