أنا لا شك اعزو شرف استقباله الى وطني الذي علمني كيف يجب أن أحترم الرموز الوطنية وأقدرها، والثاني الى رئيس الجمهورية بشار الأسد الذي لولاه لما قدم المطران كبوجي الى سورية ممارساً حقه الوطني في انتخابه وليكون بذلك أول المهنئين للرئيس - من الشخصيات ذات الطابع العالمي - ، أما الثالث فهو لسماحة الشيخ أحمد حسون مفتي الجمهورية ، الذي قدم ويقدم لي كل وسائل الدعم لأجل كل ما يعطي صورة مشرقة وصادقة عن الاخاء والمحبة والتناغم بين الاطياف في بلدي .
سبق أن سافرت في حزيران 2005 الى روما حاملاً رسالة من سماحة مفتي سورية الشيخ احمد حسون الى سيادة المطران كبوجي، خاطبه فيها بـ الأخ المناضل وقال فيها.... أيها الرمز في زمن تضاءلت فيه الرموز حتى باتت نادرة وعندما دعاه قال للمطران نتمنى أن نراك قريبا بيننا، وأن تَقَبلَ أن نكون نحنُ ضيوفاً عندك ....و لأنه في زمن الصمت هذا، نفتخر أن يكون في صفوف امتنا، صوتك المدوي في العالم، ينادي للحق والسلام العادل ، ويغذي فينا روح الإباء .
وقد التقيت المطران اولا في بيته في روما حيث دعاني الى مائدة الغداء في احد المطاعم، ثم سلمته رسالة سماحة المفتي العام والتي هي عبارة عن دعوة لزيارة سورية، وسألته عن موعد قريب لمجيئه، فأجابني بعد أن توقفَ لحظاتٍ يستعرضُ بها الوقائع التي تحدث في المنطقة، الوقت الحالي لا يسمح و.....أنه تلقى تهديدا بالقتل من جهات غير سورية (ليسمح لي القارىء بعدم ذكرها) ثم تطرقنا الى عدة مواضيع وكنت أحاول بين الحين والآخر أن أعود الى موضوع زيارته الى سورية، حتى قال لي بشكل واضح وعصبي لن آتي الى سورية في الوقت الراهن، وسآتي عندما تسمح الظروف ولا تسألني أكثر من ذلك
لم أسأل المطران بأكثر من ذلك، وأنا الذي أعرفه تماما وامتلك صورة نادرة لسيادته في بيتنا بدمشق، يقف أمام عربتي الصغيرة عندما كنت طفلاً لم يتجاوز السنة الواحدة من عمره،... لم أرغب في النقاش معه حول مجيئه، وأنا الذي أعرف كيف أن الاسرائيلين لم يستطيعوا - برغم سجنه - أن يثنوه عن حملِ صليبه الذي أختاره بكل شجاعة، وهو الدفاع المستميت عن الشعب الفلسطيني.
ومضت الأشهر وكنت خلالها على اتصال مع سيدنا حتى علمت أخيرا بقدومه الى سورية لممارسة حقه في الاستفتاء عام 2007، على ولاية دستورية جديدة للرئيس بشار الاسد، واستقبلته من على سلم الطائرة في مطار حلب، كان تعبا تماما، وعند نزوله الى قاعة الشرف كان اهله في انتظاره، كما قدم المفتي العام للسلام عليه، وغادرا الى دمشق على نفس الطائرة.
في دمشق ، حيث كان له برنامج حافل من الاستقبالات والولائم التي اقيمت على شرفه، وخلال الاحتفالات التي رافقت اعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد، أقام مجمع الشيخ الراحل أحمد كفتارو، حفلا بهذه المناسبة، وخابرني اخي الشيخ الدكتور صلاح كفتارو حول رغبته أن يحضر المطران كبوجي هذا الحفل وان يلقي كلمة بالحضور، قلت له ساحاول وان كنت اعلم تماما عزوف المطران عن الكلام، وعندما اخبرت سيدنا بذلك قال لي بشرط ان لا اخطب، ولا تحاول ان تحرجني ، فانا لن اتكلم المهم حضر فضيلة الدكتور عبد السلام راجح للسلام على المطران ومرافقته الى المجمع، المكتظ بالحضور، وقبل أن يدخل الى مكان الاحتفال، قام بزيارة ضريح الشيخ الراحل احمد كفتارو حيث ادى صلاة قصيرة، وتذكر اللقاء الذي جمعه بالراحل، ثم دخل الى المسجد حيث قام الكثير من الحضور احتراما لهاذا المناضل، وبعد ان شق طريقه بين الجموع الى مكان جلوسه، بدأ الحفل، وأنا لا اعرف كيف ساقوم باقناع سيدنا بالكلام .
توجهت الى أخي الدكتور صلاح وقلت له، أن المطران لا يريد الكلام، ولكنك بحنكتك تستطيع ثنيه، كأن تقول: أنه بهكذا مناسبة - الاحتفال باعادة الانتخاب- كان يود ان يكون للراحل الشيخ احمد كفتارو كلمة، ولكن بما أن صديقه المطران كبوجي هنا، وهو بمثابة الوالد فقد يرغب في اكرامنا بالكلام، فما كان من المطران كبوجي الا أن نظر لي وكأنه يقول لقد كشفت مؤامرتكم انت وصلاح ا لن اطيل عليكم ولكن سانقل لكم بعضا مما قاله سيادة المطران كبوجي في مجمع كفتارو اثناء زيارته له .
قال أمام اكثر من ثلاثة آلاف شخص حلوٌ وجميلٌ تعانق الصليب والهلال، إنما الاجمل والاجدى انصهارُ الانجيل والقرآن في البوتقة الواحدة، بوتقة الاله الواحد وبوتقة التعاليم السماوية الواردة في الانجيل والقرآن وفي ذلك قوتنا ومناعتنا
ليس الدين لقباً، به نتغنى ، ولا مجموعة عقائد بها نؤمن، ولا مؤسسة اليها ننتمي
الدين حياة، الدين عمل، ارني ايمانك، ارني دينك من حياتك
أنا ابن سورية،.... كطفل، قبل دخول الصف، كنا نقف وننشد، بلاد العرب اوطاني، وسورية علمتنا أن لا نتقوقع، أن نفتح قلوبنا كبيرا للعالم اجمع، وبخاصة لامتنا العربية
الى أن وصل الى موضوع نتداوله منذ اكثر من خمسين عاما ، حيث قال بوضوح يجب أن يعيه الكثر في المنطقة ، قال على الاسرائيليين اليوم اكثر من اي وقت مضى، ان يختاروا بين امرين لا ثالث لهما، إما السلام واما الاحتلال، أما أن ينعما بالاثنين سوية، سلامٌ واحتلال فهذا من المحال .
أما نحنُ فقرارنا مُتخذ،... نحن العرب - وبخاصة سورية - قرارنا نحن متخذ، نحن نريد أن نعيش، والعيشُ ليس فقط اكلاً وشرباً، ليس بالخبز وحده يحيا الانسان. الحياة الحقيقية هي الكرامة وعنوان الكرامة هو الوطن، ولذا نحن مصممون (سورياً) إما أن نعيش أحراراً كراماً في وطن سيد مستقل، وإما أن نموت كراماً دفاعاً عن حقنا في هذا الوطن، نعم للسلام، لا وألف لا, للاستسلام اياً كانت الظروف
ووصل الى قوله نحن لا نستجدي، نحن أصحاب حق، فلسطين أرضنا، ونحن ما نطالب به اليوم هو مخجل، فعندما عرض بورقيبة قيام دولة فلسطينية على 46% من فلسطين، اعتُبِرَ خائناً ورُجمَ بالبندوره، ونحنُ اليومَ نقبلُ دولةً لفلسطين فقط في 22% من فلسطين، وهذا مُخجل .......ومن هذه الـ 22% أخذت اسرائيل وصادرت 40% لبناء المستوطنات، فما الذي بقي من الـ 22% من فلسطين المعطاة لنا؟؟؟؟، لا شيء
حتى كانت جملته ولذا بودي الا أسمع ، عندما العرب يتكلمون عن حلٍ للقضية الفلسطينية في حدود الـ 67 أن يقولوا حل عادل، حلٌ عادل؟؟؟؟؟ لا هذا ليس بالحق العادل هذا حق باطل، هذا حل الممكن، هذا حل الوارد، هذا الحل المستطاع، أما الحل العادل فهو فلسطين كل فلسطين
وهو إذ يستقرىء المستقبل يقول : سيأتي اليوم، وقريبٌ إن شاء الله بعونه، تعالى ، سوف نجتمع جميعاً - الامة العربية كلها - في رحاب الجامع الاقصى وكنيسة القيامة، بينما الاجراس تقرع مهللة لعودتنا الى وطننا، الى فلسطيننا، الى قدسنا، بينما المآذن تصدح، الله أكبر، الله أكبر، إنه السميع المجيب وعلى كل شيء قدير
الآن عرفت لماذا هناك من يخاف عودتك سماحة المطران .
عالم بلا حدود