---------------------------------------
يقول الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الهام التخلف الاجتماعي - مدخل الى سيكولوجيه
الانسان المقهور , والذي حاول فيه من خلال التحليل النفسي والاجتماعي , دراسه العنف
الذي انفجر في لبنان ابًان اندلاع الحرب الأهليه عام 1975 , مستخدما اياه كنموذج على رد
فعل النسان المقهور في المجتمعات المتخلفه , والذي يكشف عما يعتمل في بنيه المجتمعات المتخلفه من عنف , وما يصطرع فيها من مآزق وتناقضات :
" يصل المجتمع المتخلف بالضروره في مرحله من مراحل تطوره الى العنف "
هذا العنف الذي ينفجر في وجه القوى المسؤوله عن القهر , يبدأ مقنًعا , وينتهي صريحا ,
مارا بكافه الاشكال الرمزيه والصريحه لتفشي العنف في بنيه المجتمع, والشواهد المبكره
على تراكم العدوانيه في المجتمع قبيل لحظات الانفجار كثيره منها :
* انتشار ظاهره خرق القانون كتوجه فكري وسلوكي , وكمصدر لكسب الرزق (كالتهريب مثلا)
* ازدياد حجم التصرفات الجانحه ( احتيال , سرقه , تحرش , اغتصاب ....الخ)
* انتشار ظاهره اقتناء السلاح ,وازدياد حوادث القتل الفجائي ولأتفه الاسباب(بعد مشاجره عابره , اثر حادث مروري ,... وغيرها)
* تخريب الممتلكات العامه , كسر أنوار الاشارات الضوئيه , اقتلاع شجيرات الزينه ..الخ
وهكذا يصبح الانسان المقهور , وكأنه يعيش وسط غابه من الذئاب , لذلك تراه على استعداد
دائم للصراع المتدرج صعودا على درجات سلم العنف , من الانفجار في سيل من الشتائم
والسباب , وصولا الى التهديد والوعيد وحتى الى القتل لأسباب تافهه,
اعاده توجيه العنف :
عندما يصل العنف المتراكم داخل بنيه مجتمع ما (أو مكون من مكوناته)الى النقطه الحرجه
التي تهدد تلك البنيه بالتشظي , تتم عمليه أعاده توجيه العدائيه نحو جماعات أخرى مختلفه
عرقيا أو دينيا أو طائفيا , ويتخذ العنف طابع التشفي الذي لا يرتوي , فليس ثمه ضوابط
اخلاقيه ولا صمامات امان , بل هناك الخوف من القمع الخارجي وعندما يزول ذلك الخوف ,
مثلما في النزاعات الكبرى, ينفجر العدوان بشكل مدمر , متخذا كل أشكال السلب والاستباحه لانسانيه الطرف الآخر, وحتى لوجوده
علاقه الانسان المقهور بالسلاح :
لحمل السلاح عند الانسان المقهور قيمه رمزيه لا تقل أهميه عن قيمته العمليه , اذ يشعره
بالسياده عل مصيره , وتكتسب حياته ديناميه متسارعه تعزز تصرفاته الاهتياجيه , وذات
الطابع الاستعراضي , مع الكثير من التماهي بالمتسلط في استخدام العنف و القمع تحت
تهديد سلاحه ,
فالمقاتل الذي حمل السلاح , لا يقف موقفا نضاليا , بل يتصرف بشكل أقرب ما يكون الى
نموذج المتسلط الذي عانى منه سابقا ,
الا ان المؤسف في الأمر كله , أن كل ذلك العنف لا يعبرعن الوعي الذي يهدف بالضروره
الى تغيير علاقات الاستبداد السابقه , بل على العكس يعمل على ترسيخها و تعزيزها , من
خلال احلال ساده جدد , عوضا عن الساده السابقين .