بقلم منى العلمي
يأن الإقتصاد السوري تحت وطأة العديد من المشاكل المتعاظمة، في وقت تدخل فيه الانتفاضة الشعبية السورية شهرها العاشر. فمنذ نهاية مارس الماضي، والحكومة السورية تشن حملة قمع صارمة ضد المظاهرات المؤيدة للديمقراطية، مما أدى إلي تحول الإنتفاضة السلمية إلى ثورة مسلحة كاملة في مناطق مثل حمص، وحماة، وجبل الزاوية.
ويبدو أنه"من الصعب جداً تقييم الوضع"، بحسب ما قاله جهاد يازجي الخبير الاقتصادي المقيم بدمشق ومؤلف "تقرير سوريا"، لوكالة إنتر بريس سيرفس هاتفياً. ويعد تقرير "سوريا"، الذي نشرته وكالة اتصالات ومعلومات الشرق الأوسط ومقرها في باريس، أحد المصادر الرئيسية للمعلومات عن الاقتصاد السوري.
كما جاء قرار وكالة التصنيف الدولية "موديز" هذا الشهر بخفض تصنيف القطاع المصرفي في لبنان المجاورة، من مستقر الى سلبي، متأثراً بتدهور الوضع في سوريا والنقاط الساخنة الأخرى في المنطقة.
وشرح يازجي أن علامات الإجهاد الشديد قد بدأت تظهر بالفعل على الاقتصاد السوري، في وقت يتوقع صندوق النقد الدولي نسبة انكماش تبلغ 2 في المئة، رفعتها تقديرات "بيزنس مونيتور" الدولية إلي 9.6 في المئة. لكن يازجي يتوقع أن تبلغ النسبة حوالي 15في المئة.
وإنخفض عدد السياح الذين يزورون سوريا بنسبة 64 في المئة منذ مارس الماضي وفقاً لبيانات وزارة السياحة.
وجاءت العقوبات الجديدة علي سوريا، خاصة في قطاع النفط، لتكثف الضغط علي إقتصادها. فقال نسيب غبريل، كبير إقتصادي مجموعة بنك "بيبلوس" اللبناني الذي يعمل أيضا في سوريا، لوكالة إنتر بريس سيرفس،"كان الإتحاد الأوروبي هو المشتري الرئيسي للنفط السوري، لذلك تحاول سوريا الآن إيجاد عملاء جدد".
وكان إنتاج سوريا من النفط قد بلغ 385,000 برميلا يومياً عام 2010، صدرت نسبة 99 في المئة منه إلى أوروبا. وأفاد سفيان العلاو وزير النفط السوري، أن خسائر قطاع النفط في سوريا بلغت أكثر من ملياري دولار منذ سبتمبر الماضي نتيجة لعدم قدرتها على تصدير النفط الخام والمنتجات البترولية.
كما تشهد العاصمة الآن انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات يومياً بالرغم من أن دمشق ظلت بعيدة نسبياً عن موجة الإحتجاجات. وفي بعض المناطق خارج دمشق، تتجاوز فترة انقطاع التيار الكهربائي ثماني ساعات، وفقا للسكان المحليين.
وبالطبع تؤثر هذه الأزمة سلباً على القطاع المالي، مما أدى لفقدان الليرة السورية ما يقرب من 50 في المئة من قيمتها مقابل الدولار نتيجة لهروب رأس المال، أي من 47 إلى 71 ليرة مقابل الدولار.
وترجم ذلك إلى معدل تضخم يبلغ 20 في المئة، حسب تقديرات يازجي، رغم أن البيانات الرسمية تحدده بنسبة مجرد 3.38 في المئة منذ سبتمبر 2011، وفقا للمكتب المركزي السوري للإحصاء.
هذا ولقد حاول المسؤولون إبطاء أعمال البنوك من خلال إضافة رسوم لمعاملة سحب الدولار، ورفع أسعار الفائدة على الودائع، وفرض قيود على شراء العملات الأجنبية. ونتيجة للعقوبات، أعلن البنك السعودي الفرنسي، وهو بنك إئتماني سعودي مملوك جزئياً من "كريدي أغريكول" أنه سيبيع حصته البالغة 27 في المئة في بنك بيمو السعودي الفرنسي بسوريا.
ووفقاً لغبريل، يبلغ إجمالي موجودات المصارف السورية حالياً 44 مليار دولار، مقسمة بين 14 مصرفا خاصاً و 6 مصارف مملوكة للدولة.
وعن هذا، أفاد أحد المختصين بالقطاع المصرفي الذي عمل مع المصارف السورية، طلب عدم ذكر إسمه لأسباب مهنية، أنه "علي مستوى خدمات التجزئة المصرفية، نلاحظ أن مديونية بعض العملاء الناجمة عن التأخر في الدفع قد بدأت تتحول الآن إلي عجز عن الدفع".
وأضاف أن الضغوط تتزايد أيضاً على مستويات إقراض الشركات، بما أن أعدادا متزايدة منها تطلب تمديد قروضها، سواء في شكل السحب على المكشوف، أو الفواتير المخصومة وخطابات الائتمان.
هذا وقد أثار غوشوا لانديس، المتخصص بالعلوم السياسية، في تعليقه على مدونة "سيريا كومنت"، إحتمال أن تتخلف البنوك الحكومية عن سداد مدفوعاتها للنظام المصرفي الخاص.
وقال أن "سؤال المليون دولار هو ما هي المدة التي ستكون الحكومة قادرة فيها على تلبية متطلباتها المتعلقة بالميزانية، والتي تقدر بنحو 21 مليار دولار سنوياً"، ويضيف، " قبل الأزمة، بلغ إحتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية 18 مليار دولاراً، وفقاً للبيانات الرسمية. ويقدر بعض الخبراء أنه لا يزيد الآن على 11 مليار دولاراً الآن".
فعلق جهاد يازجي قائلا أنه مع تزايد الضغوط المالية، لم يبق أمام البنك المركزي من خيار سوى طباعة نقود جديدة، وهو الإجراء الذي سيؤدي إلى مزيد من التضخم.
(ips)