آخر الأخبار

مرحلة انتقاليّة لا انتقاميّة

mrnews72@hotmail.com
عندما يوشك أي نظام فاشي على السقوط، فإن جنون نيرون يمسه ليحرق الأرض ومن، وما، عليها. وصار في العالم العربي "كليشيه" جاهز أمام الأنظمة الديكتاتورية التي أدبر بعضها، وبعضها الآخر يقترف آخر جرائمه قبل السقوط. هذا "الكليشيه يتمثل في قيام من ادعى أنه "حاكم بأمر الله"، حاشا لله، بتسميم الثورة التي أطاحته، وتلويث سمعتها لإثبات أن حقبته، الطويلة جداً، كانت عصراً ذهبياً للمواطن العربي، وأمناً وسلاماً له، من دون أن يدرك أن حقبته لم تكن سوى غصة في حلق المواطن العربي.

هذا ما حدث في بعض الأصقاع العربية الثائرة التي نجحت في تحرير نفسها من قبضة الحاكم، حيث تم تجنيد "زعران" الديكتاتور، أو الفاسد، ليعيثوا في الأرض فساداً لجعل المواطن العربي "يترحم" على الديكتاتورية، وهنا مكمن الخطر حيث يتوجب على المرء التنبه إلى هذه المسألة.

الكثير من العرب، ولا أقول الكل، عاطفيون، وربما تنطلي على بعضهم حِيَلٌ لجعل صورة الحقبة الجديدة سوداوية أمامه من خلال "الوندلة"، والعبث بمقدرات الوطن وخلخلة الاقتصاد المتخلخل أصلاً، لأن الديكتاتور يتمنى أن يستمر حكمه الفاشي حتى لو من قبره. لذلك لا يكفي فقط رحيل الديكتاتور بشخصه، إنما أيضاً رحيل ظله المتشعب والمتمثل في عناصر بشرية، أو مؤسسات ما انفكت تسير على دربه، والتي بمقدورها بث الفوضى في البلاد، أو مواصلة الاستئساد على المواطن المسكين.

إن أية مرحلة تتبع عقوداً من إحكام قبضة الحاكم المستبد بعد إطاحته بثورة إنسانية ووطنية، لن تكون وردية كما يتمناها الكثير من عشاق الحرية والباحثين عن الكرامة، خصوصاً أن الحكم كان في قبضة شخص واحد، لا من خلال مؤسسات كما هو العالم المتقدم الذي لا يصيبه قلق من تغير الرئيس ما دامت هناك مؤسسات تحكم وليس شخص مع أخيه وبنيه، وقبيلته التي تأويه.

لذلك يجدر بالإنسان العربي أن لا يحكم على الثورة بالفشل من خلال فوضى تتبعها، لأن الفوضى مرحلة علمية تسبق التشكل، والعرب الآن أمام تشكل لمرحلة جديدة فلا بد، إذنْ، من المرور بحالة الفوضى المحتمة التي قد تستمر بضع سنين كحال أمم أخرى سبقتهم نحو التشكل الديمقراطي وإن اختلف منسوبه. والنجاح الحقيقي يكمن في تقصير عمر هذه الفوضى وليس في منعها، لأن منعها كما الغول والعنقاء.

هذه الفوضى، باختلاف بشاعتها ومداها، هي المرحلة الانتقالية التي ستنقل شكل الحكم وكرامة المواطن نحو إطار آخر لطالما كان حلماً يراود العربي. وسيكون النجاح حليفها ما دام سائسوها قد حافظوا عليها كمرحلة انتقالية لا انتقامية، وحينها يكون الخطر الأكبر. فالانتقالية مع الفوضى، ليست كالانتقالية مع الانتقامية، وإذا سادت روح الانتقام فإن أحقادها قد تورث إلى أجيال أخرى. فأهلاً بالانتقالية مع فوضاها، وسحقاً للانتقامية ومَنْ مضّاها.