آخر الأخبار

ملاحظات حول مسوّدة الدستور السوري الجديد

أصبحت غالبية المجتمع السوري على قناعة تامة بأن طرح مسوّدة الدستور الآن وبهذا الشكل المتأخر كمن "يذهب إلى الحج والناس راجعة" ومنهم من يذكرنا بالمثل المعروف في بلاد الشام "بعد خراب البصرة". ولكن هنالك كذلك من يرى بان تأتي هذه المسوّدة متأخرة خير من أن لا تأتي. ما أخشاه هو أن ما يحصل في سورية الآن من عمليات قتل وتدمير وتنكيل وتعذيب لا تستطيع أن تمحوها مسوّدة دستور جديد. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح هو: كيف ستتم عملية الإستفتاء على هذه المسوّدة والبلاد تعيش حالة شبه حرب أهلية طاحنة تدور في كثير من مدنها وقراها، بالإضافة إلى الحصار العالمي شبه المطبق المضروب على سورية من كل الجهات اضافة الى صعوبة التنقل بين كثير من المدن السورية. ومع ذلك وانطلاقا من روح التفاؤل وعلى مبدأ عسى ولعلى أن تكون هذه المسوّدة مشروع دستور سوري جديد تتم مناقشتها بين الكتل السياسية والمثقفين السوريين وكل المهتمين بالشأن السوري, حيث يهدف الجميع الى الوصول إلى دستور حضاري مبني على روح العدالة والديمقراطية والمساواة. ولهذا السبب وجدت ان من واجبي تقديم مقترحاتي وملاحظاتي حول هذه المسوّدة وخاصة حول النقاط التي لها علاقة بالعمل البرلماني، وهي فيما يلي مبنية على تجربتي البرلمانية التي مارستها في ألمانيا على مدى دورتين برلمانيتين متتاليتين:

المادة الثالثة : (دين رئيس الجمهورية الإسلام). في الديقراطية يجب ان لا تكون المرجعية الدينية عاملا أساسيا في منصب الرئاسة. وهل الدين له علاقة بالإيمان؟ أم يحدد "إخراج القيد" الذي تصدره دائرة النفوس هوية الإنسان. وهل عندما ينطق شخص ما أمام موظف دائرة النفوس بالشهادة سيصدر له وثيقة تثبت بأنه مسلم؟ وماذا سنفعل إذا كانت الأغلبية المسلمة تريد أن تنتخب شخصا غير مسلم لهذا المنصب؟ ماذا سنعمل إذا طلبت الأديان الأخرى والطوائف مناصب محددة أو تقاسم الرئاسات كما هو الحال في لبنان؟ سورية بحاجة إلى دولة مدنية ديمقراطية كل مواطنيها سواسية ولا تفرقة بينهم مهما كانت إنتماءاتهم العرقيه أو الدينيه أو الطائفيه.

المادة السادسة عشرة : (يعين القانون الحد الأقصى للملكية الزراعية والاستثمار الزراعي بما يضمن حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال ويضمن زيادة الإنتاج). هل الحد من الإستثمار الزراعي يرفع الإنتاج؟ وإذا طبقنا هذا المبدأ على كافة قطاعات الدولة ووضعنا حدا للإستثمار فيها سيصبح كل ما تقوم به وزارة الإقتصاد والمؤسسات التابعة لها غير دستورية.

المادة الستون : (يجب أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين ويبين القانون تعريف العامل والفلاح). أليست هذه هي الخطوة الأولى للدخول في مبدأ توزيع مقاعد البرلمان على مبدأ "الكوتا" أي المحاصصة ؟ بعد ذلك سيأتي اليوم الذي تطالب فيه النساء على نصف مقاعد مجلس الشعب لأن المرأة هي نصف المجتمع وعلى اثرها ستطالب كل الأقليات وربما بعض القبائل والعشائر وكذلك ذوي الإحتياجات الخاصة ومجموعات أخرى بمقاعد مخصصة لها وذلك حسب نسبتها المئوية من عدد سكان سورية.

المادة الثالثة و الستون : (إذا شغرت عضوية احد اعضاء مجلس الشعب لسبب ما انتخب بديل عنه خلال ستين يوماً من تاريخ شغور العضوية على أن لا تقل المدة الباقية للمجلس عن ستة أشهر وتنتهي عضوية العضو الجديد بانتهاء مدة المجلس ويحدد قانون الانتخاب حالات شغور العضوية). هنا يمكن تجنيب المواطن عناء كثير من الحملات الإنتخابية الباهظة التكاليف وهي في أكثر الأحيان مضيعة للوقت ومصحوبة بتوترات كبيرة بين المتنافسين على تلك المقاعد وبين أتباعهم ومناصرينهم. الشكل التالي يعتبر في رأيي مفضلا: تنتخب الأحزاب والتكتلات السياسية قوائمها كاملة. في هذه القوائم يكون عدد الأسماء المذكورة تقريبا ضعف ما تتوقعه كل كتلة أو مجموعة من حصولها على المقاعد في مجلس الشعب. تقوم كل مجموعة بتسجيل وتوثيق قائمتها لدى الجهة المعنية بشؤون الإنتخابات في وزارة الداخلية. هذه القوائم يتم الرجوع إليها في حالات الإستقالة أو الوفاة أو الفصل وذلك حسب الترتيب الذي تم تقديمه إلى الجهة المعنية. اما بالنسبة للنواب المستقلين الذين تم إنتخابهم مباشرة عبر دوائرهم الإنتخابية فيؤخذ المرشح المستقل الذي يليه في ترتيب الأصوات في الدائرة الإنتخابية ذاتها.

المادة الخامسة و السبعون : يتولى مجلس الشعب الاختصاصات الآتية : .....
لفت نظري هنا عدم ذكر أهم إختصاصات البرلمانات الديمقراطية وهي الموافقة على الحكومة الجديدة.

الفقرة الثامنة من هذه المادة تنص على ( قبول استقالة احد اعضاء المجلس أو رفضها). السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل نستطيع أن نرفض إستقالة أي عضو في المجلس ونجبره وبشكل قسري أن يمثلنا في هذا المجلس؟

المادة الرابعة و الثمانون : يشترط في المرشح الى منصب رئيس الجمهورية ما يلي:
تنص الفقرة الرابعة من هذه المادة على (ان لا يكون متزوجاً من غير سورية). ماذا لو كانت زوجته تحمل جنسيات أخرى إلى جانب الجنسية السورية أو تحمل جنسية بلد عربي آخر؟ أو أنه كان متزوجا من غير سورية ولكنه الآن مطلق؟ الفقرة الخامسة من هذه المادة تنص على (ان يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشرة سنوات اقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح): هل يعني هذا بأن كل العاملين في البعثات الدبلوماسية في الخارج والمنتدبين إلى الخارج من أجل دورات علمية أو دراسية أو غير ذلك لا يحق لهم الترشح لرئاسة الجمهورية؟ المغترب السوري عليه أن يؤدي الخدمة الإلزامية في الجيش ولو كان يحمل عدد من الجنسيات الأخرى إلى جانب الجنسية السورية ولكن لا يحق له أن يرشح لرئاسة الجمهورية. ترمي هذه الفقرة على ما يبدو إلى إقصاء المغتربين السوريين والذين يقدر عددهم في الخارج ما يقارب عدد سكان سورية في الداخل، ومعروف أن قسم منهم تم إبعاده قسرا من البلاد وقسم آخر غادر البلاد لأسباب أخرى. المغتربون هم ثروة كبيرة وكنز هائل يجب أن نعمل من أجل كسبها لصالح البلد وليس إقصائها وخسارتها.

المادة الثامنة و الثمانون : (ينتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم , ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية). يبدو هنا بأن الرئيس الحالي يحق له الترشح لدورتين إضافيتين وهذا ما ترفضه المعارضة السورية الآن وتطالب بتنحي الرئيس وتسليم صلاحياته لنائبه كشرط مسبق لبداية الحل السياسي لأزمة البلاد الراهنة. ويخطرني سؤال آخر هنا وهو لماذا لا يحق للنساء الترشح لرئاسة الجمهورية؟ هكذا نكون قد خسرنا نصف قدرات وطاقات ومواهب المجتمع.

المادة الحادية و التسعون : الفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أن (لرئيس الجمهورية ان يسمي نائباً له او اكثر وان يفوضهم ببعض صلاحياته). هنا ممكن أن تضاف الجملة التالية: يجب أن يحصل كل نواب الرئيس على موافقة مجلس الشعب. والفقرة الثانية من هذه المادة تنص على (يؤدي نائب الرئيس القسم الدستوري امام رئيس الجمهورية قبل ان يباشر مهام منصبه كما هو وارد في المادة السابعة من الدستور). هنا يمكن أن تعدل هذه المادة وتصبح كالتالي: يؤدي نائب الرئيس القسم الدستوري قبل أن يباشر مهامه أمام مجلس الشعب. هذا النص وارد في المادة السابعة من الدستور.

المادة السابعة والتسعون : (يتولى رئيس الجمهورية تسمية رئيس مجلس الوزراء و نوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالتهم واعفاءهم من مناصبهم) . هذه الفقرة يفضل تعديلها كالتالي: يوكل رئيس الجمهورية رئيس أكبر كتلة نيابية ممثله في مجلس الشعب بتشكيل الحكومة الجديدة وذلك في خلال 40 يوما من تاريخه. ويجب أن تحصل الحكومة الجديدة على موافقة مجلس الشعب وان يقبل رئيس الوزراء إستقالة الوزراء ويعفيهم من مناصبهم.

المادة السادسة بعد المئة : (يعين رئيس الجمهورية الموظفين المدنيين و العسكريين وينهي خدماتهم وفقاً للقانون). هذه مهام إدارية وعلى رئيس الجمهورية أن لا يلهي نفسه بتوظيف وتسريح وإنهاء خدمات الموظفين.

المادة الحادية عشرة بعد المئة : الفقرة الأولى من هذه المادة تنص على ان ( لرئيس الجمهورية أن يقرر حل مجلس الشعب بقرار معلل يصدر عنه). يفضل تعديل هذه الفقرة كالتالي: مجلس الشعب سيد نفسه وهو يستطيع فقط حل نفسه إذا كانت الأغلبية متوفرة من أجل ذلك.

المادة الخامسة عشرة بعد المئة : (لرئيس الجمهورية أن يشكل الهيئات والمجالس واللجان الخاصة وتحدد مهامها وصلاحياتها بقرارات تشكيلها). السؤال هنا أية لجان وأية هيئات؟ إذا كانت هذه اللجان تابعة لمجلس الشعب فهي من صلاحيات المجلس فقط وبالعادة يتم التوافق عليها بين الكتل النيابية الممثلة في المجلس.

المادة السابعة عشرة بعد المئة : (رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى ويكون طلب اتهامه بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس بجلسة خاصة سرية وذلك بناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل وتجري محاكمته أمام المحكمة الدستورية العليا) . هذه المادة تضع منصب رئاسة الجمهورية فوق القانون وفوق المسائلة وتتيح له ان يتصرف بالبلاد والعباد كيفما يشاء اي انه مطلق الصلاحيات، وفي نفس الوقت يلاحظ ان الجهة الوحيدة المخولة بمحاكمة الرئيس في حالة الخيانة العظمى هي المجلس القضائي الأعلى والتي يكون الرئيس قد عينها مسبقا! (قارن المادة الحادية و الأربعون بعد المئة)

المادة السادسة والعشرون بعد المئة: (يجوز الجمع بين الوزارة و عضوية مجلس الشعب) . في هذه الحالة سيحصل تصادم وتضارب بين المصالح الشخصية والمؤسساتية. أحد أهم مهام مجلس الشعب هي مراقبة ومحاسبة الحكومة. فإذا كان االشخص هو وزيرا ونائبا بآن واحد, فهذا يعني بأنه الخصم والحكم معا وهل يستطيع الشخص الواحد أن يكون مدعيا عاما ومتهما بآن واحد؟

المادة الحادية والأربعون بعد المئة : (تؤلف المحكمة الدستورية من سبعة أعضاء على الأقل يكون أحدهم رئيساً يسميهم رئيس الجمهورية بمرسوم). قارن المادة السابعة عشر بعد المئة.

المادة الخامسة والأربعون بعد المئة : (يؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليا وأعضاؤها القسم الآتي أمام رئيس الجمهورية وبحضور رئيس مجلس الشعب قبل توليهم عملهم). هذه المادة يمكن تعديلها كالتالي: يؤدي رئيس المحكمة الدستورية العليا وأعضاؤها أمام مجلس الشعب قبل توليهم مهام مناصبهم.

المادة السابعة والأربعون بعد المئة : تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية القوانين على النحو الآتي :
الفقرة (ت‌) تنص على ما يلي: إذا قررت المحكمة مخالفة القانون أو المرسوم التشريعي أو اللائحة للدستور، عد لاغياً ما كان مخالفاً منها لنصوص الدستور بمفعول رجعي ولا يترتب على ذلك أي أثر. ملاحظتي هنا هي أن التشريع من صلاحيات مجلس الشعب فقط ويجب أن لا يكون مصدرا آخرا للتشريع سواه.

المادة الثانية والخمسون بعد المئة : (لا يجوز لمن يحمل جنسية أخرى إضافة للجنسية العربية السورية أن يتولى مناصب رئيس الجمهورية أونائبه أو رئيس مجلس الوزراء أو نوابه أو عضوية مجلس الشعب أو عضوية المحكمة الدستورية العليا) . هذه مادة إضافية جديدة تؤدي لخسارة المغتربين وإبعادهم عن البلاد.

المادة الخامسة والخمسون بعد المئة : (تنتهي مدة ولاية رئيس الجمهورية الحالي بانقضاء سبع سنوات ميلادية من تاريخ أدائه القسم الدستوري رئيساً للجمهورية وله حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام المادة / 88/ من هذا الدستور اعتبار اًمن الانتخابات الرئاسية القادمة) . علينا هنا أن نحدد لأي شخص كان فقط دورتان رئاسيتان في كل حياته وإلا ستواجهنا في المستقبل مشكلة "الطريقة البوتينية" أي طريقة رئيس روسيا السابق واللاحق فلاديمير بوتين. بعد أيام قليلة سيعاد إنتخاب بوتين للمرة الثالثة بعد أن قام "بتوكيل" الرئيس الحالي ميدفيديف بمنصب الرئاسة لفترة واحدة وبقي هو يحكم البلاد من وراء الكواليس لأن الدستور الروسي لا يسمح لأكثر من دورتين متتاليتين. الرئاسة يجب ان تحدد لمدة دورتين فقط في طول حياة أي شخص كان وبدون تجديد أو "مبايعة".

تم وضع مسوّدة هذا الدستور من قبل لجنة شكلها رئيس الجمهورية والتي سيتم الإستفتاء عليها من قبل الشعب السوري بتاريخ 26.02.2012 وبدون مناقشتها في المجتمع وبين الكتل السياسية والمثقفين. هذا يعني بأنه بعد هذا الإستفتاء سيصبح من المستحيل إضافة أو شطب مواد من هذا الدستور لأن الشعب هو أكبر سلطة في المجتمع وليس مجلس الشعب.

يحتوي الدستور عادة على الدعامات الأساسية للسياسة المستقبلية للبلاد وللأجيال القادمة، وعليه فالمطلوب منا جميعا أن نضع أنانيتنا ومكاسبنا الشخصية بعيدا، وأن يكون همنا الأوحد مستقبل البلاد ومكانتها بين الشعوب المتحضرة والمتطورة لكي يكون لنا مكان بينها.

*نائب ألماني سابق