من مرح معمر القذافي إلى قوة صدام حسين وخطابة بشار الأسد، افتقدت القمة العربية الأخيرة في بغداد وجوها اعتادت أن تشغل الجماهير العربية بأفعال غير تقليدية، كما تسبب الربيع العربي في تغييب البعض منها.
وفيما يلي نستعرض أبرز الغائبين:
معمر القذافى
حظت كلمة الرئيس الليبي السابق العقيد معمر القذافى على الدوام باهتمام خاص من الجماهير العربية لأسباب غير خافية على أحد.
وتمثلت بدايات ظهور القائد "الأممي وعميد الحكام العرب وملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين"، كما اعتاد وصف نفسه، فى القمم العربية خلال مؤتمر القمة العربية في الجزائر في 1988، إذ لبس كفاً أبيض بيده اليمنى فقط، وكان السبب وراء ذلك أنه لا يريد مصافحة بعض القادة الذين "لطخت أيديهم بالدماء"، إلا أنه وفى نفس المؤتمر قدم اقتراحا لمشروع وحدوي مع هؤلاء القادة الملطخة آياديهم بالدماء.
أما فى القمة العربية العشرين التى كانت منعقدة فى العاصمة السورية دمشق فى 2008، فقد ألقى القذافى كلمة حذر فيها القادة العرب من تكرار تجربة إعدام حسين عليهم وتصفيتهم كاملة وذلك على الرغم من صداقتهم للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن القادة العرب استقبلوا كلمته بالضحك.
وفى نفس المؤتمر طالب القذافى برفع الخلاف على الجزر الإماراتية إلى القضاء الدولى، مشددا فى الوقت ذاته على عدم معاداة إيران، وكان أول من دعا القادة العرب إلى اللجوء لمجلس الأمن للتحقيق فى قتل رئيس الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات وإعدام صدام حسين.
أما في قمة الدوحة في 2009، فقد تم قطع الصوت عن القذافى عندما كان يتحدث في الجلسة الافتتاحية عن خلاف بينه وبين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، فانسحب وغادر القمة إلى مقر إقامته، فيما انتشرت كلمة القذافى بعد ذلك على المواقع الإليكترونية وكان أبرز ما فيها ادعاء الرئيس الليبي أن عاهل السعودية يتهرب من مواجته منذ ست سنوات واتهامه للأخير بالاحتماء بالولايات المتحدة.
ورغم الاعتذار عن انقطاع الصوت رفض القذافى العودة إلى الجلسة، وذهب ليزور المتحف الإسلامي.
بشار الأسد
اعتاد غلقاء خطبا اعتيادية ولكنها كانت لا تخلو من الانتقاد اللاذع لإسرائيل وحديثه عن الصراع العربى الإسرائيلى والقضية الفلسطينية وهو ما كان يرضى الشعوب العربية على اعتبار أنه ليس فى الإمكان أكبر من ذلك، فافتقدت القمة العربية فى دورتها الثالثة والعشرين وجود بشار الأسد بعد تأكيد نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي أن الأسد "ممنوع من الحضور"، وفقا لـ"قرار عربي".
وفى 2008 وخلال كلمته الافتتاحية فى القمة العربية العشرين أخذ الأسد يتذكر المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى بقوله: "كلنا يتذكر مجزرة جنين ومئات الشهداء الذين سقطوا فيها وأتبعت إسرائيل ذلك بالعدوان على سوريا ولبنان وأمعنت فى تنفيذ الاغتيالات السياسية وعملت بدون توقف على دفع الرأي العام الاسرائيلي باتجاه المزيد من التطرف".
وعن إسرائيل كان يقول إنها: "ترفض الاستجابة لمتطلبات السلام العادل والشامل بما يتوافق مع سياساتها المعادية للسلام كل ذلك تحت أنظار العالم وعدم قدرته على اتخاذ أي موقف فاعل وحاسم لردعها عن أعمالها".
ومن سخرية القدر أن هذه القمة تحديدا تأتي في ظل أعمال عنف من الجيش السوري ضد المدنيين , فيما يتعرض الجيش لمقاومة مسلحة من منشقين عنه.
عمرو موسى
ينهمك عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية حاليا فى حملته الانتخابية للترشيح لرئاسة مصر، فبقدر ما كانت لباقته وحنكته الدبلوماسية وتهكمه على إسرائيل تثير إعجاب معظم الشعوب العربية إلا أنه كثيرا ما كان يثير التحفظ عند مشاركته فى المؤتمرات الصحفية التى تعقب اجتماعات القمة ليتحول المؤتمر فى النهاية إلى هرج دون أن يخرج منه الصحفيين بشئ جديد.
وكانت من أبرز المشاهد التى أثارت الغضب ضد عمرو موسى هى عقده لمؤتمر صحفى أعقب القمة العربية الطارئة المنعقدة فى شرم الشيخ عام 2003 عقب إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الحرب ضد العراق، فأخذت الضحكات فيه تتعالى بينه وبين الصحافيين وكأن شيئا لم يحدث فلم يعط للموضوع الأهمية حتى ولو بالتظاهر بالجدية.
صدام حسين
"عمليا فإن صدام حسين هو من استضاف مؤتمر قمة بغداد في قصره الأثير (قصر الفاو)"، وذلك وفقا لحديث مسؤول أمني كان يحتل منصبا رفيعا في الحكومة السابقة إلى صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، ففي هذا القصر عاش حسين سنواته الأخيرة قبيل الاحتلال الأميركي، وفي هذا القصر تم اعتقاله، ومن هذا القصر تم نقله إلى منصة الإعدام.
وجاءت أبرز مداخلات صدام حسين فى القمم العربية فى المؤتمر الذى عقد فى 30 مايو 1990 أى قبل احتلال الكويت بشهرين والتى اعتبرها البعض تبريرا لاحتلاله الكويت حيث تحدث حسين بشكل غير مباشر عن الضرر الذى تسببت به الكويت للعراق بعد إغراقها للأسواق النفطية بالبترول رخيص السعر وصل إلى 7 دولارات للبرميل وهو ما أرجعه البعض إلى رغبة الكويت فى ألا يستطيع العراق بناء نفسه بعد حرب الثمان أعوام مع إيران.
وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري للصحافيين في القصر الجمهوري الذي بات يعرف بالقصر الحكومي «هذا القصر الذي نحن فيه هو قصر صدام الذي خطط فيه لغزو الكويت».
وتوقف عن الكلام لبرهة ثم قال «سبحان الله»، معلنا مشاركة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في القمة ضمن «زيارة تاريخية».
وأصر أمير الدولة التي اعتبرها صدام «المحافظة الـ19»، على الخروج عما يشبه إجماعا بين زعماء الخليج على عدم حضور القمة، وذلك بسبب المغزى التاريخي العميق لزيارته.
ويرافق أمير الكويت وفد رسمي وإعلامي ضخم لإعلان «صفحة جديدة» مع العراق بعد أن تخلص من صدام حسين الذي غزت قواته الكويت مطلقة حقبة طويلة من الجفاء بين العراق وجيرانه الخليجيين العرب.
وقال دبلوماسي عربي لوكالة الصحافة الفرنسية شارك في اجتماعات قمة بغداد عام 1990، وكانت قمة طارئة، «كان صدام متوترا في تلك القمة».
وأضاف الدبلوماسي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد لم يحضر حينها «لأنه كان لديه شك بأن صدام يريد استخدام القمة لأهداف معينة لم يكشف عنها، ومن تلك اللحظة كان قد بيت العزم على احتلال الكويت»، مشيرا إلى أن قمة بغداد السابقة «كانت قمة أراد فيها صدام تثبيت زعامته العربية».
(مكتوب)