، حيث عرفنا الماراثون رياضياً قبل أن نعرفه سياسياً ورئاسياً. إلا أننا عرفنا آليته من خلال متابعاتنا للدول التي يحكمها الرئيس انتخاباً لا انقلاباً. وصارت لدينا معرفة لما وراء البحار بأن المرشح الرئاسي يقدم للجمهور برنامجاً شاملاً لشكل حُكمه إذا انتُخب حاكماً.
وفقاً لذلك، يقدم المرشح منظومة متكاملة تحمل وعوداً بإنجازات سياسية، وازدهار اقتصادي ومعيشي، ووضع أمني مستقر، وتعليم وطب متطورين، واهتمامات بمناح ٍ حياتية آخرى. فما أحوج المواطن العربي إلى أن تغازل أذنيه مثلُ هذه الخطابات على ألسن المرشحين، وما أسعده لو طُبّق بعضها.
إلا أن غياب البرنامج السياسي لدى بعض من تفتحت شهياتهم على الحكم، والافتقار إلى أدوات موضوعية وواقعية لخطب ود الناخب الحائر جعلاهم يلجأون إلى "السريالية الروحانية" التي من اليسير أن تتسلل إلى وجدان المسلم والعربي نظراً لتكوينه العاطفي والديني. وهذا ما حصل بالضبط مع المرشح السلفي حازم أبو اسماعيل الذي تبنى شيخٌ أزهري، ولو تطوعاً، جزءاً من حملته الانتخابية.
يقول هذا الشيخ الأزهري إن صديقاً له خلال تأديته العمرة، رأى الرسول، عليه الصلاة والسلام في منامه، وسأله عن المرشح "أبواسماعيل"، وطلب من صاحب الرؤيا أن يبلغه أن الله راض عنه. ليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل إن شيخاً آخر أطلق فتوى ماهيتها "أن التصويت للمرشح أبو اسماعيل جهاد في سبيل الله، ومن "يُستشهَد" اثناء مشاركته في حملة الشيخ الانتخابية فله الجنة".
إن اتباع هذا النهج في الحملات الانتخابية دليل على الافتقار إلى البرنامج السياسي والاقتصادي، لكنه في الوقت نفسه هو برنامج انتخابي بحد ذاته يعلن مروجوه أنه ليس ثمة ما يَعِدون الناسَ به سوى أن "الله راض عن مرشحهم"، وأن "الجنة لمن انتخبه, مسكين أيها الإنسان العربي تستجير من الرمضاء بالنار.
المواطن العربي في حاجة ماسة إلى دولة ديمقراطية فاعلة سياسياً، ومستقرة أمنياً، ومزدهرة اقتصادياً، يمارس فيها حريته الفردية المعقولة، وإلى حاكم واقعي وعملي يهتم فعلاً بهموم شعبه، لا إلى دول "سريالية روحانية"، أو إلى مرشح يصوره البعض على أنه حاز "توكيلاً من الله" في الرؤيا، وأن انتخابه جهاد يؤهل المنتخِب لنيل الشهادة.