نستند بكلامنا هذا على مستوى الوعي والنضج السياسي، الاجتماعي، الثقافي والعلمي في عالمنا العربي. الذي وللأسف لم يصل إلى مستوى انجاز الثورة أو القيام بنهضة، وهذا واقع نعيشه ولا نتمناه طبعاً ولا نرجو الثبات عليه.
عندما نتسائل لماذا قامت ماسميت بالثورات العربية، لا نجد جواباً شافياً كافياً ووافياً. والدليل هو ما ظهر وحدث عقب هذه الفورات. فهل من المعقول أن نسمي ما حدث في تونس ثورة أو نهضة أو ماشابه ذلك؟، وإذا سلّمنا وقبلنا بأنها ثورة، فهي ثورة على ماذا وضد ماذا، ولأجل ماذا؟
ما حدث في تونس، ما هو إلا فورة مفاجئة، مؤقتة لعبت بها الصدفة الدور الأكبر في خلع الرئيس زين العابدين بن علي، ولو لم يكن ذلك مجرد صدفة لما كان في السلطة اليوم من هم الأسوأ لحكم البلاد. فلا يمكن أن نقتنع أنّ مجرد حرق شخص لنفسه، بغض النظر عن الدافع، كان السبب الكافي لقيام الثورة بين ليلة وضحاها ومن دون أي مقدمات، وليأتي ليتربع على الحكم من هم من ملحقات العصور الوسطى الأوربية. وما حدث بعد هذه الفورة يؤكد على عدم وجود ثورة بالمعنى الصحيح للثورة، فلا برنامج ولا منطلقات ولا مبادئ للثورة، ولا برنامج لقيادة البلاد، ولا برنامج لما بعد زين العابدين، وإنما مباركة فرنسية مع ابتسامة. والحال ينطبق على ليبيا ومصر، فإذا أردنا ان نوصّف ما حدث في تونس، وليبيا ومصر بالثورة، علينا أن نتأكد أن هذه البلاد تحتاج لإعصار مترافق بزلزال لتعود إلى ماكانت عليه بالحد الأدنى، فكيف لتعود للأفضل ؟!.
مصر أكبر نموذج واضح على أكذوبة الثورات العربية. فمصر التي لم ينتقد أبناءها انسحاب بلادهم من حرب 1973 ولم يثوروا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد المذلة، وغيرها من الاتفاقيات الاقتصادية المجحفة بحقهم، والمطبّعة مع العدو اليهودي، لا يمكن أن تصل من الوعي لدرجة القيام بثورة لعزل ديكتاتور!. فإذا كانت مصر بتنازلها عن مصالحها القومية والكرامة الوطنية التي سحقت عقب كامب ديفيد والتفريط بسيناء وتبادل السفارات مع العدو اليهودي، والتهاون بحق الجنود المصريين الأسرى، وخنق المقاومة الفلسطينية وقتلها، لم تُلهب مشاعر أبناءها، فلا يمكن بعد ذلك أن نتحدث عن ثورة قامت لأجل اسقاط رئيس البلاد، والدليل أيضاً أن من جاء بعد مبارك يعود إلى عقلية ألف سنة للوراء.
ما نريد أن نصل إليه، ونقصده من كلامنا السابق أنه إذا لم يكن هناك ثورة ضد الإرادات الخارجية المتحكمة بالبلاد، والمستعبدة للعباد فما قيمة هذه الثورات، أو على أي أساس تطلق عليها هذه التسمية. إذاً وجهة ٍوتوجه هذه الفورات خاطئ منذ البداية، فليس هناك مشروع واضح لهذه الثورات وليس هناك روح الثورة والوعي الثوري، ولا عقيدة النهوض. إذاً باختصار طريق الثورة خاطئ. فتونس تُدار بيد فرنسية، ومصر بيد أمريكية، وليبيا بيد أطلسية، والكل يتبع للذراع اليهودية. لماذا فرَّ الرئيس زين العابدين بن علي دون محاكمة؟، ولماذا حوكم الرئيس حسني مبارك؟، ولماذا قُتل الرئيس معمر القذافي ومثّل به؟، لماذا أُحبطت التظاهرات في المغرب، ولماذا خُلع علي عبد الله صالح ، ولماذا توقفت الثورة في السعودية، ولماذا انتهت منذ بدايتها في عُمان؟، ولماذا دُمرت سورية باسم الثورة ولماذا ..؟ كل ذلك حدث لأنه لم يكن هناك ثورات حقيقية.
أين هي الثورة التي توجهت للمصالح القومية والوطنية للبلاد؟ أهي الثورة المصرية التي أعلنت بعد رحيل الرئيس محمد حسني مبارك مباشرة استمرار الالتزام بالاتفاقيات الدولية، وكان المقصود بذلك اتفاقية كامب ديفيد مع العدو اليهودي وكذلك الاتفاقيات الاقتصادية وأهمها اتفاقية الغاز.
أين الثورة التي حققت غايتها؟ في ليبيا أم في اليمن أم تونس؟ يقولون إن الغرب استولى عليها (الثورات) وحرّفها عن مسارها الحقيقي والصحيح. هذا الكلام جيد بل ممتاز. ولكن بناء عليه تكون الثورة في طريق وغاية غير صحيحة مطلقاً. ويدفعنا ذلك للقول أن الثورة (وخاصة في بلدان العالم العربي) هي النهوض للتخلص من الإرادات الأجنبية والخارجية بالدرجة الأولى. الثورة هي التخلص من اليهود والصهيونية، الثورة هي التخلص من الفكر الظلامي السلفي الديني المتطرف المنحرف. الثورة انتقال من حالة الفوضى إلى الانتظام، وليس من الفوضى إلى الفوضى كما يحصل حالياً بما يُسمى بالربيع العربي.
سألني أحدهم: هل نزلت للتظاهر أو اشتركت في المظاهرات؟
عن أي مظاهرات يتحدث؟ ولماذا؟ وكيف؟ وما هو برنامج التظاهر وإلى ماذا يُفضي؟
هل نتظاهر لأجل التظاهر فقط؟ أم نتظاهر لأنهم تظاهروا في تونس ومصر وليبيا، و...الخ.
نحن متظاهرون منذ عشرات السنين، ضمن مؤسسة سياسية اجتماعية معروفة، واضحة المبادئ والغاية، ونتحرك وفق برنامج محدد ومنتظم وعقيدة ثابتة. نحن متظاهرون وفق أسس علمية تُفضي بالنهاية إلى ثورة حقيقية تضمن مصلحة البلاد والعباد. نحن نهضويين وثوريين وفق منطلقات تواكب العصر.
هل لكي أنهض وأتظاهر وأثور أنتظر من الجامعة العربية أن تدعمني وتدلني وتأذن لي؟ ومتى كانت الجامعة العربية تعمل في هذا التوجه؟ وماذا قدمت لأمم العالم العربي؟ أم هل سأكون رهن إشارة المؤتمر الإسلامي الذي سيحدد لي وقت وأوان الثورة والتظاهر؟ وماذا قدم هذا المؤتمر للإسلام والمسلمين والعالم الإسلامي أجمع؟ أم هل أتلقى إشارة النهوض والثورة من الزعران ممن سموا أنفسهم رجال دين كالقرضاوي والعريفي وغيرهما إلا إذا أردنا أن نعتبرهم رموز للثورة والنهضة في العالمين العربي والإسلامي؟ ونخالف الواقع والحقيقة التي تشير بأنهم رموز التفتت الاجتماعي والديني ورموز كبرى للطائفية على المستوى الإسلامي برسالتيه المسيحية والمحمدية.
لماذا لم تدعينا الجامعة العربية وكذلك المؤتمر الإسلامي ورجالات الدين بالإضافة للمجتمع الغربي والشرقي للنهوض والثورة لأجل تحرير فلسطين وتحرير أراضي المسلمين من القواعد العسكرية الغربية؟ لماذا لم تدعي الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي ورجالات الدين حكام دول النفط لتوزيع ثروات الأمة على أبناءها؟ لماذا لم يدعونا ويحضوا على البحث العلمي والتقني و...؟ لماذا لم يأمرونا ويباركوا جهادنا في طرد اليهود واستعادة المقدسات؟.
لماذا لم تتظاهر؟ هل أتظاهر وأثور وأقاتل انسجاماً مع الرغبة الفرنسية- الانكليزية عرابتي اتفاقية سايكس بيكو 1916 ووعد بلفور 1917؟. أم أتظاهر تلبية للرؤية والإملاءات الأمريكية ذات التوجه الواضح والفاضح في حماية اليهود وتعزيز الاحتلال في فلسطين؟ لما سأثور؟ أرغبة لتركيا وحكامها المحتلين لبلادي والداعمين أيضاً لليهود ووجودهم في فلسطين؟
إنّ النهضة ضرورية، والثورة حقيقة يجب أن تظهر، ولكن الحرية لا تعني الفوضى، ولا تعني التجرد من القانون الأخلاقي والاجتماعي، ولا تعني التخريب والتدمير. إنّ ثورتنا الحقيقية يجب ان تكون استمرار لثورة السيد المسيح على اليهود ومفاسدهم، واستمرار لثورة النبي محمد على الجاهلية، استمرار لثورة الإمام علي بن أبي طالب على الإسلام المنحرف والمنحرفين، ثورتنا هي امتداد لثورة الشهيد يوسف العظمة في حفظ وصون كرامة البلاد وشرفها من المستعمر. ثورتنا هي الثورة السورية القومية الاجتماعية التي أطلقها المفكر السوري أنطون سعادة في وجه الطائفية والمذهبية وسيطرة رجال الدين، ثورته في ترسيخ الوعي القومي الاجتماعي، وتحرير فلسطين ومنع اليهود من تحقيق أهدافهم التي تنال من وجودنا وديننا.
بلادنا بحاجة للتغيير والاصلاح والتطوير بشكل كبير وكبير جداً، وكذلك بلادنا بحاجة للمقاومة والتحرير. بلادنا بحاجة للوعي القومي والوعي الوطني الاجتماعي، وكذلك بحاجة لإصلاح أنفسنا وذاتنا والقضاء على فسادنا وفرديتنا وأنانيتنا. وهذا لا يمكن أن يتحقق بيوم وليلة، ولا بحرق جسد، ولا يمكن أن يحققه شيخ أزعر، ولا عسكري فار، ولا سياسي في الخارج، ولا مواطن فاسد، ولا مسؤول منتفع، ولا حزب واحد، ولا فكر واحد، ولا رأي واحد، ولا تحققه ثرثرة الصباح ولا احلام الليل. فكلنا معنيون بالثورة، وقبل كل شيء معنيون لنكون ذوي ثقافة وطنية عالية، وتربية قومية اجتماعية، حتى نحقق ثورتنا الفعلية والحقيقية في أمتنا السورية ونصدرها لبقية أنحاء العالم العربي.