كانت ليلة من ليالي آب القدسية..
كل شيء يوحي بأن الرحلة ستكون ممتعة ,الأصدقاء الذين التقوا بفضل الاجازات السنوية ,
الجو اللطيف المنعش ..شط الشقيفات الرملي الذي مر زمن لم نقصده فيه.
وبعيدا كان القمر يغوينا بخط لا نهائي من الفضه المنعكس على وجة البحر ,سحرا ودليل..
وكان الوقت منتصف الليل .
أخذنا العدة وانطلقنا إلى شط الشقيفات وهو شط رملي ساحر يقع شمال جبلة بحوالي 10 كم ..
وصلنا إلى جرف صخري ..انسفح أمامه الرمل ,معلنا نهاية الطريق الترابية المتعرجة التي سلكناها.
بدت خيمته أمام العين , تذكرك بخيمة دريد لحام في فيلم سمك بلا حسك وبمقاهي الصيادين .
خيمه خشبية ترتفع عن الأرض بحوالي المترين ..مسوّرة بالقصب ,تحيطها الرمال من كل الجوانب .
-2-
يدعونه ..حارس السلاحف ..
وهذه التسمية اكتسبها من خلال اهتمامه ومتابعته للسلاحف البحرية ,التي تقصد الشط الرملي ..لتضع بيضها , مطمئنة .
يهتم بها..يحصي عدد الأعشاش , يحميها..يعيد طمر ما انكشف منها.
يقول بألم ..من بين 200 عش ..في العام الماضي ..لم يتم احصاء سوى 10 أعشاش هذه السنة .
ومن أسباب انخفاض العدد إلى هذا الحد..هو عبث الناس ..والتلوث الكبير ..فهذه السلاحف المسكينة تلتهم أكياس البلاستيك
ظانة أنها قناديل بحر ..فتموت. وربما هذا يفسر سبب كثرة أعداد قناديل البحر في السنوات الأخيرة..
ثم استباحة رمل الشقيفات من قبل جرافات المتنفذين .
-3-
لم يكن شط الشقيفات الرائع ..موطنا آمنا للسلاحف لكي تضع بيوضها..فقط.
بل كان متنفسا لأهل جبلة وريفها ..يقصدونه للسباحة والتخييم. ولكنة كاد أن يتحول في السنوات الماضية إلى محميات خاصة .
فقد تقاطر إلية عدد كبير من المتنفذين ..وحاولوا بكل الوسائل الاستيلاء عليه ..
إن كان ببناء الفيلات (تم هدم قسم منها) ,و احتكار أقسام منه ,و التعدي على الأملاك العامة أو إرهاب الناس لئلا يقصدونه.
سألت عن رقبة الجمل .. وهي عبارة عن نتوء صخري متقدم ..حفرته عوامل الطبيعة على شكل جمل ..برقبة طويلة بارزة.
فقيل لي بأن أحد هؤلاء قد هدمة بواسطة بلدوزر .
-4-
بدأ الشرقي بالتنسيم ...
وبدأت النسمات المنعشه تتحول شيئا فشيئا إالى أشواك واخزة..وبدت أضواء كورنيش جبلة جنوبا ...موشية بمدينة لا تنام.
وفيما كان عدنان يحلم ...بشاطىء نظيف وبحر نظيف وبشر نظيفين ..
ويحلم بأن يعود شط الشقيفات مكانا آمنا للسلاحف ,وللبشر
ويحلم بأن يعود الرمل ليغطي تلك المساحات الشوهاء التي تركتها شفرات الجرافات.
كانت السلاحف خلف الماء تجاهد للوصول إلى الشاطىء ,إلى الرمل ...الموطن الذي فقّست بين حبّاته ,في رحلة دهرية
تمتد لمعظم شواطىء البحر المتوسط كما اعتادت منذ آلاف السنين.
دون أن تعلم مالذي يفعله البشر في موطنها..
ودون أن تعلم أنها قد تكون رحلتها الأخيرة.
وكان القمر بعيدا,ينزلق بهدوء صوب البحر,إلى نهاية مشوارة اليومي , كما اعتاد منذ ملايين السنين..
,شاهدا على ما يفعله البشر في وطنهم
وبدا لي أنه يستمع معنا للصوت المنبعث من خيمة عدنان...
والقمر بيضّوي عالناس ...