يعيب علينا ملايين السوريين من عملاء أجهزة الأمن و الإستخبارات العسكرية ذات التاريخ الدموي في قمع حرية الصحافة و إخفاء الحقائق ابتعادنا عن الشأن الثقافي و التفرغ للمقالة السياسية معتبرين أننا لم ننل من تاريخ العائلة سوى الاسم و إن كان في ذلك بعض الحقيقة فلأن سنوات دولة الوصاية الأمنية قد حالت بين المثقف اللبناني و فكره الإبداعي بشكل عام و أجبرته على تكريس جل وقته في محاولة فتح ثغرة ينفذ من خلالها إلى فضاءات الحرية الواسعة ليستطيع لاحقا ممارسة دوره الثقافي التنويري في المجتمع ...
و الآن و قد وصل لبنان إلى ما يصبو إليه من الحرية و الديمقراطية و الإستقلال نهدي هذه الدراسة بكل ما تتضمنه من سبق أدبي مبرز لكافة العاملين في جهاز الإستخبارات السوري الذين فخروا و احتفوا بشاعرهم المزعوم سوري المولد لبناني الثقافة نزار قباني و من على صفحات ملحق النهار الثقافي تكريسا لدور النهار الثقافي التنويري ....
نزار قباني يرثي الحريري و يشيد بميليس ....
ولد نزار قباني في دمشق لكنه توفي في لندن و قضى جل حياته في بيروت و لذلك اشارات و دلائل نناقشها في مقال لاحق..و لكن ...هل كان نزار دمشقيا كما يدعي بعض السوريين من أزلام الأجهزة؟
أم أنه كان لبناني الثقافة مغرقا في لبنانيته للدرجة التي مكنته استقراء مجد لبنان الحاضر قبل سنوات طويلة ؟
للتأكيد على لبنانية نزار سنكتفي في هذه العجالة بدراسة قصيدته الشهيرة (يدك) التي تعبر عن مجمل مواقف شاعر لبنان الكبير من سوريا و أمريكا و استشهاد الرئيس الحريري و لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس ..
يبدأ نزار قصيدته مناجيا حكومة الولايات المتحدة الأمريكية شاكرا أفضالها عليه شخصيا و على وطنه لبنان مشيدا بحنانها مشيرا للسلام الذي تسعى لتحقيقه في موطن الأرز الأشم ...
يـدُكِ التي حَطَّـتْ على كَتِفـي
كحَمَامَـةٍ .. نَزلَتْ لكي تَشـربْ
ثم يؤكد على رفضه للنظام الجمهوملكي في موطن ولادته و يعلن صراحة تفضيله لأمريكا الديمقراطية على الجمهوملكيات العربية متمنيا بقاء الظل الأمريكي فوق لبنان قابلا و شاكرا لحكومتها ما تجود به من الذهب و الدولارات على الأدباء و الصحفيين اللبنانيين معتبرا ضمنا المحقق الألماني ديتلف ميليس من نفائس ما يمكن أن يقدم للبنان و أبنائه في هذه المرحلة التاريخية التي استقرأها نزار بحدس الشاعر اللبناني الأصيل مشيدا بروعة الخروج من سرداب الدولة الأمنية إلى شمس الحرية و الإستقلال ...
عنـدي تسـاوي ألـفَ مملَكَـةٍ
يـا ليتَـها تبقـى ولا تَذهَـبْ
تلكَ السَّـبيكَةُ.. كيـفَ أرفضُها؟
مَنْ يَرفضُ السُّكنى على كوكَبْ؟
لَهَـثَ الخـيالُ على ملاسَـتِها
وانهَارَ عندَ سـوارِها المُذْهَـبْ
الشّمـسُ.. نائمـةٌ على كتفـي
قـبَّلتُـها ألْـفـاً ولـم أتعَـبْ
و ينتقل نزار في المقطع اللاحق لرثاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري واصفا إياه بالنهر بكل الخير الذي تحمله الأنهار في جغرافيات مرورها و المروحة الصينية التي تأتي بهواء الحرية العليل مشيدا بالشيخ سعد الحريري معتبرا إياه قصيدة المديح التي لن يبخل بها شاعر لبنان الكبير على نهر الخير الذي غمرت مكارمه شعراء لبنان
نَهْـرٌ حـريريٌّ .. ومَرْوَحَـةٌ
صـينيَّةٌ .. وقصـيدةٌ تُكتَـبْ..
ثم يعود بعد ذلك لمخاطبة أمريكا مؤكدا إعجابه برئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس مشيدا بحنكته و ذكائه و رغبته الصادقة في مساعدة لبنان و اللبنانيين على المضي في طريق الحرية و الإستقلال ليعلن في نهاية القصيدة باسم الأوفياء للرئيس الحريري من الشعب اللبناني رغبتهم في استمرار التحقيق حتى معرفة الجناة المجرمين واضعا يده بيد ميليس كغيره من شرفاء لبنان مؤيدا التمديد للجنته الكريمة حتى اكتمال تحقيق أهدافها ...
يَدُكِ المليسـةُ ، كيـفَ أقنِـعُها
أنِّي بها .. أنّـي بها مُعجَـبْ؟
قولـي لَهَا .. تَمْضـي برحلتِها
فَلَهَا جميـعُ .. جميعُ ما تَرغبْ
يدُكِ الصغيرةُ .. نَجمةٌ هَرَبَـتْ
مـاذا أقـولُ لنجمـةٍ تلعـبْ؟
أنا سـاهرٌ .. ومعي يـدُ امرأةٍ
بيضاءُ.. هل أشهى وهل أطيَبْ؟
نهاية نتوقع أن يحاول بقايا أزلام النظام الأمني السوري اللبناني التعتيم على الحقائق المذهلة التي قمنا بكشفها في هذه الدراسة الوجيزة و لكن أنى لهم ذلك فلبنان ماض في طريق الحرية و الإستقلال مدعما بحب أبنائه الأبرار لترابه و أرزه و ما نزار قباني إلا أحدهم ....
جبران تويني
لا يخفى على قارئنا الفطن أن المقالة مكتوبة على لسان الأستاذ جبران تويني و قد حجبنا اسم الكاتب بناء على طلبه
المصدر -مرآة سوريا