على أطراف المنظومة الشمسية تحتشد سحابةٌ هائلةٌ من المذنَّبات، متأثرةً بالنجوم الأخرى
بدرجةٍ تقارب تأثرها بشمسنا. وقد تساعد دينامية هذه السحابة على تفسير حدوث
ظواهر من قبيل الانقراضات الحيوانية الهائلة على كوكب الأرض.
<R .P. ڤايسمان>
إن النجم القزم الأحمر گليز 710 سيخترق سحابة أورت خلال 1.4 مليون سنة، باعثًا الحياة في مذنَّبات هاجعة، مستدرجًا الكثير منها خارج مداراتها، وقاذفًا بعضها نحو الكواكب. إن حوادث كهذه - وهي نتيجة لحركات نجمية تصادفية في مجرتنا - تحدث مرة كلَّ مليون سنة في المتوسط. والمذنَّبات البعيدة في هذا الشكل - الذي هو تصور فنان - لا تخضع لمقياس الرسم.
ساد الاعتقاد بأن المنظومة الشمسية تنتهي عند مدار أبعد كوكبٍ معروفٍ فيها، وهو پلوتو. بيدَ أن التأثير التثاقلي للشمس يمتد في الفضاء مسافة تزيد على 3000 مرة أبعد من ذلك، أي إلى منتصف المسافة إلى أقرب النجوم. وهذا الفضاء ليس في الواقع خواءً، إنه مستودع هائل لفيضٍ من المذنَّبات والمواد المتخلفة عن عملية تكوُّن المنظومة الشمسية. يسمى هذا المستودع سحابةَ أورت Oort cloud.
تُعَدّ سحابة أورت بمنزلة سيبريا المنظومة الشمسية، بامتدادها الفسيح البارد الزاخر بعناصر أبعدتها «الإمبراطورية» الداخلية للشمس، ولا تكاد تنقاد لحكم السلطة المركزية. ودرجات الحرارة المعتادة هناك وقت الظهيرة قارسة لا تتعدى أربع درجات مئوية فوق الصفر المطلق، والمذنَّبات المجاورة يبعد بعضها عن بعض، كما هو سائد، عشرات ملايين الكيلومترات. أما الشمس ـ التي مازالت أسطعَ نجوم السماء ـ فلا يتجاوز سطوعها سطوعَ كوكب الزُّهرة في الليل على الأرض.
وإذا كنا لم «نر» قط سحابة أورت فعلاً، مثلما أن أحدًا لا يزعم أنه عاين إلكترونًا، فإننا نستدل على وجودِهما وخصائِصهما من آثارهما الفيزيائية التي يمكن أن نرصدها. تتبدى آثار سحابة أورت بالتقاطر المتواصل للمذنَّبات الطويلة الدور إلى داخل المنظومة الكوكبية. ويقدِّم وجود سحابة أورت إجابات عن تساؤلاتٍ طالما أثارها الناس منذ قديم الزمن، من مثل: ماهي المذنَّبات؟ وما منشؤها؟.
في القرن الرابع قبل الميلاد، انصرفَ اعتقاد أرسطو إلى أن المذنَّبات سُحبٌ من غازٍ نيِّر في الطبقات العليا لغلاف الأرض الجوي، في حين رأى الفيلسوف الروماني سينيكا، خلال القرن الأول بعد الميلاد، أنها أجرام مقدسة تتحرك في مساراتها الخاصة عبر القبة الزرقاء. وقد انقضى خمسة عشر قرنًا قبل أن يؤكِّد صحةَ فرضيَّته عالمُ الفلك الدنماركي <T. براهه>، الذي قارن بين الأرصاد المسجَّلة لمذنب عام 1577 من مواقع مختلفة في أوروبا. وأشار إلى أنه لو كان المذنَّب قريبًا لاختلف موقعه بالنسبة إلى النجوم قليلاً، باختلاف موقع الرصد، غير أن براهه لم يتمكن من كشف أية اختلافات، فخلص إلى أن المذنَّب كان أبعد من القمر بكثير.
المذنَّب هيل - بوپ نموذج لمذنبٍ طويل الدّور حدث أدنى اقتراب له من الأرض في الشهر 3/1997، وكان آخر ظهور له في المنظومة الشمسية الداخلية قبل 4200 عام. وسيكون ظهوره القادم بعد 2600 عام بسبب التأثير التثاقلي لكوكب المشتري فيه. في هذه الفترة سيرحل بعيدًا عن الشمس بمقدار 370 مرة من بُعد الأرض عنها. ولمذنب هيل-بوپ مدار شديد الميل، شأن معظم المذنَّبات الطويلة الدور، إذ إن مستوي مداره يكاد يكون عموديًا على مستوي مدار الأرض (الرسم التخطيطي داخل الشكل).
لم يتَّضح مدى هذا البُعد إلا عندما بدأ الفلكيون بتحديد مدارات المذنَّبات. ففي عام 1705 وضعَ الفلكي الإنكليزي <E. هالي> أول بيان مصور (كتالوج) لأربعةٍ وعشرين مذنَّبًا. لكن نتائج أرصاده كانت بعيدة عن الكمال، فلم يجد لمسار كل مذنب سوى شكل قطع مكافئ تقريبي، مع أنه أشار إلى احتمال أن تكون المدارات قطوعًا ناقصية (إهليلجية) متطاولةً جدًا حول الشمس.
من أجل ذلك فإن «عدد» المذنبات يمكن تحديده، وقد لا يكون كبيرًا جدًا. إضافة إلى ذلك فإن البُعد بين الشمس والنجوم الثابتة (ظاهريًا) بُعدٌ هائل يسمح بدوران مذنَّبٍ فيه، مع أن دَور دورانه لابدَّ أن يكون طويلاً جدًا.
كانَ وصْف هالي لمذنَّباتٍ تطوف في مدارات تمتد بين النجوم - من بعض وجوهه - توقعًا باكتشاف سحابة أورت بعد ذلك بقرنين ونصف قرن. وقد لاحظ هالي أيضا أن المذنّبات التي ظهرت في الأعوام 1531 و1607 و1682 كانت ذات مساراتٍ متشابهةٍ جدًا، وأنها تتابعت بفاصل زمني قدره نحو 76 عاما. اقترح هالي أن هذه المذنبات، التي تبدو في ظاهر الأمر مذنباتٍ مختلفة، ما هي في واقع الأمر إلا مذنب واحد يعود على فترات زمنية منتظمة. كانت آخر مرة وفد فيها ذلك الجرم - الذي يُعرَف اليوم بمذنَّب هالي - على منطقة الكواكب الداخلية عام 1986.
منذ عهد هالي وعلماء الفلك يقسمون المذنباتِ إلى مجموعتين، تبعًا للزمن الذي تستغرقه للطواف حول الشمس (والذي يرتبط مباشرةً بمتوسط بُعْد المذنب عن الشمس). فالمذنبات الطويلة الدَّور، كالمذنّبات الحديثة الساطعة من أمثال هياكوتاكي Hyakutake وهيل-بوپ Hale-Bopp، لها أدوارٌ مدارية تربو على مئتي عام، في حين تقل الأدوار المدارية للمذنَّبات القصيرة الدور عن مئتي عام. كذلك ذهب علماء الفلك خلال العقد الماضي إلى تقسيم المذنَّبات القصيرة الدور تقسيمًا إضافيًا، فجعلوها في زمرتين: مذنبات عائلة المشتري، ومن أمثلتها مذنبا إنكي Encke وتيمپل Tempel 2 اللذان لا يتجاوز دور كل منهما عشرين عامًا؛ والمذنَّبات ذات الدور المتوسط، وكما تسمى أيضًا، مذنبات نموذج هالي، وتقع أدوارها ما بين عشرين ومئتي عام.
ومع أن هذه التعريفات اختيارية إلى حدّ ما، إلا أنها تعكس اختلافات حقيقية. ففي حين تدخل المذنّبات ذات الأدوار المتوسطةِ والطويلةِ المنطقةَ الكوكبية عشوائيًا من جميع الاتجاهات، فإن لمذنبات عائلة المشتري مدارات لا تميل مستوياتها عادةً أكثر من 40 درجة على مستوي دائرة (فلك) البروج ecliptic plane، وهو مستوي مدار الأرض. (علمًا بأن مدارات الكواكب الأخرى هي أيضا قريبة جدًا من مستوي دائرة البروج.) ويبدو أن المذنَّبات ذات الأدوار المتوسطة والطويلة تأتي من سحابة أورت، في حين يُعتقد الآن أن مذنَّبات عائلة المشتري تنشأ في حزام كويپر Kuiper belt، وهو منطقة من دائرة البروج تقع وراء مدار كوكب نپتون [انظر: «حزام كويپر»، مجلة العلوم، العددان 11/1(1996)، ص 52].
العالم السفلي وراء كوكب پلوتو
مع بدايات القرن العشرين توافر عددٌ من مدارات المذنبات الطويلة الدور، يكفي لدراسة توزّعها إحصائيًا [انظر الشكل في الصفحة 35]. وقد نشأت هنا مشكلة؛ ذلك أنَّ نحو ثلث المدارات الملاصقة (مدارات اللثام) "osculating" orbits - أي المدارات التي كانت تتَّبعها المذنَّبات عند أقصى اقتراب لها من الشمس - كانت قطوعًا زائدة، والمدارات التي لها شكل القطع الزائد تنشأ في الفضاء البينجمي وتعود إليه، خلافًا للمدارات الإهليلجية التي تستمر حول الشمس بفعل الثقالة. يُذكر هنا أن مدارات القطع الزائد حملت بعض الفلكيين على الاعتقاد بأن المذنبات كانت تؤسَر من الفضاء البينجمي بسبب اقترابها من الكواكب.
لاختبار صحة هذه الفرضية قامت مجموعة من الباحثين المتخصصين بالميكانيك السماوي celestial mechanics باستقراء و«بمكاملة» مدارات المذنبات الطويلة الدور تراجعيًا عبر الزمن، وانتهوا إلى أن المدارات الملاصقة لا تمثل المداراتِ الأصليةَ للمذنبات؛ وذلك بسبب قوى الجذب التثاقلي التي تؤثر فيها الكواكب البعيدة. [انظر الشكل السفلي في هذه الصفحة]. وعندما أُخذت تأثيرات الكواكب في الاعتبار - عن طريق المكاملة بعيدا بما يكفي في ماضي الزمن، واتخاذ مركز كتلة المنظومة الشمسية (أي جملة الشمس وجميع الكواكب) بؤرة للمدارات بدلاً من الشمس ـ لوحظ أنَّ جميع المداراتِ تقريبًا أصبحت ناقصية (إهليلجية) الشكل، ومن ثم فإن المذنبات هي عناصر من المنظومة الشمسية، وليست عناصر بينجمية شاردة.
إضافة إلى ذلك، ومع أن ثلثي هذه المدارات كانت لاتزال تبدو منتظمة التوزُّع، فقد وُجِد أن لثُلثها على الأقل طاقاتٍ مداريةً متدنية، مما يشير إلى نتوء ضيقٍ يمثل مدارات تمتد مسافاتٍ شاسعةٍ جدًا ـ 000 20 وحدة فلكية (أي 000 20 مرة بُعد الأرض عن الشمس) ويزيد. إن أدوار مثل هذه المدارات تتجاوز مليون سنة.
إذًا فما السبب في قدوم مذنّبات كثيرةٍ من مسافاتٍ نائية كهذه؟ في أواخر الأربعينات من هذا القرن بيّن عالم الفلك الهولندي <F .A. فان ويركوم> أن التوزع المنتظم يمكن تفسيره بالاضطرابات الكوكبية planetary perturbations، التي من شأنها بعثرة المذنبات عشوائيًا إلى مدارات أكبر وأخرى أصغر. ولكن ماذا عن «النتوء الضيق» للمذنبات التي تبلغ أدوارها مليون سنة؟
لما كان ارتباط مذنب طويل الدور بالشمس ضعيفًا، فإن للكواكب تأثيرًا حاسمًا فيه. ولا يتمكن الفلكيون عادةً من رؤية المذنَّب إلا عندما يكون قريبًا من الشمس. وبتطبيقهم قوانين كبلر في الحركة السماوية بغية رسم مساره - أي مداره «الملاصق» والظاهري، يبدو المذنَّب غالبًا وكأن مساره على شكل قطع زائد، مما يوحي بأنه آت من الفضاء البينجمي وأنه سيعود إليه (a). تبين حسابات أكثر تعقيدًا (تدخل فيها الكواكب ولاسيما أكبرها المشتري) أن المدار في الواقع ناقصي (إهليلجي) (b)، علمًا بأن المسار يتغير شكله مع كل عبور للمنظومة الشمسية الداخلية.
في عام 1950 أثارت هذه المسألة اهتمام عالم الفلك الهولندي <H .J. أورت>، الذي كان قد نال الشهرة في العشرينات من هذا القرن - لتحديده دوران مجرَّة درب التبانة. فقد أدرك أن «النتوء الضيق» للمذنبات ذات دور المليون سنة لابدَّ من أن يمثِّل مصدر المذنَّبات الطويلة الدَّور: وهو سحابةٌ كروية هائلة الحجم تحيط بالمنظومة الكوكبية وتمتد إلى منتصف المسافة إلى أقرب النجوم.
أثبتَ أورت أن ارتباط المذنَّبات في هذه السحابة بالشمس ضعيف لدرجة تجعل النجومَ العابرة ـ مصادفة ـ تغير مدارات هذه المذنبات بسهولة. يمر قرابة اثني عشر نجمًا على بعد لا يزيد على فرسخ نجمي parsec 206 000 وحدة فلكية) من الشمس كل مليون سنة. وحوادث الاقتراب الداني هذه تكفي لجعل مدارات المذنَّبات تضطرب، مما يؤدي إلى عشوائية ميلها، وإطلاق سيل ثابت من المذنَّبات إلى داخل المنظومة الشمسية في مداراتٍ إهليلجيةٍ طويلةٍ جدًا [انظر الأشكال في الصفحة 34]. وبدخول هذه المذنَّبات المنظومة الكوكبية للمرة الأولى تتبعثر نتيجة لتأثير الكواكب، وبذلك تكتسب وتفقد طاقة مدارية. وبعضها يخرج تماما من المنظومة الشمسية، في حين يعود الباقي ليُشاهد ثانية كعناصر من التوزع المنتظم. وقد وَصَفَ أورت السحابة بأنها «حديقة قلبتها برفق الاضطرابات النجمية.»
ولكن، يبدو أن عددًا قليلاً من المذنبات لايزال يأتي من الفضاء البينجمي، إلا أن ذلك ربما كان انطباعًا غير صائب يعود إلى أخطاء طفيفة في دقة تحديد مداراتها، إضافة إلى ذلك فإن المذنبات يمكن أن تزيح مساراتها؛ لأن النفثات jets الغازية والغبارية من سطوحها الجليدية تعمل عمل محرّكاتٍ صاروخيةٍ صغيرة عند اقتراب المذنَّبات من الشمس، ومثل هذه القوى اللاتثاقلية nongravitational يمكن أن تجعل المدارات تبدو على هيئة قطوعٍ زائدة، في حين أنها في الواقع ناقصية (إهليلجية) الشكل.
مدارات مرتَجَّة، لا مستثارة
إن إنجاز أورت في تفسير توزُّع مدارات المذنبات الطويلة الدَّور تفسيرًا صحيحًا يزداد تقديره عندما نعلم أن عدد المدارات المقاسة جيدًا، التي أُتيحَ له دراستها، اقتصر على 19 مدارًا. وحاليا، يتوافر للفلكيين أكثر من 15 ضعفًا من هذا العدد، وهم يعلمون أن المذنبات الطويلة الدور، التي تدخل المنطقة الكوكبية أول مرة، تأتي من مسافات تبلغ في المتوسط 000 44 وحدة فلكية. إن أدوار مثل هذه المدارات تصل إلى 3.3 مليون سنة.
تنشأ قوى المدّ بسبب ضعف قوى الثقالة مع البُعد. ومن ثَمَّ تكون قوة الجذب الصادرة عن الانتفاخ المركزي لمجرَّتنا (وهو تجمُّع نجمي على محور الإطار الحلزوني) أكبر على الجانب القريب من سحابة أورت منها على الجانب الأبعد [الأبعاد ليست وفق مقياس رسم]. يؤثر المستوي المجرِّي بقوةٍ مشابهةٍ في اتجاه آخر. إن المدَّ المجرِّي يشبه المد القمري الذي ينشأ عندما تصبح قوى الجذب التثاقلي على جهة الأرض الأقرب إلى القمر أكبر منها على الجهة المقابلة.
أدرك علماء الفلك أيضًا أن الاضطرابات النجمية لا تكون بسيطة دائما، فقد يحدث أحيانًا أن يقترب نجمٌ من الشمس إلى درجة أن يخترق سحابة أورت، محدثًا بذلك اضطرابًا عنيفًا في مدارات المذنَّبات على طول مساره. وإحصائيًا، يُتوقَّع أن يمرّ نجم ضمن مسافة تبعد 000 10 وحدة فلكية عن الشمس كل 36 مليون سنة، وضمن مسافة تبعد 3000 وحدة فلكية عنها كل 400 مليون سنة. عندئذٍ تُقذف المذنَّبات القريبة من مسار النجم بعيدًا إلى الفضاء البينجمي، في حين تعتري مداراتِ المذنَّبات في كافة أرجاء السحابة تغيراتٌ جوهرية.
ومع أن المواجهات النجمية القريبة ليست ذات أثرٍ مباشرٍ في الكواكب ـ أقرب دنوٍّ متوقع لأي نجم من الشمس خلال تاريخ المنظومة الشمسية هو 900 وحدة فلكية عن الشمس - إلا أن ثمة عواقب مدمّرة غير مباشرة قد تترتب عليها. ففي عام 1981، أشار <G .J. هيلز> (الذي يعمل حاليًا في مختبر لوس ألاموس الوطني) إلى أن عبورًا نجميًا دانيًا يمكن أن يرسل «وابلاً» من المذنَّبات باتجاه الكواكب، فيرفع بذلك معدَّل ارتطام المذنَّبات بالكواكب، ومن المحتمل أن يتسبّب حتى في حدوث انقراضٍ بيولوجي حيواني واسعٍ على الأرض. وقد وجدتُ (من خلال دراسات بمحاكاة حاسوبية قمتُ بها عام 1985 بالتعاون مع <B. هت>، الباحث حينذاك في معهد الدراسات المتقدمة ببرينستون في ولاية نيوجيرسي الأمريكية) أن تواتر مرات عبور مذنَّبٍ إبّان حصول وابل قد يكون أكبر بما يبلغ 300 مرة المعدل الاعتيادي، مع العلم أن فترة ديمومة الوابل تتراوح ما بين مليونين وثلاثة ملايين عام.
ومؤخرًا وَجد <A .K. فارلي> وزملاؤه في معهد كاليفورنيا للتقانة دليلاً على وابل مذنَّبات كهذه. فقد قاموا - باستعمال نظير الهليوم 3 النادر مَعْلمًا للمادة الموجودة خارج جو الأرض - بإنشاء رسم بياني لجسيمات الغبار البيكوكبية المتراكمة في رواسب المحيطات مع مرور الزمن. ويُعتقد أن معدَّل تراكم الغبار يعكس عدد المذنبات المارة عبر المنطقة الكوكبية، إذ يَطرح كلُّ مذنبٍ غبارًا على طول مساره. اكتشف فارلي أن هذا المعدّل تزايد بشدة عند نهاية العصر الإيوسيني، أي منذ نحو 36 مليون سنة، وتناقص ببطء خلال ما بين مليونين وثلاثة ملايين عام، وهذا يتفق تمامًا مع تنبؤات النماذج النظرية لوابلات المذنبات. يرتبط العصر الإيوسيني المتأخر بحادث انقراضٍ بيولوجي معتدل، ويعود تاريخ عدد من الفوَّهات البركانية الناجمة عن الصدم إلى ذلك العصر. كما كشف الجيولوجيون آثارًا أخرى لحوادث صدم في الرواسب الأرضية، من قبيل طبقات الإيريديوم والتكتيت(1) المكروي (الدقيق) microtektites .
هل الأرض معرَّضة لخطر وابل مذنّبات في الوقت الحاضر؟ لا، لحسن الحظ. في هذا السياق يتولى فريق عمل - مؤلف من الباحثة <G .J. سانشيز> (من جامعة برشلونة) والباحثَيْن <A .R. پريستون> و<L .D. جونز> (من مختبر «الدفع النفاث» في باسادينا بولاية كاليفورنيا، وأنا شخصيًا) إجراء تجارب تهدف إلى إعادة دراسة بناء مسارات النجوم القريبة من المنظومة الشمسية، وذلك بالاستعانة بمواقع النجوم وسرعاتها المقيسة بوساطة الساتل (القمر الصنعي) هيپاركوس Hipparcos. وتوصلنا إلى دليل على أن نجمًا قد عبر على مقربة من الشمس خلال فترة المليون عام الماضية. وسيحدث العبور الداني القادم لنجم خلال 1.4 مليون سنة، وسيكون هذا قزمًا أحمر صغيرًا يُدعى گليز 710 Gliese وسيعبر الجزء الخارجي لسحابة أورت، على بعد نحو 000 70 وحدة فلكية عن الشمس. عند ذلك البعد قد يتسبب گليز 710 في ازدياد تواتر حوادث عبور المذنَّبات إلى داخل المنظومة الشمسية بنسبة 50% - ربما يكون رذاذًا، لكنه لن يكون وابلاً على وجه اليقين.
إضافة إلى اضطراب سحابة أورت من العبور العشوائي للنجوم بالقرب منها، ثمة تأثيران آخران يسببان اضطرابها: أحدهما أن السحابة هي من الضخامة بحيث تستشعر قوى المدّ المتولد في المقام الأول من قرص مجرة درب التبانة، ومن اللب المجرِّي بدرجة أقل. وتنشأ قوى المدّ هذه بسبب وجود الشمس وأحد مذنبات السحابة على بُعديْن مختلفين قليلاً عن المستوي المتوسط للقرص وعن المركز المجرّي، الأمر الذي يجعل الشمس والمذنَّب تحت تأثير قوتي جذب تثاقلي مختلفتين اختلافًا طفيفًا [انظر الشكل العلوي في الصفحة 33]. تسهم قوى المدّ في دفع المزيد من المذنَّبات الطويلة الدَّور إلى داخل المنطقة الكوكبية.
يبدأ تاريخ مذنَّبٍ طويلِ الدَّور بتكوُّنه قرب الكواكب ثم قذفها له في مدارٍ واسع.
وهناك يكون المذنب عرضةً للقوى التثاقلية لنجوم عابرةٍ عشوائيا ولسحب جزيئيةٍ عملاقة، إضافة إلى قوى المدّ الناشئة عن القرص المجرِّي واللب. تعمل هذه القوى على إمالة مستوي مدار المذنب عشوائيًا وجذْبه تدريجيًا نحو الخارج.
فيما وراء بُعد يقارب 000 20 وحدة فلكية (أي 000 20 مرة بُعد الأرض عن الشمس)، تغدو التأثيرات الخارجية المختلفة قادرةً على قذف المذنَّب باتجاه الكواكب ثانية.
بمجرد دخول المذنَّب المنظومة الشمسية الداخلية ثانية، قد تجذبه الكواكب إلى مدارٍ جديد، بحيث يعاود الظهور بعد ذلك على فترات منتظمة.
AU وحدة فلكية
والتأثير الآخر هو أن السحب الجزيئية العملاقة في المجرة يمكن أن تُحدث اضطرابًا في سحابة أورت، طبقًا لما اقترحه عام 1978 <L. بيرمان>، من معهد ماكس پلانك للفيزياء والفيزياء الفلكية في ميونيخ. وكتلة هذه السحب الهائلة من الهيدروجين البارد، التي هي منشأ النجوم والمنظومات الكوكبية، أكبر من كتلة الشمس بما بين مئة ألف ومليون مرة. وإذا اقتربت المنظومة الشمسية من إحدى هذه السحب انتزعت الاضطراباتُ الناشئةُ عن التثاقل المذنَّباتِ من مساراتها وقذفتها داخل الفضاء البينجمي. إن مثل هذه الأحداث ـ على شدتها ـ نادرة الحدوث، إذ تتراوح الفترة بين توالي وقوعها ما بين 300 و500 مليون سنة. في عام 1985، دلَّل كل من هَت و<D .S. تريمين> (يعملان حاليا في جامعة پرينستون)، على أن السُّحب الجزيئية - على امتداد تاريخ المنظومة الشمسية - كان لها الأثر التراكمي نفسه الذي تسببه جميع النجوم العابرة.
اللبّ الداخلي
وحاليا، ثمة ثلاثة تساؤلات هي مثار اهتمام الباحثين في سحابة أورت. الأول: ما هي بنية السحابة؟ في عام 1987 درسَ تريمين و<J .M. دنكان> (يعمل في جامعة كوينز بأونتاريو) و<R .T. كوين> (يعمل في جامعة واشنطن) الآلية التي تجعل اضطرابات النجوم والسُّحب الجزيئية تعيد توزيع المذنَّبات داخل سحابة أورت. ما يحدث هو أن المذنَّبات عند الحافة الخارجية للسحابة تُفْقد بسرعة بفعل الاضطرابات وتذهب إما نحو الفضاء البينجمي وإما إلى داخل المنظومة الشمسية. إلا أن لبّا كثيفًا نسبيا يترجح وجوده في الأعماق الداخلية ما يلبث أن ينبري لإصلاح الأطراف الخارجية وترميمها ببطء.
إن الطاقة المدارية للمذنَّبات الطويلة الدور المعروفة تُظهر سحابة أورت، كما هو واضح في هذه المخططات البيانية الدَّرجيَّة. يحسب الفلكيون أولا المدارات الملاصقة للمذنَّبات، أي المدارات التي كانت ستتخذها المذنَّبات وكانت حركتُها ناشئةً - كليًا - عن ثقالة الشمس، علمًا بأن لثلث هذه المدارات طاقةً موجبة، الأمر الذي يجعلها تبدو بينجمية (a). ولكن عند تصحيحها بأخذ تأثير الكواكب في الاعتبار، واستقرائها تراجعيًا عبر الزمن، وجد أن الطاقة سالبة بقدر قليل، مما يدل على أن المذنَّبات قَدِمت من حافة المنظومة الشمسية (b). لايزال عددٌ قليل من المذنَّبات يبدو بينجميا، إلا أن ذلك ناتج على الأرجح من أخطاء طفيفة في الرصد. وبينما يستمر تأثير الكواكب، تعود بعض المذنَّبات إلى سحابة أورت، وينفلت بعضها من نطاق المنظومة الشمسية، في حين يَفد الباقي من جديد على المنظومة الشمسية الداخلية (c). وتقنيا، تتناسب الطاقة المدارية مع مقلوب طول نصف المحور الأكبر للمسار، مقيسًا بمقلوب الوحدات الفلكية (AU-1).
أثبت تريمين ودنكان وكوين أيضًا أن المذنَّبات - بسقوطها من سحابة أورت - لا تنزع إلى تغيير ميل مداراتها. وهذا من أقوى الأسباب التي تجعل الفلكيين يعتقدون الآن بأن حزام كويپر ـ وليس سحابة أورت ـ هو السبب في ضآلة درجة مَيْل المذنَّبات المنتمية إلى عائلة المشتري. ومع ذلك فإن سحابة أورت تُعدُّ السببَ الأرجح لِلمَيْل الأعلى للمذنَّبات المتوسطة الدّور من أمثال مذنَّبي هالي وسْويْفتْ-تَتْلْ Swift-Tuttle. ولربما كانت هذه المذنَّبات طويلة الدور خلال حقبةٍ سالفة، ثم جرَّتها الكواكبُ إلى مداراتٍ أقصر دورًا.
التساؤل المهم الثاني هو: ما عدد المذنَّبات الموجودة في سحابة أورت؟ يتوقف هذا العدد على مدى سرعة تسرُّب المذنَّبات من السحابة إلى الفضاء البيكوكبي. ولتسويغ العدد المرصود من المذنَّبات الطويلة الدَّور، يقدر الفلكيون اليوم عدد المذنَّبات في السحابة بستة تريليونات مذنب، مما يجعل مذنّبات سحابة أورت أغزرَ الأجرام الضخمة في المنظومة الشمسية. يقع سُدُس هذا العدد فقط في الأطراف الخارجية من السحابة، وهي المنطقة النشيطة التفاعل التي كان أورت أول من وصَفَها، أما الباقي ففي اللب الكثيف نسبيًا. وإذا طبقنا أفضل تقديرٍ لمتوسط كتلة المذنب (أي نحو 40 بليون طن متري)، لوجدنا أن إجماليَّ كتلة المذنَّبات في سحابة أورت حاليًا يناهز أربعين ضعفًا لكتلة الأرض.
والتساؤل الأخير: من أين أتت مذنَّبات سحابة أورت أصلاً؟ لم يكن بالإمكان تكوُّنها في موضعها الحالي؛ لأن المادة عند تلك المسافات القصيّة متخلخلة بدرجةٍ لا يمكن معها أن تتلاحم، كما أنه من غير الممكن تولدُها في الفضاء البينجمي بسبب ضعف فاعلية الشمس في أسْر المذنَّبات. الاحتمال الوحيد الباقي هو المنظومة الكوكبية. افْتَرَض أورت أن المذنبات وُلدت داخل الحزام (الطوق) الكويكبي، ثم قُذفت بفعل الكواكب العملاقة خلال فترة تكوُّن المنظومة الشمسية. غير أن المذنَّبات أجرامٌ جليدية، وهي في واقعها كرات ثلجية ضخمة متعكرة، والحزام الكويكبي دافئ بدرجة لا تسمح بتكثف الجليد.
بعد عامٍ واحدٍ من نشر أورت بحثه عام 1950 ارتأى الفلكي <P .G. كويپر> (من جامعة شيكاگو) أن المذنبات التحمت بعيدًا عن الشمس، فيما بين الكواكب العملاقة. (سُمِّي حزام كويپر نسبة إليه؛ لأنه قال إن بعض المذنَّبات تكونت كذلك خارج أبعد المدارات الكوكبية). وأغلب الظن أن المذنبات نشأت في شتى أنحاء منطقة الكواكب العملاقة، لكن الباحثين ما انفكوا يتحاجُّون في أن تلك المذنَّبات القريبة من كوكبي المشتري وزُحل - أكبر كواكب المنظومة الشمسية - ربما لُفِظَت إلى الفضاء البينجمي لا إلى سحابة أورت. ولم يستطع كوكبا أورانوس ونپتون، الأقل كتلة، قذف عدد كبير من المذنَّبات بسهولة على مسارات الإفلات (الهروب) escape trajectories. غير أن دراسات دينامية حديثة ألقت ظلالاً من الشك على صحة هذا الوصف، إذ وُجد أن المشتري وزحل، لا سيما هذا الأخير، يقذفان بالفعل جزءا لا يستهان به من مذنباتهما داخل سحابة أورت. صحيح إن هذا الجزء قد يكون أصغر من الجزء الذي يقذف به كوكبا أورانوس ونپتون مذنباتهما، لكن ربما جرى استدراكه بالكمية الأكبر من المادة الموجودة أصلاً في مناطق الكواكب الأكبر حجمًا.
إذًا، فربما تكون مذنَّبات سحابة أورت قد جاءت من مدى واسع من المسافات الشمسية، ومن ثَمَّ من مدى واسع من درجات حرارة التكوين formation temperatures. ويُحتمل أن يفيد هذا الأمر في تفسير شيء من التنوع الملاحظ في تركيب المذنَّبات. والواقع إن ما أجريته بالاشتراك مع <F .H. ليڤيسون> (من معهد الأبحاث الجنوبي الغربي في بولدر بولاية كولورادو) من دراساتٍ أظهر أن السحابة ربما احتوت حتى على كويكباتٍ وافدة من منطقة الكواكب الداخلية، وأن هذه الأجرام - وهي صخرية وليست جليدية - قد تؤلف نسبة تتراوح ما بين اثنين وثلاثة في المئة من إجمالي مكوِّنات سحابة أورت.
إن منطلق هذه الأفكار هو وجود الكواكب العملاقة التي تقذف بالمذنَّبات خارجًا وتعدِّل مداراتها إن هي عادت ودخلت المنطقة الكوكبية من جديد. فإذا كان للنجوم الأخرى كواكب عملاقة - حسبما تشير نتائج الأرصاد خلال السنوات القليلة الماضية - فقد يكون لها سُحب أورت كذلك. وإذا كان لكل نجمٍ من النجوم سحابته الخاصة به فستخترق سُحبُ أورت المتصلة بها سحابتنا نحن لدى مرور النجوم على مقربةٍ من الشمس. وحتى لو كان الأمر كذلك فستكون حوادث التصادم بين المذنَّبات نادرة الوقوع؛ لأن البُعد النموذجي بين المذنَّبات هو وحدة فلكية وأكثر.
ومن المحتمل أن سُحبَ أورت المحيطة بكل نجم تقوم ببطءٍ بتسريب مذنَّبات إلى داخل الفضاء البينجمي. وسيكون من السهل تعرّف هذه المذنَّبات البينجمية لو قدِّر لها المرور على مقربةٍ من الشمس؛ لأن دنوَّها من الشمس سيكون بسرعاتٍ أعلى كثيرًا من سرعات المذنبات الآتية من سحابتنا. وحتى الآن، لم يُكْشف بعد عن مذنبات بينجميةٍ كهذه، وليس في هذه الحقيقة وجه غرابة؛ لأن المنظومة الشمسية تُعدُّ هدفًا صغيرًا جدا في الامتداد الشاسع للفضاء البينجمي، ومن ثَمَّ فإن فرصة أن يكون الناس قد شاهدوا مذنبًا بينجميًا واحدًا حتى الآن هي مجرد احتمال لا يتجاوز 50 في المئة في أحسن الأحوال.
مازالت سحابة أورت تأخذ ألباب علماء الفلك وتستأثر اهتمامهم. فمن حسن الحظ أنه من خلال الميكانيك السماوي، حَفِظت الطبيعة عيّنةً من مادة تَكوُّن المنظومة الشمسية في هذا المستودع النائي، يستنبط الباحثون من دراستها ودراسة التاريخ الكوني الكيميائي المتجمد في عناصرها الجليدية أدلةً قيمةً على منشأ المنظومة الشمسية.
يجري حاليًا الاستعداد لعدة مهماتٍ فضائية، بغية الكشف عن هذه الأسرار؛ فمركبة الفضاء ستارْدَسْت stardust المنتظر إطلاقها عام 1999 - ستخترق ذؤابةَ مذنبِ وايلد wild 2، وتجمع عيِّنات من غبار المذنَّب، تعود بها إلى الأرض لإخضاعها للتحليل المختبري. وبعد ذلك ببضع سنوات سيحلِّق مسبار كونتور CONTOUR بجوار ثلاثة مذنَّبات مقارنا بين تركيب كل منها. كذلك ستتولى المهمة المعروفة باسم Deep Space4/Champollion إطلاق مسبار دوران ومسبار هبوط إلى مذنَّب تيمپل tempel 1. وستعنى المهمة روزيتا Rosetta بوظيفة مشابهة بالنسبة إلى المذنب ويرتانين Wirtanen. ولا ريب في أن الألفية القادمة ستمثل فترة متميزة لدراسة المذنَّبات.
--------------------------------------------------------------------------------
المؤلف
Paul R. Weissman
عالم وباحث رئيسي في مختبر الدفع النفاث بباسادينا في ولاية كاليفورنيا، ومختص بالدراسات ذات الصلة بفيزياء وديناميكا المذنَّبات، وهو إلى جانب ذلك المسؤول العلمي لبعثة المركبة Deep Space 4/Champollion، التابعة للوكالة ناسا، والمقرَّر هبوطها على مذنَّب تيمپل 1 القصير الدور عام 2005. كتب ڤايسمان ما يزيد على ثمانين بحثًا علميًا محكَّمًا. وهو أحد الثلاثة الذين يشكّلون هيئة تحرير موسوعة المنظومة الشمسية Encyclopedia of the Solar System.
--------------------------------------------------------------------------------
مراجع للاستزادة
COMETS: A CHRONOLOGICAL HISTORY OF OBSERVATION, SCIENCE, MYTH AND FOLKLORE. Donald K. Yeomans. John Wiley & Sons, 1991.
COMETS IN THE POST-HALLEY ERA. Edited by Ray L. Newburn, Jr., Marcia Neugebauer and Jurgen Rahe. Kluwer Academic Publishers, 1991.
DYNAMICS OF COMETS: RECENT DEVELOPMENTS AND NEW CHALLENGES. Julio A. Fernandez in Asteroids, Comets, Meteors 1993: Proceedings of the 160th Symposium o f the International Astronomical Union. Edited by A. Milani, M. Di Martino and A. Cellino. Kluwer Academic Publishers, 1994.
COMPLETING THE INVENTORY OF THE SOLAR SYSTEM. Edited by Terrence W. Rettig and Joseph M. Hahn. Astronomical Society of the Pacific Conference Series, Vol. 107; 1996.
Scientific American, September 1998
--------------------------------------------------------------------------------
The Oort Cloud(*)
(1) مصطلح يُطلق على أجسام زجاجية المظهر غامضة الأصل، يعتقد أن منشأها نيزكي. (التحرير)