آخر الأخبار

ما يجري يعيد الى الاذهان مقولة كيسينجر «دعوا اللبنانيين ينضجون بدمائهم»‏

اذا كان دستور عام 1943 قد لحظ بان لبنان لن يكون «ممرا أو مقراً» للمؤامرات على ‏سوريا، فان دستور «الطائف» الذي الغى «لبنان ذو وجه عربي» مقراً «بعروبته، وبانه وطن ‏نهائي لجميع ابنائه»، عاد وكرس رفض لبنان ان يكون «ممراً او مقراً» لكل ما يمس امن دمشق، ‏وفق كلام رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة اثناء زيارته للعاصمة السورية ‏واجتماعه مع القيادات السورية، فيبدو وفق معظم الاوساط السياسية المرعوبة من ‏‏«التانغو» الدموي على الساحة المحلية، ان مقولة رفض «الممر والمقر» قد استبدلت بجعل ‏البلد الصغير الساحة المثالية المكشوفة، والمسرح المطلوب للمنازلات الدولية والاقليمية بين ‏دمشق من جهة، والادارة الاميركية والفرنسية ومجلس الامن الدولي من جهة اخرى، ولعل المقلق في ‏هذا المجال ان جميع الفواتير المستحقة للتجاذبات بين مختلف الاطراف الاقليمية ومنها الدولية، ‏يقوم بها البلد الصغير بدفعها وتسديد قيمتها من دماء قادته السياسيين بدءا من محاولة ‏اغتيال الوزير مروان حمادة وصولا الى اغتيال الزميل والنائب الشهيد جبران تويني، ما يعيد ‏الى الاذهان طروحات الفتنة عشية احداث 1975 ومقولة هنري كيسينجر «دعوا اللبنانيين ‏ينضجون بدمائهم» وتبدو الصورة السوداوية شديدة الوضوح من خلال الانقسام الحاد الذي ‏يعصف بالساحة المحلية بين حلفاء دمشق وخصومها، الى حد يدفع بالمراقبين للتساؤل حول مصير ‏الحكومة ،اثر انسحاب وزراء «حزب الله» وأمل» وتعليقهم المشاركة بها بعد قرار مجلس الوزراء ‏الطلب من مجلس الامن انشاء «محكمة ذات طابع دولي»، وتوسيع مهام لجنة التحقيق الدولية ‏المكلفة ملف اغتيال الشهيد رفيق الحريري، للكشف عن جميع محاولات الاغتيال والاغتيالات بدءا ‏بمحاولة اغتيال الوزير حماده وما استتبعها من عمليات اجرامية وصولا الى اغتيال النائب ‏تويني.‏
وتشير الاوساط نفسها الى قلقها البالغ من الخطاب السياسي لاخصام سوريا من خلال الانتقال من ‏التلميح الى التصريح، وعلى خلفية ان الصراع بينهم لم يعد صراعا مع بعض من في القيادة ‏السورية، بل مع النظام السوري نفسه مطالبين بوجوب اسقاطه افساحا للديموقراطية وفق ‏الكلام الذي ساقه النائب الاشتراكي وائل ابو فاعور في «كامد اللوز» الذي هاجم فيه ‏الانظمة العربية البالية، معتبرا ان المعركة المفتوحة الآن هي معركة «يا قاتل يا مقتول»، ‏اضافة الى ذهاب رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط باتهام «النظام الامني ‏السوري» باغتيال تويني ترجمة لما قاله الرئيس السوري بشار الاسد للتلفزيون الروسي «بان ‏اي عقوبات ستفرض على دمشق ستؤدي الى زعزعة الامن في المنطقة».‏
وتضيف الاوساط ان اخطر ما في المرحلة ليس انتقال خصوم سوريا الى منازلة دمشق كنظام وليس ‏كأشخاص بل في التناغم المعروف سابقاً بين النائب جنبلاط وعبد الحليم خدام وحكمت الشهابي ‏ايام حكم الرئيس حافظ الاسد، واستمرار هذا التناغم في عهد الرئيس بشار الاسد، حيث ان ‏جنبلاط وجد في خروج «ابو جمال» والشهابي من الحكم انقلابا على المقاييس التي عمل من خلالها، ‏والتي امنت له الاستمرارية كلاعب رئيسي ايام «الترويكا»، زهاء ربع قرن تقريباً، وهذا ‏الخروج لخدام والشهابي واستقرارهما في الخارج فرض على جنبلاط خيار مواجهة «النظام السوري» ‏بحيث يبدو وفق بعض المعلومات بأن ثمة ترابطا عضويا بين جنبلاط وخدام والشهابي كحلف مناوئ ‏لنظام دمشق، مما حتم على جنبلاط نسف جميع الجسور التي كانت تربطه بدمشق في انتظار ‏المستجدات المتسارعة على رقعة المنطقة، والتراجع عن موقفه حيال قيام «محكمة دولية اذا ‏اقتضت الضرورة»، الى المطالبة اثر اغتيال النائب تويني «بانشاء محكمة دولية» منعا ‏لزعزعة الاستقرار في المنطقة.‏
وتقول الاوساط ان الايام القليلة المقبلة ستكون استثنائية على الصعيد الامني في الساحة ‏المحلية، وربما حفلت مفاجآت لا طاقة للبلد على احتمالها، لا سيما وان الرقعة اللبنانية ‏عارية حتى من ورقة التين، في ظل صراع حروب الظل بين مختلف الاجهزة الخارجية على ساحتها، ‏وتمثل ذلك باغتيال تويني الذي عاد ليلاً الى بيروت ولم يكد النهار يبدأ حتى قتل في الصباح مما ‏يطرح علامات استفهام حول السرعة القياسية في تنفيذ هذه العملية لجهة المراقبة والرصد ‏والتفجير، مما يؤشر الى انها كانت معدة سلفا وجرى تنفيذها مع قيام المحقق الدولي ديتليف ‏ميليس بتسليم تقريره الثاني وربما الاخير للامين العام للأمم المتحدة كوفي نان، ولعل الذي ‏استوقف المراقبين ان طريقة اغتيال تويني تحمل نفس البصمات التي وقعت عملية اغتيال الوزير ‏السابق ايلي حبيقة عبر عبوة ناسفة موجهة بشكل «قمعي» بحيث يتركز عصفها على الهدف دون ‏احداث فجوة في المكان الموضوعة فيه .
الديار