آخر الأخبار

في يومه العالمي: "العمل الإنساني هو الحل"

تقديراً للعمل الإنساني، وتكريماً للعاملين في المنظمات الإنسانية، اعتمدت الأمم المتحدة التاسع عشر منآب/أغسطس يوماً عالمياً للاحتفال بإسهامات العاملين في الخدمات الإنسانية، ومنظماتهم الأهلية والحكومية والدولية، وعرفاناً لما قدموه في مواجهة الكوارث الصحية والبيئية والنزاعات المسلحة، وفي هذا العام 2016، اختارت الأمم المتحدة شعار "إنسانية واحدة" لتسليط الضوء على الدور الكبير لمنظمات العمل الإنساني، ورسالتها الإنسانية التنموية الكبيرة، ولتحفيز الدعم المجتمعي المحلي والدولي لها.

أعتقد أن أهم ما نحتاج إليه في هذا المجال هو بناء "ثقافة العمل الإنساني"، وخاصة أننا نواجه في كل أنحاء العالم تحديات الحروب والنزاعات، وثالوث الفقر والجهل والمرض، وتبدلات المناخ، وغيرها كثير وكثير، ورغم امتداد العمل الإنساني إلى أعماق التاريخ، فإن مفاهيم هذه الثقافة الحديثة بدأت بالتشكل في أوربا بعد حروبها الطاحنة، لاسيما في معركة "سولفرينو" عام 1859، كما شكلت "الحرب العالمية الثانية" نقطة تحول كبيرة في نمو وتطور وانتشار العمل الإنساني المعاصر إلى كل أنحاء العالم، وأضحت الاستقلالية، والشفافية، والحيادية وعدم الإنحياز والمحاباة، من أهم معايير نجاح واستدامة العمل الإنساني المعاصر.  

لايمكن أن نغفل الكثير من الإنجازات التي تحققت على يد المنظمات الإنسانية العربية، والخدمات النبيلة التي قدمتها وتقدمها، وعلى أكثر من صعيد، فالحروب الأهلية الطاحنة التي تعيشها مجتمعاتنا أشد فتكا بالنسيج المجتمعي من كوارث الطبيعة مهما اشتدت، الأمر الذي يدفعنا إلى بذل المزيد، والمطالبة بالمزيد، لا سيما في مجال دعم منظمات العمل الإنساني، ودعم التزامها بمعايير المسؤولية والنجاح، كذلك لا بد من حماية هذه المنظمات والعاملين فيها أثناء الحرب، واحترام القانون الدولي الإنساني، إضافة إلى عدم استغلال هذه المنظمات، وتشويهها وحرفها عن أهدافها المجتمعية الإنسانية النبيلة.

أمام الوضع الكارثي الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية في أكثر من مكان، وهي تواجه الاقتتال والدمار والتشرذم والانقسام والتوتر، تحت رايات التكفير والتخوين والتشكيك والطائفية والتبعية، وغيرها، وأمام فشل الجهات السياسية والدينية والوطنية والدولية في التصدي لهذه الكوارث، ومنعها، وإعادة اللحمة إلى أبناء الوطن الواحد، بل والفشل في منع امتداد هذه الكوارث إلى باقي المجتمعات العربية الأخرى. أمام كل هذا، يكتسب "العمل الإنساني" أهمية كبرى تتطلع إليه مجتمعاتنا، للإسهام في نهوض المجتمع من كبواته، وتعزيز البناء واستعادة الثقة وردم الخلافات التي تفرقنا، فالعمل الإنساني الجاد والمخلص يذكّرنا دائماً بانتمائنا، والقواسم الكثيرة والكبيرة التي تجمعنا. إنه يذكرنا بقوة تنوعنا، وقوة توحدنا، فتعلو أصوات الانتماء والتضامن والإخاء بين أبناء الوطن الواحد، وهي أصوات غيّبتها طلقات المدافع، وصيحات الثأر، والانتقام، لكنها لا تزال حية في قلوبنا وضمائرنا.

نعم نحن بحاجة إلى هذا العمل الإنساني المعاصر أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط من أجل تضميد الجراح، وإغاثة المنكوب بل أيضاً من أجل علاج القلوب والنفوس والعقول، ومن أجل زراعة الأمل، وإعادة تأهيل المجتمعات التي تمزقت، والكرامة التي انتهكت، لذلك علينا جميعاً مسؤولية تمكين العمل الإنساني على الصعد المحلية والوطنية والإقليمية من خلال دعمه وترسيخ مبادئ الاستقلالية، والشفافية، والحيادية وعدم الانحياز والمحاباة، والمهنية، وبناء التشاركية الحقيقية بين أبناء المجتمع جميعاً. 

قد يستخف البعض بقدرات العمل الإنساني على الإسهام في إحداث التغيير المنشود بعد أن أخفقت الجهود السياسية والدينية والوطنية والدولية في إيقاف هذه الكوارث التي أصابت البشر والحجر في بلادنا، وهذا بالفعل ما واجهه رواد العمل الإنساني المعاصر مثل  "هنري دونانت" و "كلارا بارتون"، والعديد من منظمات العمل الإنساني في مناطق الحروب والنزاعات، لكن هذه المنظمات أثبتت وتثبت، يوماً بعد يوم، قدرتها على الإسهام بشكل قوي في صناعة السلام وبناء المستقبل.

 

 

إضافة تعليق جديد