الشاهد الآخر هو زهير ابن محمد سعيد الصدّيق، والتي أدّت شهادته في الصيغة الاولى للتقرير الى رمي الشُبهة على مقرّبين من النظام السوري. بيد أنّ ميليس يوضح في الفقرة 114 من تقريره: في المرحلة الحالية، يبقى عدد من المعلومات التي أدلى بها الصدّيق بحاجة الى إثبات . لكن لماذا استخدامها؟ لا سيّما وأنّ مجلة دير شبيغل تكشف أنّ الصدّيق، الذي اعتُقل في شهر تشرين الاول/اكتوبر، قد بدّل مرات عديدة في شهادته وأنه كان سبق وأُدين بتهمة الاحتيال والتصرّف بالمال العام. وتقول بعض المصادر أنه تلقّى الاموال من رفعت الأسد، شقيق الرئيس السابق حافظ الاسد، والمنفيّ الى فرنسا حيث لا يخفي طموحه في الاستيلاء على السلطة في دمشق
[7].يتضمّن التقرير معلومات أخرى غير مُثبتة، وقد قام عدد من المحلّلين بإبرازها
[8]. لكنه يشتمل في المقابل على شُبهات يصعب على دمشق التهرّب منها.السوري . فالجميع يعرفون أنّ الاوساط الغربية تستهدف إضعاف سوريا سواء كانت مذنبة أم لا. وفق هذا المنطق، فإنّ سوريا ستُعاقَب بسبب تجاوزاتها في لبنان ومعارضتها الحرب الاميركية في العراق ودعمها الانتفاضة والمقاومة في فلسطين
[9]. ويختم المؤيّد بالقول أن لا خيار أمامنا سوى التعاون.
اذا كانت هذه التهديدات قد اثارت الشعور الوطني في سوريا، فإنّ الطبيعة التسلّطية للنظام واحتكار مراكز القرار من قبل قسم من عائلة الرئيس واتساع نطاق الفساد تشكّل كلها عناصر ضعف لهذا النظام. كذلك يبدو الحكم عاجزاً عن أخذ تطلّعات المجتمع في الاعتبار أو عن الاصغاء الى مطالب المعارضة التي يرمز اليها المسؤول الشيوعي السابق، السيد رياض الترك، الذي أمضى 18 عاماً في سجون النظام وهو المعروف بمعارضته للمخطّطات الاميركية. من جهة اخرى، فإنّ هامش المناورة يبقى ضيقاً، لا سيّما وأنّ التحقيق لا يشير الى أيّ جهة أخرى غير دمشق في ارتكاب جريمة الاغتيال.
تحدّث بعض المعلّقين العرب عن سيناريو ليبيّ : إنّ التوصّل الى حلّ، حول تفجير لوكربي وطائرة [10] UTAوتخلّي طرابلس عن برنامجها لتطوير اسلحة الدمار الشامل في كانون الاول/ديسمبر 2003، أدّى الى تطبيع العلاقات بين القذّافي والغرب. تكاثرت زيارات المسؤولين الاوروبيين الى طرابلس الغرب، ولم يعد أحد يشير الى انتهاكات حقوق الانسان في ليبيا.
هل في مقدور القيادة السورية التخلّي عن دعمها النضال الفلسطيني وعن رفضها الهيمنة الاسرائيلية على المنطقة وعن إدانتها الاحتلال الاميركي للعراق، مقابل تطبيع علاقاتها مع واشنطن؟ هل يمكن للنظام البعثي اعتماد هذا الخيار من دون أن يضرب أساس مشروعيّته؟ خصوصاً وأنه مقتنع أنّ كلّ تنازل من قبله سيُواجَه بطلب جديد للتراجع.
لقد عكس خطاب الرئيس بشار الاسد، في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2005، المُعضلات التي يتخبّط فيها الحكم: فإلى جانب ما أظهره من صلابة في وجه الضغوط، برهن عن بعض اللّيونة حول المسائل الرئيسية التي تُشغل الغربيّين.
دعم دمشق لأيّ اتفاق سلام
واعلن استعداده للتعاون يشير رئيس تحرير صحيفة السفير ، السيد
جوزف سماحه، الى أنّ القرار الأُمميّ يقيم سلطة مزدوجة في سوريا، عندما يعطي لجنة ميليس سلطة أعلى من سلطة الدولة تطال جميع المواطنين السوريين، حاكمين او محكومين، بمجرّد أن تُوجَّه إليهم الشُبهة. فللمرة الاولى، يعطي القانون الدولي هذا القدر من الأسلطة الى هيئة غير مُنتخبَة وغير خاضعة لأيّ شكل من اشكال الرقابة من قبل الاشخاص المعنيين [11]. ويضيف سماحه أنّ القرار يقيم نوعاً من الوصاية اللبنانية على... سوريا، عندما يلحظ إمكان منع بعض المسؤولين السوريين من السفر وتجميد اموالهم بطلب من حكومة بيروت. ويختم بالقول أنّ رجلاً مثل ميليس يتمتّع بصلاحيات مطلقة، تفوق صلاحيات الحاكم العسكري في ظلّ حال الطوارئ. أيّ دولة مستقلة توافق على ذلك؟
بحسب الوثائق الداخلية للبنتاغون، هناك خطط للقيام بعمليات وراء الحدود العراقية السورية بغية تدمير القواعد الخلفية المُساندة للتمرّد العراقي، وتنظيم هجمات على البنية التحتية لأسلحة الدمار الشامل التي تسمح بتطوير الاسلحة الكيميائية والبيولوجية، إضافة الى هُجومات تستهدف نظام الرئيس السوري بشار الأسد
[12]. لم يشرْ معلّق الواشنطن بوست العسكري، والذي كشف مؤخّراً عن هذه الخطط الاميركية، اذا كانت تلحظ أيضاً، كما في العام 1957، اغتيال مسؤولين سوريّين...
[3] New York Times, le 22 juillet 2003.
[4] « Improbable alliance entre Paris et Washington , Le Monde diplomatique, juin 2005.
[5] تنص هذه الاتفاقيات الثنائية على عدم اقدام اي من الطرفين على تسليم رعايا الدولة الاخرى لمحكمة الجزاء الدولية.
[6] كرر السيد باتلر اتهاماته الباطلة في العام 2000 بان العراق يملك اسلحة للدمار الشامل. راجع Richard Butler, The Greatest Threat. Iraq, Weapons of Mass Destruction, and the Crisis of Global Security, Public Affairs, New York, 2000.
[10] استهدف التفجير الاول طائرة تابعة لشركة بان امريكان الاميركية في كانون الاول/ديسمبر 1988 بينما وقع الاعتداء الثاني في ايلول/سبتمبر 1989.
[11] السفير ، بيروت، 3/11/2005.
[12] William N. Arkin, Washington Post, 8 novembre 2005