ولاد بلدي
أحمد الزوزو
-1-
كان منهمكا بنقل الاحجار الكبيره, يسند الصخره باحدى يديه ويضع الثانيه على خصره.
يروح ويجيء ببنطاله الممزق وقميصه المتشرب عرقا وغبرة وارادة .وكأنك ترى وأنت تراقبه مشهدا هاربامن عصر قديم ..
حفرت السنون آثار مرورها بتجاعيد أليفه.
رجل تجاوز الخمسينيات , لا يزال منذ عشرين عاما
يروح ويجيء حاملا أحجار قلعته التي قرّر بناءها وحده ,ولوحده بناها على شاطىء مدينة جبله,
منذ عشرين عاما .. وأحمد الزوزو يكدح وحيدا ويبني وحيدا ويحلم وحيدا .
لقد بنى قلعة كامله لوحده على البحر , ووضع لها مداخل متنوعه - منها مدخل لجدتنا عشتار آلهة الخصب التي قضت عليها آلهة القحط فيما بعد-
وأبراج واقواس , وزيّنها برسوم عملاقه في السقف
وبالأعمده الأثريه التي أتى بها من كل مكان استطاع الوصول اليه وبالأحجار الأثريه المنتشره بكثره في جبله ,حتى قيل أنك لو قلبت مدينة جبله لوجدت مدينه كامله تحتها.
وبعض هذه الأحجار مزين بنقوش عمرها 2000سنه
-2-
كان ينظر بعينيه الزرقاويتين الى المدى البعيد,لكأنه توحد مع البحر حتى بلون عينيه ,
وامامه كاس شاي : مافي أرخص من المعيشه ,
طالما فهني ماء وهواء , الماء والهواء والفكر هي أصل الحضارات
يقول هذا الهارب من زحمة الناس وتفاصيل حياتهم اليوميه المملّة : مو مهم شو بياكل البني آدم ,فأحيانا من تفاحه باشبع..
المهم يكون عنده شي بعد ماياكل يعملو وينتجو
هاي البناء هوّي وحظو ..ممكن يجي ناس يحطموه وممكن يجي ناس أحسن منا يعملوه مزار سياحي...ويطوروه.
-3-
لم يكن أحمد الزوزو يعلم -ربما- أنه وريث أعظم معماريين قدموا للبشريه أروع الآثار العمرانيه على مختلف العصور .
بنو امدرج جبلة من آلاف الآثار العمرانيه التي تطل برأسها شاهدة على حضارة عمرها بعمر الانسان ونحن -فطاحل العصر الحديث ضاربو النرد ومقرقرو النراجيل- نصر على أن نسمي المدرج بالروماني ..
في حين أن المعمار السوري أبّو للودور الدمشقي قد بنى أجمل الجسور والأقواس والحمامات في روما . وهذا بموسوعة الفن الايطالي .
وأن الجسر العملاق على نهر الدانوب كان من تصميمه ...
وأن المعماريين السوريين قد قدّموا للبشريه أثمن القوانين العمرانيه والرياضيه..وأنهم ربطوا بين العدد والحكمه واللغة...لأنهم اعتبروا لغتهم سماويه ..
ألم يخترعوا الأبجديه التي أخذتها عنهم الأمم.
كان أحمد الزوزو يمارس هذا الموروث بالفطره
ويمارس حريته بتمرده على قوانين مجتمعه
ويمارس احتجاجه على القبح والتشويه الذي طال مدننا والتي تحولت الى كتل غبيه صماء اسمنتيه لا حياة فيها ولا جمال .
.....
لم يكن أحمد الزوزو يريد الشهره ..
كان يعلم أنه يلعب خارج الزمن
في لعبه ربما كان هو اللاعب الوحيد فيها
في مكان ليس له...
وزمان قد ولّى.
انظر صور لهذه القلعه على:
http://www.flickr.com/photos/zwfa/33369939/in/set-322580/
http://www.flickr.com/photos/zwfa/33369938/in/set-322580/