آخر الأخبار

نجم الدين سمان:دريد لحام مهرج ودمر مسرح الشوك

نتيجة ظروف عدّة لا مجال للخوض فيها الآن، اختلط لدى الكثيرين معنى الكوميديا والمسرح الكوميدي فأصبح يلصق بهذا النوع الفني الراقي والصعب جداً الهزل والتهريج والحركات البهلوانية وهو منها بريء.

ولا يمكن تبرئة الإعلام وإخراجه من دائرة الاتهام للدور الذي قام به وعبر سنوات طويلة في تكريس هذا النوع الهابط من الكوميديا الهزلية والتهريجية، وتأتي اليوم ندوة (الكوميديا في المسرح) خلال مهرجان الكوميديا المسرحي الأول والذي أقامه تجمع القباني للفنون المسرحية والموسيقية على خشبة المسرح القومي في اللاذقية وعلى مدى تسعة أيام شاركت في تسع فرق من تركيا والأردن ومختلف محافظات القطر. ‏

كوميديا مبتذلة ‏

حيث بدأ المخرج المسرحي عجاج سليم بتعريف الكوميديا والتي جاءت من الكلمة اليونانية (Komedia) وهي أغنية طقسية كان يغنيها المشاركون المتنكرون بأقنعة حيوانية في مواكب الإله ديونيزوس، أطلقت تسمية كوميديا في القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر على المسرحية بشكل عام، وكذلك استخدمت تسمية كوميديا للدلالة على كل مسرحية تحمل طابع الإضحاك بغض النظر عن نوعها، وتهدف الكوميديا الى التسلية والنقد أحياناً وهي تجذب الجمهور من خلال عرض خلل ما عبر تضخيمه بحيث يتمكن المتفرج من النظر الى هذا الخلل بشكل عقلاني ومن الخارج، لا تستدعي الانفعال بقدر ما تتطلب من المتفرج موقف محاكمة، ومن أنواع الكوميديا: الكلاسيكية القديمة في القرن الخامس ق.م، والكوميديا المتوسطة في القرنين الخامس والرابع ق.م، والكوميديا الجديدة بين 330 و290 والكوميديا الرومانية في القرن الثاني ق.م وكوميديا القرون الوسطى، والكوميديا الكلاسيكية والتي ظهرت في عام 1630 ومؤسسها موليير الذي جمع فيها بين تأثيرات الكلاسيكية الفرنسية والتقاليد الكوميدية الشعبية وبعد انقضاء القرن 17 تحددت الكوميديا الكلاسيكية كونها أكثر ارتباطاً بالواقع من الأشكال الشعبية ومن التراجيديا، فالشخصيات تنتمي للبرجوازية أو الى عامة الشعب، ومواضيعها مستمدة من واقع المجتمع، ولقد تبنى روّاد المسرح العربي مارون النقاش ويعقوب صنّوع الكوميديا بشكل واضح الى جانب المسرح الغنائي. ‏

كما يرى المخرج سليم بأن الكوميديا المسرحية ارتبطت بسطوة الكوميديا المصرية وهي كوميديا مبتذلة، وساهم إعلامنا عبر سنوات طويلة بعرض مسرحيات من هذا النوع كل يوم خميس، وكان المشاهدون مجبرين على متابعتها قبل انتشار الفضائيات، تلك المسرحيات شوّهت فن التمثيل والتأليف والإخراج، وتصرفت بمفهومها للكوميديا، السخرية حتى من العيوب والعاهات البشرية، ونسخت نسخاً سيئاً لبعض فرقنا المسرحية الخاصة. ‏

الضحك لمقاومة الأمراض ‏

كما يشير الناقد والكاتب المسرحي عبد الفتاح قلعه جي أن الفيلسوف الفرنسي هنري لويس برجسون في كتابه الضحك «حتى في المسرح فإن متعة الضحك ليست متعة خالصة بحتة إذ تختلط بها أفكار اجتماعية، لذا تقترب الكوميديا من الحياة الواقعية أكثر مما تفعل التراجيديا». ومن المعلوم اليوم أن للضحك والفكاهة أثراً مباشراً على أجهزة المناعة وتحسين الحالة النفسية وشحذ قدرة الجسد على مقاومة الأمراض وتحمّل الآلام، وينمي ملكة الإبداع ويرفع أداء العقل، ومن قدرتنا على الاحتفاظ بالمعلومات ويقوي الذاكرة. ‏

ويذكر قلعه جي أن كوميديا ديلارتي تتصدّر فنون الكوميديا قاطبة منذ العصور الوسطى 1550م حتى اليوم، وتدرّس في جميع المعاهد، ونذكر مسرحية خادم سيدين لكارلوغولدوني وهي نموذج مدوّن لكوميديا ديلارتي. ويعيد آدم داريوس أصول هذا الفن الى القرن الثالث في أتيلا قرب روما حيث كان الممثلون يرتدون الأقنعة ويعتمدون الكوميديا لاجتذاب الجمهور. ‏

الإعلام مسؤول عن انحطاط المسرح ‏

ويقول الإعلامي والناقد المسرحي نجم الدين السمان: إن الكوميديا كما يعرّفها ابن رشد بأنها الهجاء الذي يكشف ويميط اللثام عن الحقيقة، الضحك والسخرية والهجاء مرتبط بالاحتفالات الشعبية وليس مرتبطاً بالملوك أو الكهنة أو بالآلهة، ويضيف: إن السخرية والضحك تاريخ مسكوت عنه لذلك احتالت الذاكرة الجمعية على النص الرسمي فظلّ التراث الضاحك شفوياً وظلّ المؤلّف مجهولاً. لقد استمرت كوميديا ديلارتي لأنها طقس اجتماعي تُقام في أيام الأعياد وفي الشوارع، ثم تطوّرت وأخذنا نحن النموذج الفرنسي منها ومازال معمّماً على مسارحنا حتى الآن. ‏

أهم الشخصيات التي بقيت في المسرح الكوميدي والحكاية والقصص والسير هي المهرج أو البهلول، ولكن لهذا المهرج وجهان، وجه ضاحك ووجه حكيم وحزين، نحن أخذنا الوجه الضاحك وابتذلناه الى درجة الاستسهال، المسرح العربي المعاصر أعاد إنتاج البهلول، هنالك خيط واه جداً بين التهريج والكوميديا والذي يقع فيه أغلب الفرق العربية بما فيها عادل إمام وفؤاد المهندس ودريد لحام... فدريد كان مهرّجاً مع احترامي الشديد لفنّه، حتى أنه انقلب على هذه التجربة ودمّرها كما دمّر مسرح الشوك، المسرح الكوميدي الناقد الوحيد في سورية والذي حاول إعادة انتاج الشخصيات التي رسمها حكمت محسن، الرائد المسرحي الكبير والكوميدي البارع ومؤسس الكوميديا السورية، حيث خلق شخصيات لاتزال في الذاكرة «أبو رشدي، أبو فهمي، أبو كاسم..» وجاء طالبه نهاد قلعي وابتكرها على النسق نفسه الذي لايزال باقياً، ويرى أن المفارقة لا تبنى على اللفظ، ولا على المبالغة الجسدية، ولا على الإسفاف والتلميحات الجنسية المبالغة، بل على الكشف بحيث تضع نفسك بالمرآة وتضحك عليها، ومن لا يبدأ من الضحك والسخرية على نفسه لا يستطيع أن يكون ساخراً. وهذه فرصة هذا المهرجان لترسيخ مفهوم الكوميديا كهجاء ساخر انتقادي. ‏

أما الضحك على عيوب الآخرين كذوي الاحتياجات الخاصة كما في المسرح التجاري الساقط، فهذا عيب أخلاقي وخواء روحي ويجب على مديرية المسارح أن تمنع مثل هذه الأنواع. ‏

ولقد كرّست التلفزيونات العربية والفضائية المسرح السلبي، فهنالك أجيال لا تعرف سوى النوع الرديء من الكوميديا المتداول عربياً رسمياً وفي القطاع الخاص، لا تعرف أن هناك كوميديا راقية وتُضحكك من الداخل، ولا يوجد فيها كلمة بذيئة ولا مبالغة حركية. ‏

فالإعلام العربي الراهن مسؤول عن انحطاط المسرح العربي وعن الانحطاط الثقافي وعن 85% من الأميّة الثقافية. ‏

تصوير:عاطف عفيف