في هذه المرحلة من التقرير، لم تخض لجنة أغرنات بتفاصيل الأحداث السياسية التي أحاطت بالمنطقة في تلك الفترة، رغم أهميتها. وكما نلاحظ في النص الوارد بعد هذه المقدمة، فإنها استعرضت الأحداث بشكل عابر. لكن تلك الأحداث بالغة الأهمية للقارئ، ولذلك لجأنا الى وثائق أخرى تتحدث عن الأوضاع في تلك الفترة، وأبرزها شهادة وزير الخارجية الاسرائيلي في ذلك الوقت، أبا ايبن، من خلال كتاب مذكراته الخاصة «فصل حياة» (اصدار دار النشر التابعة لصحيفة «معريب» سنة 1978). وهو يكشف هناك بأنه وهو يدير السياسة الخارجية الاسرائيلية في الخارج كان يعاني الأمرين من سياسة الحكومة الاسرائيلية. وفي بعض الأحيان كان يصعق عندما يسمع عن قرار اتخذته الحكومة في السياسة الخارجية، وهو في مهمة خارج البلاد. وهو يكتب عن تلك الفترة بحدة بالغة، فيتهم بها العسكريين في الحكومة، وخصوصا وزير الدفاع موشيه ديان، الذين لا يتردد في نعتهم عدة مرات بمرضى الغطرسة والغرور. ويقول انه اضطر عدة مرات الى ترداد المقولة التالية التي يقصد بها زملاءه المتطرفين في القيادة الاسرائيلية: «العقل بلا عواطف يكون عقيما، لكن العواطف بلا عقل تكون هستيريا».
ويروي ايبن انه في نهاية سنة 1972 شعر بأن الركود السياسي في الشرق الأوسط يشكل خطرا كبيرا على المنطقة، فاجتمع الى المراسلين الصحافيين الأجانب في القدس، وقال لهم ان «الركود السياسي في المنطقة سيدفع العرب الى خيار الحرب ولذلك يجب علينا أن نعمل باستعجال لكي تكون سنة 1973 سنة مفاوضات سلام بين اسرائيل والعرب». ويقول ايبن انه استعمل كلمة «استعجال» وهو يعلم بأن أحدا في اسرائيل غير مستعجل على شيء. فالاسرائيليون مطمئنون وما زالوا غارقين في نشوة النصر «فالقوات الاسرائيلية ترابط بعيدا على خطوط وقف اطلاق النار من قناة السويس الى نهر الأردن وحتى هضبة الجولان. وبعد خمس سنوات ونصف السنة (من احتلال العام 1967) يبدو وكأن وجودنا هناك بات شرعيا. الرئيس (الأميركي) ريتشارد نيكسون صرح بأن على الجنود الاسرائيليين أن لا يتركوا أيا من المناطق المحتلة (العام 1967) قبل أن يتم انجاز اتفاق سلام ملزم للجميع ومرض لاسرائيل. حتى الاتحاد السوفياتي الذي ناصر المطلب العربي بضرورة الانسحاب الكامل، فقد اعترف بأن هذا الانسحاب لن يتحقق من دون التوصل الى سلام شامل. وفي هذه الأثناء بدا أن المليون عربي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة استسلموا ازاء السيطرة الاسرائيلية المتواصلة. فقد عاشوا معنا بخليط غريب من الانسجام والاغتراب، حيث ان الحل السياسي بدا بعيدا. وأدى ذلك باسرائيليين كثيرين أن يغرقوا في الوهم بأن هناك استقرارا.
تدفق 70000 عامل عربي من المناطق المدارة (أي المحتلة) الى اسرائيل في كل يوم للعمل. والأجر الذي حصلوا عليه زاد من الازدهار في بلداتهم. وفي كل صيف عبر نهر الأردن مئات الألوف وجاءوا لزيارة أقاربهم. في السنتين 1969 ـ 1970 كان مندوبون عن الدول الأربع الكبرى يجتمعون من آن لآخر في الأمم المتحدة (للبحث في قضية هذا الصراع). ولكن الاستراحات الطويلة ما بين اللقاء واللقاء قد زادت. وتقلصت الجهود حتى اعلان نهايتها في 1971. وانتهت مبعوثية غونار يارينغ (وهو سفير سويدي سابق في موسكو تم اختياره مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة لتقريب وجهات النظر بين الاسرائيليين والعرب)، عندما قدم في فبراير (شباط) 1971 تقريرا وافق خلاله على المطلب المصري في الأرض، إذ انه بهذا الموقف فقد مصداقيته في اسرائيل». ويتطرق ايبن في مذكراته الى لقاء القمة السوفياتي الأميركي بين ليونيد بريجنيف وريتشارد نيكسون فيقول ان «الاسرائيليين الذين يذكرون فترة الضغوط السوفياتية الأميركية الخانقة في سنة 1956، حيث وجه السوفيات انذارا لاسرائيل بأن توقف الحرب وتنسحب من سيناء، وراح الأميركيون يمارسون الضغوط على اسرائيل بأن تفعل، ولذلك فإنهم ردوا دائما بعصبية على اجراء لقاءات كهذه. ولكن لقاء نيكسون بريجنيف في يونيو (حزيران) 1973 انتهى بذكر قرار مجلس الأمن 242 فقط بطريقة شكلية، وعادت الأمور الى نصابها وركودها».
ويتابع ايبن وصف الصورة الدولية في تلك الفترة فيقول ان العرب استطاعوا عادة «الفوز بانتصارات في التصويت في مؤسسات الأمم المتحدة والتصويت والخطابات التي سبقته روفقت عادة بصخب كبير، لكنها لم تستطع تحريك جندي اسرائيلي من مكانه. وهكذا بات الطرفان في وضع يحصل فيه العرب على قرارات واسرائيل تكرس وجودها على الأرض. وقد تعزز هذا النوع من الاستقرار أكثر مع انتقال الدولتين العظميين الى حالة «الديتانت» (وتعني بالفرنسية والانجليزية «ازالة العداء والتوتر» واصطلح العرب على وصفها في ذلك الوقت بـ«الانفراج»). فلم يكن من المعقول أن يثير الاتحاد السوفياتي غضب الولايات المتحدة بواسطة دفع العرب الى سباق تسلح، خصوصا ان السوفيات ليسوا معنيين بأن يروا أسلحتهم تهزم بشكل مهين بأيدي العرب (كما حصل في حرب 1967)».
ويخرج ايبن من هذا المشهد استثناء واحدا هو عمليات التفجير وخطف الطائرات الفلسطينية، التي كانت تخرج العالم من حالة الاستقرار المذكورة أعلاه، ولكنه يلفت النظر الى ان هذه العمليات لم تنفذ ضد اسرائيل مباشرة بمعظمها وكانت مثيرة لقلق الغرب أكثر مما هي مثيرة لقلق الاسرائيليين. ويعود وزير الخارجية الاسرائيلي الى وصف الغطرسة العسكرية للقيادة الاسرائيلية فيشير الى ان موشيه ديان، وزير الدفاع، كان يقود التيار المتعصب وذي التأثير الهائل في الحكومة ويقول انه «لم يكن ديان رئيس حكومة ولكنه كان أقوى أعضاء الحكومة». وفي حين كان ديان يطرح، مع بداية الاحتلال، اعادة غالبية الأراضي العربية للعرب مقابل اتفاق سلام، أصبح يعتقد بأن الوضع الحالي هو أفضل حالة استقرار ممكنة. «فلن تنشب حرب جديدة في القريب ولن يأتي السلام بسرعة. الجيوش العربية ـ حسب رأي ديان كما ينقله أبا ايبن ـ تدرك بأن لدى اسرائيل قوة عسكرية ضخمة لدرجة انهم لا يخاطرون بمهاجمتها. المخربون يستطيعون قتل وجرح بعض الاسرائيليين ولكن اعتداءاتهم لن تدمر دولة اسرائيل ولن تستطيع تغيير حدودها، ولذلك فإن تأثيرها السياسي هامشي. لهذا فإن ديان رأى أن على اسرائيل ان لا تصرف جهودها على احتمالات سلاح ضحلة، بل على بلورة خريطة جديدة لها، بواسطة فرض الأمر الواقع بالاستيطان في الضفة الغربية. وقد أظهر استخفافا بفكرة إبقاء خيارات التفاوض للسلام مفتوحة. وفي مقابلة تلفزيونية مع «بي. بي. سي» قال في 14 مايو (ايار) 1973 ان على اسرائيل أن تبقى في الضفة الغربية الى أبد الآبدين. فإذا لم يعجب الأمر الفلسطينيين فإن بإمكانهم أن يرحلوا الى الأردن أو سورية أو العراق أو أية دولة عربية أخرى. وفي 30 يوليو (تموز) قال لأسبوعية «تايمز» انه «لم تعد هناك فلسطين.. خلاص». وكان قد أعلن في خطاب احتفالي من على تلة «مسادا» في أبريل (نيسان) رؤياه لـ«دولة اسرائيل الجديدة ذات الحدود المترامية الأطراف والقوية والثابتة، حيث تفرض حكومة اسرائيل سلطتها على المنطقة الممتدة من قناة السويس وحتى نهر الأردن». ويتابع ايبن ان «سياسة المؤسسة الاسرائيلية الاستراتيجية الأمنية نصت طول تلك الفترة وبكل وضوح على اتباع سياسة استنزاف للعرب. فإن لم يستطع العرب استعادة أراضيهم بحرب أو بضغط الدول العظمى فسيكون عليهم أن يطلبوا المفاوضات ويستجيبوا لبعض المصالح الأمنية الاسرائيلية. ولم تأخذ هذه المؤسسة بالاعتبار وجود خيار عربي ثالث هو: لا استسلام ولا مفاوضات، بل التوجه اليائس الى حرب على أمل أنه حتى لو كان الهجوم غير ناجح فإنه أفضل من القبول بخط وقف اطلاق النار». ويشير ايبن الى قدوم جنرالين اضافيين الى عالم السياسة الاسرائيلية ليضيفا قوة الى أولئك المتعصبين الحاكمين، هما رئيس اركان الجيش، اسحق رابين، والجنرال أرييل شارون. الأول كتب مقالا في «معريب» في 13 يوليو (تموز) يقول فيه: «لقد ضعفت قوة الدول العربية على تنسيق نشاطاتها السياسية والعسكرية ولم تنجح حتى اليوم في جعل النفط عنصر تأثير سياسيا. امكانية استئناف الحرب قائمة ولكن قوة اسرائيل العسكرية كافية لمنع الطرف الآخر من تحقيق أي انجاز عسكري». أما شارون فقال في مقابلة صحافية مع صحيفة «هآرتس» (1973. 9. 20) ان «على الاسرائيليين أن يفهموا انه لا يوجد هدف ما بين بغداد والخرطوم، بما فيه ليبيا، يصعب على الجيش الاسرائيلي احتلاله».
ويقول ايبن ان هناك من وقفوا مثله ضد هذه العنجهية في اسرائيل، لكن هؤلاء أخرسوا خصوصا ان جميع امتحانات القوة التي خاضتها اسرائيل في تلك الفترة انتهت بنجاح. فقد حررت اسرائيل الرهائن من طائرة «سابينا»، وتمكنت من الدخول الى مصر والعودة مع دبابة سوفياتية حديثة أو جهاز رادار سوفياتي حديث، ودخلت قوة كوماندوز منها الى بيروت في أبريل (نيسان) 1973 وتتنقل من شارع الى آخر بحثا عن قادة المخربين (يقصد الفدائيين الفلسطينيين) وتنفيذ عمليات تخريب في طائرات ركاب تابعة لشركات خطوط جوية عربية جاثمة في مطار بيروت. في كل مكان وصل الجيش أو سلاح الجو الاسرائيلي، ساد الشعور بالسيادة والسطوة. الهدوء خيم على قناة السويس والسادات لم يجدد حرب الاستنزاف التي أدارها عبد الناصر. الملك حسين، الذي عمل من خلال مصالحه، وأفاد عمله اسرائيل، اغلق الطريق أمام الفلسطينيين على طول نهر الأردن.
ويروي ايبن كيف كان يتكلم في جميع المناسبات ضد عربدة العسكريين فيلقى كلامه النقد والاستهتار. ثم يكشف انه خلال جولة في أميركا الجنوبية في أغسطس (آب) 1973، أصيب بالصدمة من تفاقم تلك الغطرسة الاسرائيلية، بشكل لم يعد يحتمل. فقد أقدمت قوات سلاح الجو الاسرائيلي على عملية قرصنة جوية في سماء لبنان، عندما أطلقت طائراتها المقاتلة لتضطر طائرة ركاب لبنانية كانت متجهة من بيروت الى طهران، على الهبوط في مطار عسكري في شمالي اسرائيل لأن معلومات استخبارية وصلت اليها وقالت إن قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جورج حبش، موجود على متن الطائرة، وهي المعلومة التي تبين انها لم تكن صحيحة. ويقول ايبن ان حكمة الطيار اللبناني، الذي امتثل للأوامر الاسرائيلية، أنقذت ركابه وأنقذت اسرائيل من ورطة كارثية. وتساءل عن الحكمة في مثل هذه العملية، ووصفها بأنها بمثابة ارهاب دولة. وقال ان هذه العملية كانت بمثابة انحراف عن السياسة الاسرائيلية التي دعت الى اخراج الطيران المدني من الحروب، ما يبرر للتنظيمات الارهابية ان تخطف الطائرات. وقال انه حتى لو كان حبش فعلا في الطائرة، فما الفائدة من اعتقاله ومحاكمته في اسرائيل. فأولا ستتحول محاكمته الى منبر دولي للقضية الفلسطينية وستؤدي الى عمليات ثأر من التنظيمات الفلسطينية تكلف اسرائيل ثمنا باهظا، فضلا عن انه لو رفض الطيار اللبناني الرضوخ لكانت الطائرات الاسرائيلية قد أسقطته بالقوة وهددت حياة جميع الركاب بالخطر، مثلما حدث في وقت سابق (سنة 1972) عندما أسقطت اسرائيل طائرة ركاب ليبية بالخطأ.
وفي ما يلي حلقة أخرى من تقرير لجنة أغرنات:
الأحداث السياسية 9 ـ لقد سعت مصر الى استخدام الضغط السياسي لتحقيق اخلاء جميع المناطق التي احتلتها اسرائيل في حرب الأيام الستة. فهي تأملت أن تتقدم نحو هذا الهدف من خلال محادثات القمة بين (ريتشارد) نكسون و(ليونيد) بريجنيف في واشنطن (في الفترة ما) بين 18 ـ 26 يونيو (حزيران) 1973. وقد خاب هذا الأمل، لأن الأميركيين لم يقبلوا المطلب السوفياتي العربي بالانسحاب الشامل. والاعلان المشترك الذي نشر في نهاية المحادثات تكلم فقط عن استمرار جهود الدولتين العظميين للدفع الى تسوية في أقصى سرعة ممكنة في الشرق الأوسط (تلخيصات وزارة الخارجية، وثيقة البينات رقم 51 الصفحة الخامسة). وفي ردود الفعل المصرية اتهمت الولايات المتحدة بإفشال كل محاولة لإخراج الوضع من حالة الجمود القابع فيها، كما لوحظت نغمة انتقاد موارب للاتحاد السوفياتي (المصدر نفسه في الصفحة السابعة). وجاءت خيبة الأمل المصرية الثانية من أبحاث مجلس الأمن (الدولي) التي اختتمت في 26 يوليو (تموز) 1973 بفرض الفيتو الأميركي على مشروع قرار تقدمت به دول عدم الانحياز استهدف تشويه معاني قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 (في حينه كانت اسرائيل تفسر قرار مجلس الأمن 242 على انه وفقا للنص الانجليزي يتحدث عن انسحاب اسرائيلي من «أراض عربية احتلتها في حرب 1967» وليس من «الأراضي العربية التي احتلتها العام 1967» وقد جاء مشروع دول عدم الانحياز ليوضح هذه النقطة بالقول ان الانسحاب ينبغي أن يكون من جميع الأراضي التي احتلت العام 1967 حتى يزول اللبس. فاعتبرت اسرائيل ذلك محاولة لتشويه القرار).
في خطاب (الرئيس المصري أنور) السادات في الاسكندرية في اليوم نفسه، ساعة واحدة بعد التصويت (في مجلس الأمن الدولي)، هاجم الولايات المتحدة بشدة وأعرب عن خيبة أمله ومرارته أيضا من الاتحاد السوفياتي (تقرير وزارة الخارجية الاسرائيلية ـ وثيقة البينات رقم 46 الصفحة الأولى والملحق للوثيقة).
10 ـ في بداية شهر يوليو (تموز) 1973 وصلت الينا (تقصد الى اسرائيل) معلومة من مصدر جيد حول مدى التعاون والتنسيق الكبيرين بين مصر وسورية لتخطيط استئناف القتال ضد اسرائيل (وثيقة البينات رقم 98 الوثيقة رقم 47) في منشورات عديدة في اسرائيل بعد نشر تقرير لجنة أغرنات، تم ذكر اسم زعيم عربي على انه هو المصدر لتلك المعلومة وأنه قام بزيارة تل أبيب بشكل سري واجتمع مع رئيسة الوزراء، غولدا مئير، خصيصا من أجل ابلاغها بأن سورية ومصر اتخذتا قرارا نهائيا بشن حرب مشتركة على اسرائيل).
وفي نهاية أغسطس (آب) 1973 أعرب خبراء سوفيات عن رأيهم بأنه في حالة قيام سورية ومصر بمهاجمة اسرائيل في آن واحد، فإن الجيش السوري سيتمكن من احتلال الجولان في غضون 36 ساعة. وقد وصلت الينا هذه المعلومة في بداية سبتمبر (أيلول) 1973 (وثيقة البينات رقم 98 الوثيقة 47).
في الأيام ما بين 10 و12 من سبتمبر (أيلول) 1973 أجريت محادثات في القاهرة بين قادة «دول المواجهة»، الرئيس (المصري أنور) السادات والرئيس (السوري حافظ) الأسد و(العاهل الأردني) الملك حسين، كما جرت محادثات ثنائية (تقرير وزارة الخارجية (الاسرائيلية) ـ وثيقة البينات رقم 41 الصفحة الأولى)، ربما يكون السادات والأسد قد بحثا في التنسيق النهائي لخطتهما الهجومية (أنظر وثيقة البينات رقم 98 الوثيقة رقم 34). الجيش السوري في حالة طوارئ 11 ـ في بداية سبتمبر (أيلول) 1973 وصلت أنباء عن عودة الجيش السوري من حالة الهدوء الى «حالة الطوارئ» بالقرب من جبهة هضبة الجولان. وقد بين التصوير الجوي (الذي نفذته طائرات سلاح الجو الاسرائيلي) في 11.9.1973 أن الاستعدادات على الخط الأمامي (في هذه الجبهة) مكثفة بشكل ضخم أكبر بكثير من حالته في التصوير السابق الذي جرى في 22 أغسطس (آب)، حيث تمت اضافة قوات لواءين لسلاح المشاة اضافة الى أربعة ألوية كانت قائمة من قبل في الخط الأمامي، ولواءين لسلاح المدرعات (زيادة 130 ـ 140 دبابة) واضافة حوالي 35 بطارية مدفعية (شهادة المقدم مين، ضابط الاستخبارات في القيادة الشمالية صفحة 1375 فصاعدا). 12 ـ في 13 سبتمبر (أيلول) وقعت مواجهة جوية بين طائرات سلاحنا الجوي، التي كانت في مهمة تصوير وبين الطائرات السورية المقاتلة. وقد أسقطت 13 طائرة سورية وأسقطت احدى طائراتنا وتم انقاذ الطيار (نشرة الاستخبارات من يوم 13.9.1973 في وثيقة البينات رقم 111 وشهادة قائد سلاح الجو، الجنرال ب. بيلد في صفحة 1951).
لقد استمرت تعزيزات الخط الأمامي السوري وفي تصوير تم يوم 24 سبتمبر (أيلول) اكتشفت 670 دبابة و101 بطارية مدفعية (شهادة مين (المذكور أعلاه) صفحة 1378). لدى تحليل هذه الصور (وصور أخرى التقطت يوم 26 سبتمبر ودلت على انه لم يحصل تغيير عن الوضع في 24 سبتمبر)، نشب خلاف في الرأي بين دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية وبين قيادة الشمال (اللواء الشمالي في الجيش الاسرائيلي) حول ما إذا كان سلاح المدرعات السوري قد انتشر أيضا على خط الدفاع الثاني (الأقرب الى دمشق)، كما اعتقدت شعبة الاستخبارات أو أن المدرعات المسؤولة عن هذه المهمة أخفيت في مكان ما غير معروف لأغراض هجومية، كما اعتقد رجال اللواء الشمالي (شهادة مين صفحة 1383 وشهادة الجنرال حوفي صفحة 1842). 13 ـ في يوم 30.9.1973 وصل نبأ يشير الى تحرك اللواء 47 لسلاح المدرعات (السوري) من موقعه الثابت في الجبهة الداخلية الى موقع تأهب جديد وتقدم صواريخ أرض ـ جو من الجبهة الخلفية الى الجبهة الأمامية والغاء الإجازات في الجيش السوري، حسب رأي شعبة الاستخبارات العسكرية (فرع 5 (المسؤول عن سورية) بالتنسيق مع شعبة الاستخبارات العسكرية في سلاح الجو وفرع 6 (المسؤول عن مصر) نشرة صادرة في اليوم نفسه (30.9.1973) الساعة 21:45 وثقية بينات رقم 111)، فإنه «بالامكان التقدير بان شبكة الطوارئ في الجبهة السورية تشمل الآن جبهة الدفاع الثانية وكذلك تعزيز الوحدات المرابطة في العمق السوري. لم يسبق مثيل كمثل هذا التأهب حتى اليوم» (التأكيد من طرفنا). ولكن فيما بعد قيل:
«على الرغم من التعزيزات الاضافية، نظل على تقديرنا السابق وهو ان هذه التعزيزات جاءت بسبب خوف السوريين من هجوم اسرائيلي يتوقعونه منذ حوالي أسبوعين. لا نعتقد ان المسألة هي مبادرة سورية لهجوم مستقل رغم الأنباء التي أشارت في الصباح الى هذه الامكانية. مثل هذه المبادرة (هجوم سوري) ممكنة فقط في حالة المبادرة المصرية لذلك. وإذا كانت هناك حالة تأهب عليا في الجيش المصري، فلا علاقة لها بالمبادرة الهجومية السورية، على حد علمنا، بل ناجمة عن التخوف من مبادرة اسرائيلية والتدريب الشامل لأذرع الجيش المصري».
14 ـ كما ذكر في التقرير الجزئي (الأول)، البند 14 (أ)، فقد تقرر لدينا اجراء تعزيز ما لانتشار سلاح المدرعات والمدفعية في هضبة الجولان مقابل التعزيزات السورية. ونقلت سريتان للمدرعات وبطاريتا مدفعية الى هناك عشية عيد رأس السنة (العبرية) في 26 سبتمبر (أيلول) وأجريت استعدادات في سلاح الجو لمهاجمة الصواريخ ومساندة القوات الأرضية وغيرها (التفاصيل في وثيقة البينات رقم 176، أحمر، الملحقين 7 و 8). وفي يوم 30 سبتمبر (أيلول) تم تخفيض مستوى التأهب من جديد في وحدات المدفعية التي وضعت على أهبة الاستعداد لدى قيادة اللواء الشمالي (المصدر نفسه ـ الملحقان 10 و11).
التأهب في الجيش المصري 14 ـ (الخطأ في تكرار الرقم 14 هو في الأصل) في مصر ارتفعت حالة التأهب في جميع أذرع الجيش منذ 20 سبتمبر (أيلول) 1973. وكان تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية هو ان هذه الخطوة جاءت جراء الخوف من عملية اسرائيلية، حيث تلقى المصريون معلومات تفيد بأن اسرائيل رفدت بطائرات مقاتلة الى سيناء (نشرة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية من يوم 20 سبتمبر وثيقة البينات رقم 111). وفي يوم 25 سبتمبر، أعلنت شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية عن تقدم وحدة عسكرية من القاهرة الى الاسماعيلية، ربما بهدف المشاركة في المناورات الكبرى المنوي تنفيذها في منطقة الجيش الثاني (المصري) في الأيام القريبة. في يوم 29 سبتمبر عادت شعبة الاستخبارات العسكرية لتقدر بأن المخاوف المصرية من عمليات هجوم جوية اسرائيلية ما زالت قائمة منذ المجابهة الجوية بالطائرات في سورية يوم 13 سبتمبر. وبسبب هذه المخاوف تضاعفت اليقظة وحالة التأهب في جميع أذرع الجيش المصري. وفي يوم 30 سبتمبر تقرر شعبة الاستخبارات العسكرية (الاسرائيلية) أن:
«من الأول وحتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 1973 ستجري القوات المصرية من مختلف الأذرع تدريبات واسعة النطاق في موضوع احتلال سيناء. تشارك في التدريبات، على ما يبدو، قوات سلاح الجو والدفاع الجوي والبحري قيادات الجيوش والوحدات والقوات الخاصة. على اثر هذه التدريبات يتم، ابتداء من أول أكتوبر، رفع حالة التأهب الى الدرجة العليا في وحدات سلاح الجو وفي جميع الوحدات المشاركة في التدريبات وستلغى الإجازات». وتابعت:
«من المعلومات الواردة عن هذه التدريبات المتوقعة ودعوة جنود الاحتياط لفترة زمنية محددة، يتضح بأن تقدم القوات والاستعدادات الأخرى التي جرت أو ستجري في الأيام القريبة، مثل: استكمال التعزيزات وتجنيد سفن الصيد المدنية وفحص القدرات التنفيذية للوحدات، والتي يمكن رؤيتها في اطار انذاري، مرتبطة عمليا فقط بالتدريبات».