في هذه المرة تحدث الدكتور أشرف الكردي بصراحة كما لم يفعل من قبل، وهو يتحدث عن وفاة مريضه الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات.
كشف في هذا الحوار عن أن الرئيس الحالي محمود عباس رفض طلبا منه بأن يأمر المدعي العام الفلسطيني بإخراج الجثة، وتشكيل فريق طبي يتولى تشريحها، وتحديد سبب الوفاة..! وقال عباس "يا أشرف صرنا دافنينه"..!
قبل ذلك، يقول وزير الصحة الأردني الأسبق، إنهم تلكؤوا في استدعائه لمعالجة عرفات لمدة 18 يوما منذ ظهور أعراض المرض على الرئيس، وهم الذين اعتادوا أن يستدعوه من عمان كلما عطس الرئيس، كما أنهم تلكأوا قبل أن يوافقوا على إرساله للعلاج في باريس. وعندما وعده عباس بأن يصطحبه لدى توجهه هو إلى باريس لعيادة الرئيس، تلقى عباس تعليمات بعدم اصطحابه..!
ثم إنهم رفضوا تزويده بنتائج التحليلات التي أجريت لعرفات في المشفى الفرنسي. وهو يطالب في هذا الحوار بتشكيل لجنة تحقيق فرنسية لأن اللجان الفلسطينية لم تفعل شيئا. كما أنهم امتنعوا عن تلقي اتصالاته الهاتفية في باريس، وكذلك فعل الأطباء الفرنسيون، ورفضوا طلبا أبلغه لفاروق القدومي بأخذ عينة من دم عرفات وإرسال أجزاء منها إلى ثلاث مشافي في دول أوربا الشرقية المتخصصة بالسمّوم، لتحديد نوع السمّ المعطى لعرفات..!
ويجزم الدكتور الكردي بأنهم دسوا لعرفات الفيروس المسبب للإيدز ليشوهوا سمعته، وكي لا يترحم الشعب الفلسطيني عليه بعد وفاته..!
الحوار جرى كما يلي:
+ ما الجديد في موضوع وفاة ياسر عرفات..؟
++ الجديد هو المؤتمر الصحفي الذي عقده بسام أبو شريف، والتصريحات التي أدلى بها لقناة الجزيرة وقال فيها إن عرفات مات مسموما، وإن السمّ الذي استُخدم هو الزئبق، الذي قال إنه يؤثر على كريات الدم الحمراء.
حقيقة الأمر من الناحية الطبية أن هذا غير صحيح، لأن عرفات كان يعاني من نقص في الصفائح الدموية، وليس من نقص في كريات الدم الحمراء. وهذا النقص يسبب عند حد معين نزيفا دمويا في أماكن مختلفة من الجسم.. وهذا ما حدث لعرفات.
وقد طلبوا مني في قناة الجزيرة التعقيب على تصريحات أبو شريف، لكنهم لم يفسحوا لي بالمجال لأكشف الحقيقة، وقاطعوني على نحو حال دون أن أتمكن من قول ما لدي كاملا، وعلى نحو شوَّه المعلومات التي كنت أنوي البوح بها.
تلكؤ في الاستدعاء
+ فلتتفضل بقول كل ما لديك الآن..؟
++ لقد طلب مني الذهاب إلى عرفات في رام لله لدى مرضه، وأنا طبيبه الشخصي، بعد 18 يوما من ظهور أعراض المرض عليه، وأعتقد أن تأخر الاتصال بي وطلبي للحضور إلى رام الله كان متعمدا، لأنهم في السابق كانوا يطلبونني كلما عطس عرفات، أو أصابه ألم في بطنه أو إسهال..إلخ.
فور أن تم الاتصال بي، شكلتُ فريقا ضم إلى جانبي الدكتور سامي الربضي أخصائي أورام ودم، والدكتور علاء طوقان أخصائي الجهاز الهضمي.. ذلك أن عرفات كان يشكو من أعراض اضطراب في الجهاز الهضمي. وبعد ساعتين فقط من حصولنا سريعا على موافقة الجهات الإسرائيلية، كنا قد وصلنا مقر الرئيس عرفات في المقاطعة، دون أن نلتقي أيا من الأطباء التونسيين والمصريين الذين سبق استقدامهم له، وكان ذلك في الثامنة مساءا.
عند الدخول على عرفات وجدته منهكا جدا، وقال لي "عمري ما أُنهكت كما هذه المرة". وقد سألته مم يشكو..؟ فأجابني "فقدت الشهية للأكل تماما، ونقص وزني، ومصاب بإسهال ومغص".
وقد وجدت لون بشرته أصفر، وعلى وجهه دائرة حمراء كبيرة تغطي معظم الوجه. ولدى فحصه من قبلي والأخوين الآخرين، قررنا وجوب مغادرته الأراضي الفلسطينية فورا لتلقي العلاج في دولة أوربية. وقلت له بكل صراحة أن لديه مرضاً خطيراً في هذه المرة، ويجب أن يغادر لتلقي العلاج في الخارج. وأبلغته أن الإسرائيليين، وفقا للمعلومات التي لدي، وافقوا على أن يسمحوا له بذلك.
+ من الذي حدد أن يتلقى العلاج في فرنسا..؟
++ هو نفسه اختار فرنسا. قال "أحب أن أذهب إلى فرنسا، لأن لنا علاقات صداقة معها".
+ هل سألك عرفات لم تأخرت بالحضور إليه..؟
++ لا..لم يسألني، ولست متأكدا مما إذا كان تركيزه العقلي كان سليما في ذلك الوقت.
وبدوري، طلبت من مدير مكتبه رمزي خوري أن يجمع لي فورا رئيس الوزراء ورئيس المجلس التشريعي، وقادة "فتح" الكبار من عسكريين وسياسيين، وقد جمع لي خمسة عشر منهم بسرعة، وأبلغتهم أن حالة عرفات تستدعي العلاج الفوري في الخارج، وأن وضعه خطير، وأنه يجب أن يغادر هذه الليلة، ما دامت إسرائيل قد سمحت له بالمغادرة، وقد وافقوني.
+ من شارك في هذا اللقاء من قادة "فتح"..؟
++ محمود عباس (أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية)، أحمد قريع (رئيس الوزراء)، اللواء الحاج إسماعيل جبر قائد الأمن الوطني، الذي حضر عملية فحص عرفات، والعقيد محمد دحلان.
+ هل حضرت زوجته سها اللقاء..؟
++ سها لم تكن قد وصلت بعد.. كان جميل الطريفي وزير الشؤون المدنية قد ذهب لاستقبالها في المعبر مع الأردن.
+ ما الذي دار في ذهنك حول مرض عرفات حين قررت أن حالته خطيرة..؟
++ تشكلت لدي قناعة أنه مصاب بتسمم.
+ ماذا حدث بعد ذلك..؟
++ اتصلوا بالقنصل الفرنسي بالقدس، وتم إبلاغه بالطلب، وبعد نصف ساعة فقط تلقوا اتصالا هاتفيا من الرئيس الفرنسي جاك شيراك أبلغهم فيه أن طائرة عسكرية فرنسية مجهزة بمستشفى هي الآن في طريقها إلى عمان، وستصل بعد خمس ساعات لنقل الرئيس عرفات إلى باريس.
بعد ذلك طلبت منهم أن يجمعوا لي جميع الأطباء الذين عالجوا الرئيس قبل وصولي، فكانوا خمسة من تونس كانت زوجة عرفات هي التي أرسلتهم لعلاجه، وخمسة من مصر، وأربعة أطباء فلسطينيين. عقدنا اجتماعا، وطلبت من رؤساء الطواقم الطبية أن يشرحوا لنا نتائج فحوصاتهم. ما تأكد لنا هو وجود نقص لدى الرئيس في الصفائح الدموية، بشكل كبير، وبنسبة تصل إلى 75 في المئة. وقد طلبت فحص النخاع الشوكي المسؤول عن الدم، كي نقرر ما إذا كان سبب نقص الصفائح ناجماً عن خلل في عمل النخاع المسؤول عن ذلك، أم أنه ناجم عن خلل في الدم نفسه. وقد وجدنا أن النخاع العظمي سليم. وهذا يعني أن الصفائح الدموية تخرج من النخاع العظمي إلى الدم سليمة، لكنها تتكسر في مجرى الدم. وهذا يعني أن مادة غريبة قد دخلت إلى مجرى الدم.
أجرينا تحليلات لكل الأمور التي تسبب تكسُّر الدم، فوجدنا أنه لديه أحد أمرين:
الأول: أن لديه سرطاناً.
الثاني: أن لديه تسمماً.
الفحوصات التي أُجريت له في رام الله لم تُظهِر وجود سرطان لدى الرئيس. وقد علمت أن الفحوصات التي أُجريت في فرنسا أيضا لم تُظهِر وجود سرطان لديه.
طلبت منهم أن يوافقوا على سفره إلى فرنسا، وأن يوقعوا بالموافقة، لكنني لمست لديهم شيئا من التلكؤ. الأطباء المصريون قالوا إنهم يقترحون أن يقيموا له غرفة إنعاش في المقاطعة، دون أن يسافر.
إلى ذلك، اصطحبت رئيس كل فريق طبي، وذهبنا جميعا إلى الرئيس عرفات، وأبلغناه رأينا بضرورة سفره فورا. وخلال وجودنا عنده، اتصل به الفريق سعد خير مدير المخابرات الأردنية في حينه، مبديا الاستعداد لتقديم أية مساعدة، فقلنا له نريد أن يكون لدينا فجرا طائرتان ومروحيتان، وكان ذلك قرابة الحادية عشرة ليلا.
رفضوا تحليل دمه في أوربا الشرقية
+ لِمَ لم تذهب مع الرئيس إلى باريس..؟
++ لم يطلب أحد مني ذلك. وفي ذلك الوقت كانت قد وصلت سها، ووضعتها في صورة كل الإجراءات التي اتخذناها.
+ هل طلبت أنت مرافقته إلى باريس..؟
++ لا. أنا لا أطلب.
+ يعني أن سها هي التي قررت اصطحاب فقط الأطباء التونسيين الذين هي من أرسلهم من تونس إلى رام الله..؟
++ استنتج كما تريد أنت... وصلوا باريس، ومنذ اليوم الأول لوصولهم باريس، داومت على الاتصال يوميا مع القادة الفلسطينيين، وأحاول الاتصال مع المستشفى الفرنسي، لأتحدث مع أي من الأطباء الفرنسيين الذين تولوا الإشراف على حالته، لكن أحدا منهم لم يتلقَّ مكالمتي، أو يعاود الاتصال بي. وكنت أترك لهم ملاحظة أنني الدكتور أشرف الكردي، طبيب الرئيس الخاص، وأريد التحدث إلى أحد من الأطباء المعالجين للرئيس، وكان مفترضا أن يقوموا هم بالبحث عني كي أضعهم في صورة السيرة المرضية للرئيس..!
وعندما وصل فاروق القدومي، أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" إلى باريس، اتصلت به، وقلت له رجاء اطلبْ أخذ عينة دم من الرئيس، وقسموها إلى ثلاثة أقسام، وأرسلوا كل قسم إلى واحدة من دول أوربا الشرقية لأن لدى هذه الدول مختبرات مختصة بالتسمم، ذات مستوى رفيع. كما أنهم غير متحيزين. وعندما عاودت الاتصال بالقدومي في اليوم التالي، أو الذي بعده، قال لي إن أحدا لم يقبل بذلك.
+ من الذي لم يقبل..؟
++ من كانوا موجودين معه.. القريبين إليه.
+ من هؤلاء..؟ هل هم أطباء..؟
++ لا.. ليسوا أطباء..! قال لي القدومي لم يقبلوا..!
كان بالإمكان أن يتم فعل ذلك بكل سهولة.
"صرنا دافنينه"
+ كان عباس من ضمن الموجودين في باريس..؟
++ نعم. وكان بيني وبينه اتفاق بأن يمر علي في عمان، وأن أذهب إلى باريس معه. يبدو أنه تلقى تعليمات بعدم اصطحابي معه.
إلى ذلك، كنت أصرِّح، وأطالب دائما بأن يرسلوا إلي أي تقرير عن حالة الرئيس الصحية، لكن أحدا لم يستجب. وعندما مات موتا دماغيا، تلقيت "إيميل" من المستشفى الذي كان يتلقى العلاج فيه، يقول "جاءنا فلان الفلاني في التاريخ الفلاني ودخل المستشفى وبفحصه وجدنا أن دمه مليء بـ H.I.B.V. أي الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة (الإيدز).
أنا استغربت من هذا الإيميل لأنهم لم يردوا على كل اتصالاتي، أو على أي رسالة، ثم بادروا بإرسال هذا الإيميل..!
+ لِمَ بادروا..؟
++ فكرت في هذا، فخلصت إلى نتيجة تقول مؤكد أن أبو عمار قد تم تسميمه، وأن السمّ الذي دُسّ له لا يظل له أثر في الدم بعد أن يسري مفعوله، ويبقى فقط أثر للفيروس المسبب للإيدز. وفيروس الإيدز الذي كان لديه لا يميت في حينه، وقد أرادوا أن يقولوا إنه مات بمرض الإيدز حتى لا يترحم الشعب الفلسطيني عليه. عندما مات وأعلنوا وفاته، طالبت في الفضائيات بوجوب تشريح الجثة، ولكن أحدا لم يستجب لطلبي.. حملوا نعشه إلى القاهرة، ومنها إلى غزة، ثم إلى رام الله. وبعد دفنه بدقيقتين اتصلت مع أبو مازن، وطلبت منه أن يطلب من المدعي العام أن يأمر بفتح القبر، ويشكل لجنة مختصة من أي بلد كان تتولى تشريحها، وتحديد سبب الوفاة.
+ بم ردّ عباس..؟
++ قال يا "أشرف صرنا دافنينه". فأجبته "صديقك من صدقك، رجاء أن تفعل ما أطلبه منك"..
المهم في الأمر أن أبو عمار لم يمت من الإيدز.. الإيدز وضعوه له بهدف التغطية على عملية تسميمه.
+ هل وضعوه له مع السمّ..؟
++ ربما مع السمّ، أو قبله، أو بعده.. ربما بعده.. وذلك بهدف التغطية، كي لا يترحم الشعب الفلسطيني عليه.
+ هل يعني ذلك أن أحدا في فرنسا كان متواطئا في عملية قتله..؟
++ هذا يستدعي تشكيل لجنة تحقيق في فرنسا، لأن السلطة حاولت أن تشكل لجان تحقيق أكثر من مرة، وفي كل مرة برئاسة وزير الصحة الذي يكون على رأس الوزارة، لكن هذه اللجان "ما طلع منها إشي". التحقيق "المزبوط" يجب أن يكون في فرنسا. كما شُكلت لجنة أخرى برئاسة عبد الجواد صالح عضو المجلس التشريعي، وكلهم كانوا يتصلون بي ويقولون "أنت عضو في اللجنة" لكنني رفضت الذهاب إلى رام الله.
ما أريد أن أختم به هو أن إنهاء قناة الجزيرة للحديث معي فور أن قلت إن عرفات وُجد في دمه الفيروس المسبب لمرض الإيدز، وقبل أن أوضح كيف ولماذا تم دسّ الفيروس في دم عرفات، هو من قبيل انعدام المهنية.
+ ما الذي يعنيه شيراك بقوله إنه يعرف سبب وفاة عرفات لكنه لا يريد إعلان ذلك حرصا على قضية الشعب الفلسطيني..؟
++ (ضاحكاً) لا أعرف.. اسألوا شيراك.. أنا أجبتك بكل ما أعرفه من الناحية الطبية.
+ هل أُعلنت وفاة عرفات فور حدوثها، أم تأخر ذلك..؟
++ لا أعرف.. لم أكن هناك.