أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا وثيقة جديدة حول رؤيتها للمسألة الطائفية دعت فيها إلى اعتبار "المواطنة" هي أساس الانتماء في المجتمع السوري، وأعربت عن أملها في "مجتمعٍ تغيبُ فيه مصطلحاتُ (الأقلية والأكثرية)"، وكان لافتا في هذه الورقة أنها اعتبرت أن المسلمين يشكلون 85% من المجتمع السوري ما اعتبره البعض إقرارا ضمنيا باعتبار الطائفة العلوية جزءا من المكون الإسلامي، على عكس التهمة التي طالما وجهت إلى الجماعة.وفيما أكد مصدر في الجماعة للعربية أن الوثيقة تهدف بالفعل إلى توصيل هذا المعنى للعلويين "بالدرجة الأولى لأنه توجد مشكلة مع السلطات الحاكمة" فقد رأى آخرون في هذه الوثيقة على العكس من ذلك إحياء لمشاعر طائفية لم تعد موجودة معتبرين أن الطائفة العلوية والرئيس بشار الأسد مندمجين في الشارع السوري.
الإخوان والعلويون
وصدرت وثيقة الإخوان الجديدة ضمن سلسلة تصدرها الجماعة تحت اسم "على طريق الحوار الوطني" تحت عنوان "رؤية الإخوان المسلمين في سوريا للتكوين المجتمعيّ السوريّ والمسألة الطائفية"، وتقول في هذه الوثيقة موضحة موقفها من المذاهب والطوائف والقوميات الموجودة في سوريا قائلة: "في دائرة الإسلام يجتمعُ العربُ والكردُ والتركمانُ والشركس.. وفي دائرة العروبة يجتمعُ المسلمُ والمسيحيّ، كما يجتمع في دائرة الانتماء العام للإسلام جميع المذاهب والطوائف (خصوصاً إذا رجعنا إلى الإسلام الأول، قبل ظهور المذاهب والفرق السياسية في المجتمع المسلم)". وتتابع " إلى جانب هذين الانتماءين الجامعين، توجَدُ أقلياتٌ مجتمعيةٌ محدودة، تشتركُ في الانتماء إلى الحضارة والوطن، يكفلُ تأسيسٌ دستوريّ لدولة المواطنة حقوقَها، ويحمي مصالحَها، ويصونُ خصائصَها".وبما يشبه إقرارا ضمنيا بأن الطائفة العلوية هي جزء من المكون الإسلامي في سوريا، تقول الجماعة "إن مجتمعَنا عربيّ مسلم، يظلّلُ الإسلامُ بعقيدته السمحةِ ما يزيد على خمسةٍ وثمانين في المائة من أبنائه، وتربطُ وشائجُ العروبة نسبةً مقاربةً لهذه النسبة من المجموع العام". ومعلوم أن المسلمين السنة في سوريا لا يشكلون لوحدهم 85 %، وإنما تشمل هذه النسبة جميع المذاهب والطوائف الاسلامية في سوريا.وأكد زهير سالم، أحد أبرز قيادات الإخوان المسلمين في تصريح لـ"العربية.نت" من لندن، أن هذه الوثيقة فعلا تحمل "إقرارا ضمنيا من الإخوان أن العلويين جزء من المكون الاسلامي، وهي خطاب موجهة للطائفة العلوية وبقية الطوائف من الدروز والاسماعلية ولكنها تعني العلويين بالدرجة الأولى لأنه توجد مشكلة مع السلطات الحاكمة ولكن الهدف أننا لا نريد أن تمزق سوريا بأي شكل". وتابع "هذه الورقة نعمل عليها منذ سنوات وجاءت بعدما شعرنا بمحاولات تكرار التجربة العراقية المؤلمة ونخاف أن يتحول السوريون إلى نزق وقطع كما حصل في المجتمع العراقي من سنة وعرب وأكراد وشيعة". ويوضح كلامه " الإسلام حوى الكثير من المذاهب حتى ضمن أهل السنة وخارج السنة وكلها ضمن الاسلام، وهذا ليس جديدا إنه إعادة صياغة للفكر الذي تحرك عليه الدكتور مصطفى السباعي مؤسس الإخوان". وقال "نحن ننتظر أي خطوة إيجابية أن تلقى رد فعل مناسب بحيث يشعر الجميع أن التقدم بهذا الإتجاه هو لمصلحة الجميع هذا أمر مهم نحن منذ زمن طويل نخاطب الطوائف ونخاطب الطائفة العلوية بشكل خاص". وتؤكد الجماعة في الوثيقة تطلعها " إلى مجتمعٍ تغيبُ فيه مصطلحاتُ (الأقلية والأكثرية) نهجاً وسلوكاً - وليس ادعاءً - ليسودَ العدلُ، ويزولَ الاحتقانُ، ويحلّ الحبّ والتعاونُ محلّ الكراهية والقطيعة".وشددت الجماعة على أفكار كانت أطلقتها مسبقا حول اتهامها للنظام أنه يتحمل مسؤولية الطائفية في سوريا منذ 4 عقود، لافتة إلى أن "جمهورُ الإخوة العلويين بقي خارجَ إطار هذا التكتّل.. وتحمّلَ مع مجموع الشعب السوريّ نتائجَ ممارسات قلة قليلة من إقصاءٍ وقمعٍ وتهميش". ولم تشر الجماعة في وثيقتها إلى أن الحكم في سوريا شاركت فيه شخصيات من مختلف الطوائف السورية بمن فيها المسلمين السنة وبعضهم انشق عن النظام وتحالف مع الجماعة نفسها التي دأبت على انتقاد هذه الشخصيات قبل أن تنشق على مدار سنوات طويلة. وردا هلى هذا التساؤل يجيب زهير سالم :" نعم نحن لم نشر لآخرين من خارج الطائفة العلوية لأن الجماعة ترى أن الحكم بيد مجموعة من الطائفة أما البقية من مسؤولين من طوائف أخرى مهما كانت مناصبهم فهم مكمّلات".
نائب سوري يهاجم الإخوان
ولكن عضو مجلس الشعب السوري النائب الإسلامي محمد حبش سارع إلى انتقاد وثيقة الإخوان المسلمين. وقال لـ"العربية.نت":" هناك اسباب كثيرة تجعلنا نعتبر أن طرح هذه الوثيقة في هذه المرحلة ليس مفيدا على الإطلاق لأنها تعمل على إحياء المشاعر الطائفية التي نعتبرها غير موجودة وليست في حالة كمون أو ركود هناك شعور بالحاجة إلى منطق المواطنة وهو يتجاوز هذه التمايزات ولايوجد سبب يجعلني أقول إن الطائفة الفلانية موجودة بالخصائص الفلانية ولكن يجب لا تستيقظ فيها هذه الخصائص". وردا على اعتبار الإخوان أن "موضوع إثارة الطائفية هيّجه النظام المتسلط وذلك لحماية نفسه وممارساته في القمع والنهب واغتصاب السلطة فجمع حوله في ذلك عائلتَه وقلّةً قليلةً من المتسلّقين"، يقول حبش :" لا نعتقد أن إحياء هذه الثقافة له أي معنى، وأنا شخصيا لا أشعر أن الرئيس طائفي ولا ممارساته تنم عن حس طائفي وهو أصلا متزوج من حمص ويعيش في الوسط السوري بتفاصيله وليس في وسط الطائفة، والطائفة العلوية لا تعبر عن نفسها الآن بالحدود الدينية وإنما هي حالة مندمجة مع المجتمع السوري". وتابع: "لا أشعر أنه من المفيد طرح هذه الورقة في هذه المرحلة، والتركيز على التمايز الطائفي ليس ظاهرة صحية في هذه المرحلة. الناس في سوريا لا تفكر بهذه الطريقة وهناك حالة من الاندماج الإجتماعي فتجاوزوا هذه الكانتونات على الطريقة اللبنانية أو كما يجري الآن في العراق.. وجود تسميات للطوائف لا أعتقد أنه يحمل الحدود الدموية والفوارق الحدية التي تتصورها الوثيقة فهناك في سوريا حالة من الانتماء للاسلام كمظلة واسعة في إطار تنويري وتجديدي".يذكر أن النائب محمد حبش طالب تحت قبة البرلمان السوري بإنهاء الملف الإنساني لقضية الإخوان وإنهاء القانون 49 القاضي بإعدام كل منتسب للإخوان. ويعتقد محمد حبش، الذي يدير أيضا مركز الدراسات الاسلامية بدمشق، أنه لاتوجد في سوريا إحصاءات طائفية، وآخر احصائية من هذا النوع كانت في فترة الإنتداب الفرنسي في الثلاثنيات وكانت تشير إلى وجود 69 % من الطائفة السنية ولكن هذه الاحصائيات اعتبرت فيما بعد غيردقيقة وغير إيجابية ".
من كفّر العلويين ؟
وتعتبر هذه أول وثيقة رسمية تصدر عن الإخوان المسلمين فيما يتعلق بقضية الطائفية بشكل عام والطائفة العلوية بشكل خاص منذ مواجهات الجماعة مع النظام السوري في فترة عرفت بـ"أحداث الثمانينات"، وفي تلك الفترة شهدت جماعة الإخوان مواقف متباينة داخلها حيال طبيعة التعامل مع السلطة والنظرة إلى الطوائف الأخرى في سوريا. وهنا يذكر باحث سوري فضل عدم الكشف عن اسمه أن بيان إعلان الثورة الاسلامية الصادر عن الإخوان آنذاك لم يتضمن شيئا يتعلق بالطائفة العلوية خاصة موضوع تكفيرها وكان بيانا يحمل برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا للجماعة". وأوضح "كتاب سعيد حوّى واسمه (جند الله) الذي كان المرجع النظري لتنظيم الطليعة المقاتلة المسلح المنشق عن الإخوان تم الاعتماد فيه على فتوى تكفّر العلويين... والطليعة المقاتلة كان خطابها الطائفي واضح في بياناتها". إلا أن زهير سالم القيادي في الإخوان أبدى استغرابه مشككا في المعلومات التي تتحدث عن ورود هذا الرأي في كتب سعيد حوى، وقال " في الثمانينات نتيجة الظلم ونتيحة غياب قيادة الحركة السلامية نعم اعتمدت هذه الفتوى الصادرة عن أحد علماء المسلمين وهناك شباب اختطفها وأخذ يعمل عليها وهذا لم يكن بمشورة أو رضا من الجميع ونحن نعلّم الشباب عندنا أن الفتاوى لا تؤخذ من بطون الكتب، علما أن هذه الفتاوى لم تعتمد عند الإخوان ولكنها وجدت في بطون الكتب والإخوان لم يكونوا بهذا الاتجاه، وإنما كانت فتوى تكفيرية للعلويين من قبل تنظيم الطليعة المقاتلة الذي عمل بشكل مستقل عن الإخوان". وينفي الإخوان أن يكون تنظيم الطليعة المقاتلة جناحاً عسكرياً تابعا لهم ويرون فيه تنظيما مستقلا عنهم أسسه مروان حديد.وكان سعيد حوى قد شارك في قيادة التنظيم الإخواني العالمي من 1982 إلى 1984، وقيادة الإخوان في سوريا من 1985 إلى 1987.وفي بحث بعنوان "محنة الاتجاه الليبرالي في جماعة الإخوان السورية، قال الكاتب والباحث السوري الخبير في شؤون الحركات الإسلامية جمال باروت إن "الاتجاه التصالحي في الجماعة قد وجد نفسه منذ عام 1980 بشكلٍ خاصٍ محاصراً أمام قواعده بفيتو مطلق على مسألتين هما مسألة المفاوضات مع السلطة الكافرة ومسألة الإسلام دين الدولة في تفاوضه مع العلمانيين مع سيادة منهج تكفيرهم، ومن هنا لم يكن منهاج الثورة الإسلامية الذي أعلن في عام 1980 سوى منهاجٍ ليبراليٍ في الشكل لا يعبر من قريب أو من بعيد عن روح التنظيم التي غدت راديكالية، وزاد الطين بلة أن التنظيم العام قد أبرز الشيخ سعيد حوى (الملتزم بالجماعة ضمن مفهومه للجماعة لكنه الأقرب إلى المنشقين خارجها)". وتابع باروت " ما يهمنا من ذلك لقد كان مشروع حوّى هو تثوير الجماعة جعلها وسطية. والواقع أنه لم يبرز خلال هذه الفترة ردة فعل تجاه الفكرة الخطرة التي طرحها إخوانياً والتي تعتبر الجماعة فعلياً بمثابة جماعة المسلمين وليس "جماعة من المسلمين، ما يعني الوقوف على حافة "تكفير" كل من لا يؤيدها ولا يلتحق بصفوفها ضمن جهده وسعته من المسلمين. لكن برزت ردة الفعل على ذلك لاحقاً من خلال المرشد العام مصطفى مشهور الذي نزع الشرعية الإخوانية عن فكرة حوّى المدمّرة، وتمّ ذلك بعد ما يعبر عنه المثل "من ضرب ضرب ومن هرب هرب"، أي بشكلٍ متأخر".
حيان نيوف
(العربية)