انتقد رئيس الاستخبارات الفرنسية الأسبق ايف بونيه «التسرع» باتهام سورية بالاغتيالات التي وقعت في لبنان، وقال إن سورية تحولت إلى «كبش»، ورأى أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، قد تكون أداة لاستعادة بناء بعض الأخلاق والمساواة في التعامل ولكن بشرط أن تخضع كافة الدول للعدالة الدولية. وذكر بونيه الذي ترأس جهاز مكافحة التجسس من عام 1982 إلى 1985 أنه تعاون مع الأجهزة السورية في تلك الفترة، وكان تعاونه مثمرا.
وتعرض مؤلف كتاب «نووي إيراني... نفاق دولي»، الصادر حديثا في باريس، إلى الملف الإيراني النووي على خلفية صدور تقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، ودراسة مشروع قانون عقوبات جديد ضد إيران في مجلس الأمن. ورأى أن العقوبات الاقتصادية غير فعالة، محذراً أيضاً من خطر اللجوء إلى العمل العسكري الذي سيكون انتهاكا للقانون الدولي، واعتداء يترك نتائج كارثية.
كرجل مخابرات، هل تعتقد أن اتهام سورية بالاغتيالات التي تقع في لبنان له ما يبرره؟
من التسرع اتهام سورية دائماً بالاغتيالات التي تقع. لقد أصبح السوريون اليوم كبش فداء، نحملهم مسؤولية كل ما يقع. ويجب التشكيك بالأحكام المتسرعة، فعلى سبيل المثال ما الذي تجنيه سورية من اغتيال القائد في حزب اللـه عماد مغنية على أرضها؟
وبالمقابل نرى ما الذي يمكن أن تغنمه دول أخرى من هذه العملية، فمن الواضح إذاً أن السوريين لا علاقة لهم بهذا الاغتيال، رغم أن البعض اتهمهم. فقد أصبح سهلا جداً أن نرمي مسؤولية كل ما يحدث في لبنان على السوريين.
هل ترى تورطاً لأطراف داخل لبنان بالأحداث التي وقعت خلال السنوات الأخيرة؟
ليس لدي معلومات محددة، فقد غادرت المخابرات منذ أكثر من عشرين عاما، ولا يمكنني اتهام أحد. ولكن من الممكن أن تكون أطراف لبنانية متورطة في الاغتيالات المتكررة. فيجب البحث في كل مرة عن المستفيد من الجرائم، وللأسف لا يمكن الخروج نهائياً من تداعيات حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاما، أي ثلاثة أضعاف الحرب العالمية الثانية، وقد يكون هناك نوع من الانتقام بين المنظمات والأحزاب وقد يكون هناك تصفية حسابات.
ولكن بعض الدول الغربية، ومنها فرنسا، اتخذت موقفا من سورية على خلفية اتهامها بالاغتيالات فهل تسرعت؟
أعتقد أنه تم التسرع بهذا الأمر، ولا يجب القيام بذلك دون امتلاك معلومات محددة. ونرى أنه في الماضي تسرعنا باتهام جهات محددة واضطررنا بعدها للتراجع، فمثلا اتهمت ليبيا بتفجير طائرة لوكربي عام 1989، واليوم نرى أن ثمة تراجعاً في هذه القضية وقد لا تكون ليبيا وراء التفجير.
هل تثق بأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ستقيم العدالة في قضية اغتيال الحريري؟
المحكمة الدولية، قد تكون أداة لاستعادة بناء بعض الأخلاق والمساواة في المعاملة، ولكن بشرط أن تخضع كافة الدول للعدالة الدولية، وألا يترك التحقيق أي نقطة غامضة. ولدينا مثل مهم هي محكمة الجزاء الدولية التي أنشئت قبل سنوات، ورفضت بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل التصديق عليها. وعندما ترفض دول معينة التصديق على معاهدة المحكمة الدولية فكيف يمكن إحقاق العدالة؟!
ولكن هذه المحكمة خاصة بلبنان وليست دولية؟
المحكمة الخاصة هي الهيئة القانونية الخاصة ببلد ما وبحدث ما وبظرف محدد، فلا يمكن إنشاء قضاء خاص في كل مرة نقبض على سارق في شارع باريسي. وأعتقد أن العدالة الدولية يجب أن تكون شاملة، وإذا أرادت محكمة جزاء أن تتدخل، فيجب أن تحاكم كل الدول التي قد تكون متورطة، ويجب أن تعمل وفق أحكام قضائية محددة.
أصدرت مؤخراً كتاباً عن الملف النووي الإيراني، فكيف تقرأ التقرير الأخير لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي؟
ليس هناك عدة قراءات للتقرير. وأقدر عاليا البرادعي وعمله الذي يقوم به بنزاهة، وبشكل عام إذا لم نحترم الوكالة وفريق عملها فلا يمكن التقدم في هذا المجال. ويواجه البرادعي في عمله عدة حواجز هي أولاً: معاهدة حظر الانتشار النووي، إذ لا يمكن للوكالة الدولية التدخل إلا في الدول التي صدقت على المعاهدة، ولا يمكنها التفتيش على أراضي الدول التي لم تصدق عليها، ومنها الهند وباكستان وإسرائيل التي تملك سلاحاً نووياً، فمن السهل تجنب المراقبة الدولية بمجرد الامتناع عن تصديق المعاهدة، ولكن ليس بهذه الطريقة نبني تجمعاً دولياً ونتقدم على طريق التشاور الدولي. وثانياً: عندما تتدخل الوكالة على أراضي دولة وقعت المعاهدة يتم ذلك ضمن إطار محدد، وبموجب تصريح من سلطات البلد كما حدث في العراق.
ولكن دولاً مثل فرنسا لا تضغط على إسرائيل لتصدق على معاهدة حظر الانتشار النووي؟
الأمر أخطر من ذلك بالنسبة لإسرائيل، فهي لا تعترف أصلا بوجود برنامج نووي عسكري. وتذكر أنه بعد حرب عام 2006، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت بأن إسرائيل تملك سلاحا نوويا، ومن ثم تراجع وقال: لا لم أقل شيئا. ومن المفارقة القول: إن من يغش بعدم التصديق على المعاهدة، يستفيد من غشه عبر تجنب عمليات تفتيش الوكالة والابتعاد عن خطر عقوبات دولية.
كيف تشرح موقف باريس التي تلعب دور رأس حربة ضد إيران منذ وصول نيكولا ساركوزي إلى الحكم، وأوصت شركاتها بتخفيف الاستثمارات في إيران؟
هناك لا شك إعادة تموضع في الموقف الفرنسي إزاء إيران، وكأنه فعال لحمل إيران إلى العقل وإقناعها بالتخلي عن امتلاك السلاح النووي عبر التهديد أو العقوبات، ولا أود الحديث عن ذلك. ولكن بشكل عام، لا أعتقد أن التهديد بالعقوبات الاقتصادية يقود إلى تغيير سياسة إيران بل على العكس يفقد الشركات مواقع اقتصادية معينة لمصلحة دول أخرى، مثل روسيا أو الصين، فالعقوبات الاقتصادية غير فعالة وأعتقد أن العقوبات المالية التي تمس الثروات الشخصية لأشخاص معينين، تكون أكثر فعالية.
هل تعتقد أن الخيار العسكري ضد إيران مازال ممكناً وخاصة بعد تقرير الاستخبارات الأميركية الذي أكد أن إيران ليست خطرا؟
آمل ألا يتم، لأن الخيار العسكري سيكون كارثيا. فلا يمكن الدخول باعتداء ضد دولة مستقلة، فما نسميه حرباً وقائية غير موجود وهو اعتداء. وأي عمل عسكري ضد إيران سيكون انتهاكا للقانون الدولي وخطراً للغاية بنفس الوقت وغير فعال وسيكون هناك ردود إيرانية تطول كافة المنطقة، وتندلع أزمة نفطية جديدة.