آخر الأخبار

مامد في جنـــــة ليست كالجنة

ثلاثة سيارات للبوليس تتقدمهم امرأة أحاطوا بمامد ، المهاجر إلى فيينا .

فيينا التي غنت لها أسمهان ووصفتها بقطعة من الجنة..

أحاطوا به وهو مستلق على رصيف لونه أزرق ..
لم يأبه بهم ، بقي مستلقيا وقد لف رجل على رجل رغم أن المرأة الشرطية وقفت بمواجهته وفي يدها بطاقة معدنية تثبت انها من (نساء) الشرطة النمساوية المحترمات ..
انتشله زميل لها ، وطلب منه ابراز بطاقته الشخصية فأبرز لهم تذكرة استـئجار البارك لمدة نصف ساعة ..
استغربت الشرطية المرأة من الموقف فأجابها حمو : المكان موقف للسيارات ، أليس كذلك .
ولأن أصحاب السيارات يحجزوا المكان بمثل هذه التذكرة ليتسنى لهم توقف سياراتهم هنا فقد اشتريت التذكرة واستلقيت فترة الظهيرة بالإيجار .. أنا أعلم أن لاشيئ مجاني هنا ، لذلك دفعتُ إجرة وقوف سيارة ، هل لديكم مانع ؟
لقد دفعت مايجب دفعه عن المكان ..

مامد يبحث عن مكان لائق في هذه المدينة منذ ثمانية عشـــر عام دون جدوى ..

مامد لما كان لايزال مرشح للجوء هو وزوجته الطاجيكية التي قدمها على أنها كردية مثله ، كان يشتري لها تذكرة الحافلة التي تنقل سكان المعسكر إلى المدينة ويتبادلا استعمالها بدهاء ، كان عليه في كل مرة أن يمحي رقم بطاقته المخفضة المكتوب على التذكرة ليكتب رقم بطاقة زوجته المتشابه .. فهما يقيما معا في معسكر للجوء .. ويعملا معا في مطعم صاحبه سوري مثله و كحتوت مثله .
كان مامد ينظف الصحون ، وامرأته تنظف الأرض والمرافق بأجرزهيد ..
إنها الغربة التي لم يكن يحسب لها حساب ، فقد كان يعتقد بـانه سيعامل معاملة تليق بالمتعلمين أمثاله فأصبح يلم ذروف الرسائل من قمامة معامل الورق والذي يملكه كما يملك كل معامل الورق في النمسا الملياردير السوري مأمون الكزبري ..!!
ولأن مامد كان يشك في حصوله على قرار لجوءه فقد اعتمد أن يبني صلات اجتماعية ودينية بالنمساويين .. بكافة أطيافهم ، عدا الشيوعيين لأن شيوعيي بلده أخطئوا وأمنوا له منحة دراسية ليعود بشهادة علمية ( عليا!!) إلى الوطن فيخدمه ويساهم في بنائه ... ولأنه لايريد خدمة هذا الوطن فقد أصبح الشيوعيون أعداءه الحقيقيون..

من " قلة عقل" مامد أنه كان يعتقد " بأنه نمســــاوي" قبل أن يحصل على ذلك اللجوء اللعين .. وقبل أن يحصل على الجنســية أيضا ، وفي كل الأحوال بقي في عيون أهل البلد كما هو ، غريب عنهم رغم كل الموالاة والطاعة التي قدمها لهم ..

ذات مرة تطوع في زيارة موقوف كردي في مدينة قريبة من سكنه ، لكنه لم ينسى أن يأخذ ثمن البنزين ممن أسماه فيما بعد بالحية الرقطاء .. لأنه غير مستعد أن يضحي بوقته دون ثمن .. كالنمساويين تماما ..
ورغم ذلك بقي في عيونهم مجرد لاجئ .. وغريب ..
ذات مرة ساعد صاحبه فتكلم بدلا عنه بالهاتف .. سأل الاستعلامات عن فاتورة هاتف ، ولأنه يهاتف من هاتفه أماكن مشبوهة أبعدنا الله عنها في أيام رمضان الفضيل فقد جاءته فاتورة مرتفعة ، لذلك اتصل بصاحبه يطلب منه دفع الفاتورة لأنه ورد فيها أن المبلغ المرتفع جاء نتيجة الاستعلام ، (الانفرمانتسيون) ولكن لما راح صاحبه يستفسر عن هذا المبلغ المرتفع عرف أن صاحبه مامد أراد بغباء أن يغرمه المبلغ الذي تحدث فيه مع عاهرة على الهاتف متحججا أنه ثمن الاســتعلامات التي تخص ذلك الصاحب التعيس ..

مامد ورغم حقارة معيشته كلاجئ غريب عن الوطن يتحدث وكأنه نمساوي أكثر من النمساويين أنفسهم .. لذلك أصيب بحالة من انفصام الشخصية ، وأصبح ينام في الأماكن العامة .

يلبس رقع الثياب ويتفاخر أنه وزير ..
لم يعد أنيقا كما كان في مرحلة معيشته مع زوجته وأولاده ..
فأوربا هي أوربا .. ولكل حياته التي يختار ، لذلك تركته زوجته وراحت مع روماني مؤمن .. وتركه أولاده لأنه كان يريد أن يطبق قانـــون وزارته عليهم ..
ضاع مامد ولا يزال يفتخر بجنسية مكتسبة .. وبوزارة ليس له فيها نصيب ..
مامد نسي وطنه الذي يمكن أن يفاخر به .. لم يقتنع بما قال الدرويش محمود الذي غادرنا منذ فترة قصيرة عندما قال :
لن يصب النيل في الفولغا
و لا الكونغو ، و لا الأردن ، في نهر الفرات !
كل نهر ، و له نبع ... و مجرى ... و حياة !
يا صديقي !... أرضنا ليست بعاقر
كل أرض ، و لها ميلادها
كل فجر، و له موعد ثائر !

بقي مامد غريبا ً .. ليس له إلا رصيف يرتاح فيه ... لكنه رصيف بالإيجــار ..!!