ـ الجدل الساخن حول مسألة تعديل ميثاق المنظمة.. ومقترح الورقة الرابحة
كان الاجتماع بين بيبي وعرفات ورفاقهما لا يزال منعقداً، وقرّر الرئيس أن يأخذ إغفاءة صغيرة وكان ساندي ومادلين قلقين من انسلال اليوم. هل انضمّ إلى الاجتماع سألت مادلين؟ قلت لها «لا. بيبي يريد التوصّل إلى صفقة، وعرفات يعرف الآن أنّ اليوم هو الأخير، لكنّه يريد أن يعرف بشكل مباشر ما الذي يمكنه أن يحصل عليه من بيبي. دعيهما يعملان». استمرّت مباحثاتهم ساعة أخرى. وفيما كان الاجتماع ينفضّ، أبلغ أبو مازن وأبو علاء جمالاً أنّ مردخاي وبيبي قدّما أفكاراً لحل مسألة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ: اجتماع موسّع في غزّة يجمع أعضاء المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ وأعضاء من المنظّمات الأخرى، بحضور الرئيس كلينتون ـ كانت هذه فكرة بيبي ـ لطلب حشد التأييد لرسالة عرفات بشأن الميثاق. من الواضح أنّ الرئيس أثار فكرة الورقة الرابحة عن ذهابه إلى غزّة في اجتماعه مع بيبي في الصباح ـ وكان أبو مازن وأبو علاء يشعران أنّ ذلك قد ينجح.
لكن سرعان ما واجهنا مشكلة: كانت فكرة الورقة الرابحة في النقاط الموجزة المكتوبة، لكنّني أثرتها شفهيّاً أثناء الاجتماع مع الرئيس في الصباح الباكر. ولم يكن ساندي على علم بها وقد مانع كثيراً عندما تقدّم إليه ناتان وأوضح، بعبارات جديدة، أنّ هناك الآن حلاًّ لمسألة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، وهو يشمل ذهاب الرئيس إلى غزّة للظهور أمام المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ والطلب إلى الأعضاء التصويت على إلغاء الميثاق. فخوفاً من إحراج الرئيس، أبلغ ناتان، «لا يمكنك أن تضع الرئيس في هذا الموقف»، وذهب للتحدّث إلى كلينتون.
كنّا قد انتقلنا إلى خيمة مرفقة بواي سنتر، وكان ساندي والرئيس ومادلين متجمّعين تحت قسم منها. وكنت أنا وناتان شارانسكي في قسم آخر وانضمّ إلينا بيبي، وقال لي، «دنيس، سوف ينجح ذلك، لا تدع ساندي يتحدّث إلى الرئيس عنه. كل ما يلزم هو أن يطرح الرئيس السؤال على المجموعة ويمكنهم أن يصفّقوا أو يرفعوا أيديهم». قلت: «لا يمكنك أن تجعل الرئيس يقود المجموعة، ليقف على المنصّة مع عرفات وليطلب عرفات من المجتمعين إعادة تأكيد رسالة عرفات إلى الرئيس بشأن الميثاق. بدا الانفراج على بيبي بوضوح لأنّني أدعم الفكرة الأساسيّة وردّ بحماسة قائلاً، أجل، دعهم ليرفعوا أيديهم ويضربوا الأرض بأقدامهم».
انضمّ الرئيس إلينا وسألني عن رأيي. قلت إذا كان ذلك مقبولاً من الجانبين، علينا أن نساعد في تحقيقه، لا أن نزيده صعوبة. ولم أفاجأ بموافقته لأنّني كنت واثقاً أنّه أثار الفكرة مع بيبي. «اسمع، أعرف كيف أدير الحشد، وأستطيع أن أجعلهم متجاوبين». كان ساندي لا يزال قلقاً، لكنّني طمأنته قائلاً، «لن يضع عرفات نفسه في موقف يُرفض طلبه أمام الرئيس».
عند هذه النقطة شعرنا أنّنا تمكنّا أخيراً من التغلّب على قضيّة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ. كانت قضيّة «الثلاثين» القضيّة الأخرى التي بدا أنّ هناك اختراقاً ممكناً بشأنها: وافق عرفات على اعتقال الثلاثين جميعاً. فوافق بيبي من جانبه على 30 ألف شرطيّ للفلسطينييّن.
فجأة بدا أنّ كل شيء أخذ ينتظم في مكانه. كانت الساعة الخامسة بعد الظهر، فاقترح الرئيس أن نجتمع كمجموعة لحل القضايا المتبقّية، وفي أثناء ذلك، «سيصوغ ذلك دنيس للتأكّد من أنّ الجميع موافقون». وهكذا اجتمعنا حول طاولة كبيرة مستطيلة: الرئيس ومادلين وساندي وأنا من جانبنا، وبيبي وشارون ومردخاي وداني وإسحاق في الجانب الإسرائيليّ، وعرفات وأبو مازن وأبو علاء ونبيل أبو ردينة من الجانب الفلسطينيّ.
فيما بدأ الرئيس الاجتماع، سألني ما إذا كانت قضيّتا المطار ورجال الشرطة قد حلّتا ـ قلت نعم من حيث الجوهر ـ وانتقلنا لوضع قضيّة المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ في لغة متّفق عليها. كانت القضيّة الحرجة هنا ضمان حضور عدد كافٍ من أعضاء المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ لإضفاء الشرعيّة على قرار المصادقة على رسالة عرفات. اقترح أبو علاء توجيه دعوة عامّة إلى كافّة أعضاء المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ ـ فضلاً عن آخرين تتمّ دعوتهم ـ على أن يصدرها رئيس المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ ورئيس المجلس التشريعيّ وعرفات. قال الرئيس إنّ ذلك يبدو معقولاً، وتمّت الموافقة على اقتراح أبي علاء. وعملت على وضع مسوّدة لفقرة تصف ما اتفق عليه وهدف اجتماع المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ على السواء: «لدعم عمليّة السلام والقرارات التي سبق ذكرها» بشأن إلغاء الميثاق كما جاء في رسالة عرفات وأعاد التأكيد عليها بعد ذلك اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير والمجلس المركزيّ. ووافق الجميع على المسوّدة.
* عريقات قال لي : لغة الخطة جيّدة لكنّ أبو علاء يعارضها بشدّة وقد أقنع عرفات بذلك
* تجمّع بيبي مع شارانسكي وشارون ومردخاي في الغرفة العامّة التي تشرف على النهر إلى جانب عرفات وأبو مازن وأبو علاء ونبيل أبو ردينة (الذي عمل مترجما). واجتمع الفريق الأميركيّ في غرفة صغيرة جانبيّة للغداء. وبعد تناول الطعام، طلبت مقابلة صائب لأنّني أردت أن أحاول إقناعه بصيغتي لإعادة الانتشار الثالثة. طلبت من آرون إحضاره إلى الطابق العلويّ، إلى الغرفة الأخرى الوحيدة في هذا المبنى.
كانت الغرفة بسيطة لا تحتوي سوى على طاولة وكراسي تُطوى. وكانت مليئة بنسيج العناكب. لم أستطع أن أتبيّن إذا ما كانت حقيقيّة أو من النوع الذي يشتريه المرء للزينة في عيد البربارة (هالوين). ظننت أنّها للزينة ـ وتمنّيت أن يكون ذلك صحيحاً.
عندما وصل صائب، أخبرته بأنّنا سنسمّي هذه غرفة نسيج العنكبوت، لكنّنا سنستخدمها لنكون خلاّقين. وعرضت الصيغة التي طرحتها مع عرفات بشأن إعادة الانتشار الثالثة وشرحت لماذا تستجيب لمخاوف الفلسطينيّين. وأبلغته أيضاً بأنّنا لن نحصل على أفضل منها.
قال صائب، «دعني أكون صريحاً معك. أعتقد أنّها لغة جيّدة لكنّ أبو علاء يعارضها بشدّة وقد أقنع عرفات بذلك. لا يمكنني أن أقبل الآن. لا يمكنني أن أقبل بلغة توجد فيها كلمة (علاقة)». فأبو علاء يعتقد أنّه باستخدام كلمة «علاقة» لربط المباحثات بشأن إعادة الانتشار الثالثة بالوضع الدائم نقدّم تنازلاً غير مقبول ـ لكن «لا تسألني أن أشرح لماذا». صدّقت صائب وسألته، ماذا لو جئت بمرادف لكلمة «علاقة»؟ فقال، «استنبط شيئاً وجئني به لإقناعهم». أبلغته بأنّني سأحاول استنباط شيء بدون كلمة «علاقة»، لكنّني سأضطر في النهاية إلى العودة إلى اللغة التي عرضتها على عرفات.
انضمّ إلينا مارتن عند هذه النقطة، وسأل صائب إن كان بوسعنا استعراض النصّ وتحضيره للإنهاء. طلبت منه أن يبدأ ذلك مع مارتن فيما حاولت إيجاد طريقة للحفاظ على جوهر لغتي بشأن إعادة الانتشار الثالثة ولكن بدون كلمة «علاقة». انضمّ نبيل شعث إلينا الآن وبدأ العمل معي على الصيغ المختلفة التي تنشأ فيها لجنة لبحث إعادة الانتشار الأخيرة والوضع النهائيّ من دون استخدام كلمة مسيئة.
* كواليس الحوار حول السجناء الفلسطينيين
* اليوم السادس:
بحلول بعد ظهر يوم الثلاثاء، يومنا السادس في واي، لم نكن قد توصلنا إلى اتفاق بين جورج والفلسطينيين والإسرائيليين بشأن خطة العمل. لكننا لم نكن قد راجعنا بعد اللغة الرسمية للقسم الأمني من الاتفاقية مع بيبي ولم يعد بإمكاننا تأخير ذلك مدة أطول. وعندما بحثنا ذلك قاوم في البداية قائلاً «إنكم تلينون أكثر ما أحتاج إليه». وبعد بعض الأخذ والرد المتوقع، قال إن الطريقة الوحيدة التي تجعله يقبل مثل هذه اللغة هي حصوله على «تفاهم سري» معنا بشأن كل من هذه القضايا، لاستخدامه لتطييب خاطر حكومته. قلنا له، أنا ومادلين، إننا سنقدم التفاهمات الجانبية على كل قضية، لكن لأننا نعرف أن أعضاء الحكومة قد يسربونها، قلنا إنها لن تكون صريحة بالقدر الذي يريده. فقال إنه لا يستطيع اتخاذ قراره بشأن النص قبل أن يرى هذه التفاهمات الجانبية.
هنا اخترنا ترك الأمور حتى قدوم الرئيس في بداية المساء. شعرت أننا قضينا اليومين الخامس والسادس لتكييف الجانبين مع ما سيأتي. ولم يكن يعني ذلك أنهما سيعجبان بالنص أو لن يقاوماه، لكنهما لن يفاجآ به. فالمفاجآت في المفاوضات تمدد الوقت اللازم للتغلب على المشاكل، ذلك لأن أحد الجانبين سيشعر بالحاجة إلى الرد على المفاجأة بإثارة نقطة، وعندما يصل المرء إلى مرحلة «وضع النقاط» لن يكون من الوارد حل المشاكل.
تجمعنا أمام موقد النار الملتهبة في واي سنتر. بدأ الرئيس الاجتماع بشكل مريح قائلاً: «إن هذه هي المجموعة الملائمة التي تلتئم لتتقدم بنا نحو حل كل القضايا». وقال إنه يريد التقدم قضية إثر قضية ليعرف أين نقف وما الذي يمكن أن نتفق عليه الآن وما القضايا التي نتركها للقادة فقط.
طرحت قضية المساجين من قبل أبي مازن في التماس عاطفي لإطلاق سراح عدد كبير منهم، وقدم الرئيس ردا عاطفيا تجاه حساسية هذه القضية، وهي حساسية اختبرها بنفسه كحاكم لولاية أركنساس حيث ارتكب سجين عفا عنه جريمة بعد وقت قصير من إطلاقه. كان يعلم أن عائلات المساجين تحملت الكثير، لكن على المرء أن يأخذ في الحسبان مشاعر أسر الضحايا. وتحدث عن احتمال وضع فئات مختلفة للمسجونين، في حين أن بيبي قال إن هناك فئة من المساجين الذين لا يمكن إطلاق سراحهم: أولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء. وقال أبو مازن إنه يتفهم مشكلة رئيس الوزراء، لكنه شدد على أن رئيس السلطة الوطنية يواجه مشكلة أيضاً، لا سيما أن كثيراً ممن يقبعون خلف القضبان موجودون هناك رغم أن الحقبة تغيرت. وناشد التوصل إلى طريقة لإطلاق سراح المسجونين ووافق ناتان شارانسكي على الاجتماع به ليرى ما يمكن عمله.
بعد ذلك تناولنا قضية الثلاثين ووضعت لغة عامة لذلك النص، وتمت الموافقة عليه. بعد ذلك أثار الفلسطينيون قضية المسجونين. وكانت قد بحثت عدة مرات، وبدأت بجدية بعد اجتماعنا ليلة الثلاثاء عند لقاء شارانسكي ومردخاي بأبي مازن. قال بيبي إنه يتفهم أهمية القضية للفلسطينيين وانه راغب في إطلاق أكبر عدد منهم، قدر ما يستطيع، شريطة ألا يكونوا من حماس وألا تكون أيديهم ملطخة بالدماء. وقال إن المشكلة انه لا توجد أعداد كبيرة من فتح في السجون ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وأن إسرائيل لم تفرق يوماً بين من تلطخت أيديهم بدماء الإسرائيليين أو بدماء العرب. وكان يعتقد أن هناك مائة فقط أو نحو ذلك من هذه الفئة. وقال أبو مازن إن أهم شيء هو إنشاء آلية، استناداً إلى معايير من الاتفاق المؤقت، لمحاولة إطلاق سراح المزيد بمرور الوقت. وسأل الرئيس: «أليس هناك من طريقة لإطلاق سراح عدد أكبر؟».
قال بيبي إنه يستطيع إطلاق المسجونين لأسباب غير أمنية، من كانوا يعملون بدون أذون عمل والمسجونين لاعتداءات جرمية. وبهذه الطريقة يمكنه أن يطلق سراح ما يصل إلى عدة مئات. التفتت إلي مادلين وهمست، «هل نضغط لإطلاق سراح من تلطخت أيديهم بدماء العرب لا بدماء الإسرائيليين كطريقة لرفع العدد؟»، فقلت لها الأمر جدير بالمحاولة، لكن ربما الأفضل أن يأتي من الفلسطينيين لا نحن. واقترحت أن تذهب إلى أبي علاء لترى إن كان سيثير هذه المسألة. وقد فعلت وأثارها أبو علاء، وقال بيبي إنه سينظر في ذلك.
* روس: عرفات يتبنّى موقفاً متصلّباً إذا كانت المباحثات ثلاثيّة أو مع أي شخص سوى الرئيس
* اليوم الثامن:
أجاد روب كتابة الموجز في صفحة واحدة. وقد راجعته مع مادلين على طعام الفطور، وقدّمته إلى الرئيس عند قدومه. وقد وافق على مجمل الاستراتيجيّة، وكنّا جاهزين للبدء في الساعة العاشرة.
في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحاً، رتّب ساندي أن نجتمع أنا وهو وجورج تنيت مع الرئيس. بدأ ساندي بشرح أنّ الرئيس ينظر في إطلاق بولارد. وأوضح بحضور الرئيس أنّ ذلك قد يلزم لإتمام الصفقة وهو يريد أن يكون قادراً على اتخاذ هذه الخطوة عند الضرورة. ثار غضب جورج وقال، «لا يمكنك عمل ذلك يا سيّدي الرئيس». وأوضح أنّ إطلاقه يشير إلى أنّ التجسّس يمكن أن يحدث مع حصانة، وأنّ ذلك سيضعف كثيراً معنويّات مجتمع الاستخبارات التي عمل جاهداً على استعادتها. وختم قائلاً يجب على الأقلّ، إن كنت تنظر في إطلاقه، أن تضع إجراء يمكن من خلاله أن تعبّر كل الهيئات عن رأيها ـ «وإلاّ ستتعرّض لانتقاد قاسٍ».
لم يتأثّر الرئيس بشكل عامّ. وفيما كان جورج لا يزال يبربر، ذهبت أنا وهو إلى الممرّ العريض. أخبرني أنّه إذا أطلق الرئيس سراح بولارد، لن يكون أمامه خيار سوى الاستقالة من وكالة الاستخبارات المركزيّة. فبعد مكوثه أسبوعاً في واي، سينظر إليه مجتمع الاستخبارات على أنّه مشارك في الصفقة. وسيفقد مصداقيّته وتأثيره.
نقلت ذلك إلى ساندي، فطلب من جورج مقابلة الرئيس على انفراد.
بهذه المقدّمة، بدأنا اليوم المحتوم الأخير في واي. وجرت المفاوضات طوال اليوم في مجمع غرفة الطعام في واي الذي يشرف على النهر. كان يوماً لا نهاية له، يوماً بدأ فيما الشمس ساطعة في الساعة العاشرة صباحاً وانتهى تحت الشمس الساطعة بعد ظهر اليوم التالي. كان يوماً من الألم والامتعاض. وكان يوماً ذا عواقب حاسمة على السلام ومستقبل بنيامين نتنياهو. بدأ الرئيس اليوم بالاجتماع إلى بيبي الذي وصل قبل عرفات بوقت قصير. وبعد وصول عرفات، اجتمعت به وزيرة الخارجيّة وبحثت معه عدد الشرطة الفلسطينيّة(?). حاولت أن تعرف إذا كان يقبل رقم 28000 لأفراد الشرطة، وهو عدد أثرته مع بيبي في اليوم السابق ـ لا 30000 كما يريد الفلسطينيّون، ولكن ليس 24000 كما يريد الإسرئيليوّن. «(? ) وفقاً للاتفاقيّة المؤقّتة، يمكن أن يكون لدى الفلسطينيّين 30000 شرطيًّ، لكن بعد اكتمال عمليّة إعادة الانتشار. ونظراً لأنّ العدد المسموح به لهم الآن 24000 شرطيّ وكنّا نتحدّث عن تنفيذ إعادتي الانتشار الثانية والثالثة، كنت أعتقد أنّه يجب السماح للفلسطينيّين بـ 28000 شرطيّ، أو ثلثي الستّة آلاف الإضافيّة».
كنت مخطئاً في أنّ عرفات سيعتبر أنّ رقم 28000 خطوة في اتجاهه. انضممت إلى وزيرة الخارجيّة بعد نحو عشر دقائق، وبدا واضحاً أنّ عرفات لن يرضى بأقل من 30000 . وأحسست أنّ عرفات يتبنّى موقفاً متصلّباً إذا كانت المباحثات ثلاثيّة أو مع أي شخص سوى الرئيس.
ذهبت أنا ومادلين بعد ذلك لمقابلة الرئيس، فأبلغنا أنّه أخبر بيبي بأنّه أعدّ خطاباً مفاده أنّنا فعلنا أفضل ما بوسعنا ولم نتمكّن من التوصّل إلى اتفاق، وأّنه سيشعر بالأسى لاضطراره إلى التخلّي عنه لكنّه سيفعل ذلك إذا لم نتوصّل إليه اليوم. وقد قال بيبي، «لنعمل على إنجازه اليوم».
بوجود عرفات في موقع المترقّب، اقترحت أن نغيّر خطّة اللعبة. قلت إنّه لا معنى الآن لجمع الزعيمين معاً، فعناد عرفات يمكن أن يدفع بيبي إلى التصلّب. وأبلغت الرئيس، نظراً للردّ الذي أبداه بيبي، لم لا تعود بدلاً من ذلك إليه وتسأل عن حدوده الدنيا؟ أخبره أنّك بحاجة إليها لتعرف ما الذي عليك أن تحصل عليه من عرفات.
وافق الرئيس قائلاً، «تعال معي وسنعمل أنا وأنت على بيبي ثمّ نتوجّه للعمل على عرفات». وبناء عليه راجعنا كل قضيّة مع بيبي وعرض ما يلي:
بشأن مصادرة الأسلحة، يحتاج فقط إلى جمع وتدمير «مسرحيّ» للأسلحة، وستكون الأسلحة التي تدمّر أياً من الأسلحة التي أحضرها الفلسطينيّون إلينا لتدميرها (كان الفلسطينيّون قد اعترضوا على تدمير مقدار صغير من الأسلحة، وكان ذلك اقتراح بيبي للالتفاف على الممانعة); بشأن المطار، يقبل بالتفتيش المطلوب لطائرة عرفات فقط عندما يستعمل طائرة معارة له، وهو مستعدّ للموافقة على نظام مراقبة بالكاميرا أو أعمال تفتيش أميركيّة; بشأن الشرطة، يوافق على 28000 كإجماليّ العدد المسموح به; بشأن إعادة الانتشار الثالثة، رأى أنّ صيغة «اللجنة» التي اقترحتها ذكيّة وأنّه يمكن أن يوافق عليها; بشأن المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، فإنّه يحتاج إليه، وبشأن الثلاثين «قاتلاً»، يجب توقيف الجميع مع تفهّم أنّه سينظر بهدوء في عدد صغير جدّاً من الحالات للتعامل معها بشكل خاصّ.
التقيت أنا والرئيس بعد ذلك بعرفات الذي لم يكن مستعدّاً للموافقة على أي من هذه المواقف، رغم أنّنا راجعنا كلاًّ منها ووضعنا جانباً ما اعتقدنا أنّه ممكن. عن المطار، لن يقبل بأي تفتيش يقوم به الإسرائيليّون أو نحن للطائرات المعارة له. وعندما اقترحت احتمال نظام من الكاميرات كشكل من أشكال الضمان يستخدم لمراقبة كل الطائرات، بما فيها تلك المعارة له، قال إنّه سينظر في الأمر. وعن الشرطة، لن يغيّر موقفه من العدد الإجماليّ، وبشأن إعادة الانتشار الثالثة، استمع إلى صيغتي وكيف أنّها تستجيب إلى احتياجاته وطلب منّي أن أراجعها مع أبي علاء. سألته إذا كان لديّ تفويض منه فأجاب «دائماً». وعن المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ والميثاق، كان لا يزال يفكّر في جمع المجلس المركزيّ والمجلس التشريعيّ معاً، ولم يجبنا عن قضيّة الثلاثين محيلاً هذه القضيّة إلى رجاله الأمنيّين.
عندما فرغنا من الاجتماع بعرفات، كان موعد الغداء قد حان. سأل الرئيس ما الذي سنفعله الآن. أجبت إنّ عرفات لا يزال يفاوض دون شكّ، ولمساعدته على التركيز، عليك أن تعود إليه بمفردك وتكرّر عليه النقطة التي أثرتها مع بيبي: اليوم هو يوم الحسم، إما أن نتوصّل إلى اتفاق وإما أن نعلن أنّنا لا نستطيع. فعل الرئيس ذلك وقال عرفات إنّه فهم. في هذه الأثناء، اقترح إسحاق مولخو على جمال أن يجتمع الجانبان بمفردهما ـ بدون الأميركيّين، بل إنّ جمالاً لن يكون حاضراً للترجمة. وفي أعقاب المحادثة المغلقة بين الرئيس وعرفات، طلبت من جمال أن ينقل طلب مولخو إلى عرفات فوافق على الاجتماع المنفرد.