آخر الأخبار

يسعد صباحك... من ترانيم الذاكرة (6)

استطراد آخر، يتضمن أربع نقاط...

و هو شبه ضروري لفهم القحمذم التي سأرويها لاحقا...

النقطة الأولى: أهمية الطبولوجيا...
تحدثت سابقا و سأتحدث لاحقا عن الطبولوجيا و الفضاءات الطبولوجية، و لا شك أن القارئ غير المهتم بالرياضيات سيسأل: واش هاظا العلاك الفاظي؟ و بم تفيدنا الطبولوجيا بتاعتك؟
و حق هذا القارئ علي أن أشرح ذلك، فأقول، و عمر القارئين يطول...

الطبولوجيا هي العلم الرياضي الذي نبني عليه علم التحليل الرياضي، أي علم التفاضل و التكامل، و منه حل المعادلات التفاضلية،

و المعادلات التفاضلية يا أخي الكريم هي أساس علم الفيزياء، و أبسط الأمثلة هو... هذا الحاسب الذي تتفضل باستخدامه: هذا الحاسب يتألف من عدة مئات من أنواع الدارات الكهربائية... و كلا من هذه الدارات الكهربائية يتم تصميمها بناء على حل لمعادلة تفاضلية تجمع فرق الكمون (التوتر مقاسا بالفولط)، لشدة التيار (مقاسة بالأمبير)، للمقاومة، للسعة، للمدري شو إسمها... يعني الحساسية المغنطيسية...

فحين يقوم المهندس بتصميم دارته الكهربائية فأول ما يفعله هو أن يحل معادلتها التفاضلية بناء على مبادئ التحليل الرياضي، يعني اعتمادا على الطبولوجيا...

فكما تلاحظ يا أخي الكريم، ليست الطبولوجيا علما خرافيا يقوم في الفضاء: إنها أقرب إليك من حبل الوريد...

النقطة الثانية: القيمة اللاصقة (يعني النهاية الجزئية)...
القيمة اللاصقة بمتوالية عددية هي مفهوم رياضي... و كي أشرحه ببساطة سأتخيل أن شابا اسمه سمير (و هو ليس قصيرا ) قد بلغ السادسة عشر من عمره (مثلا)، و سنتخيل أنه مغرم بفتاة سنسميها نهى (من منطلق: نهاية جزئية)...

فحين يذهب سمير لشراء الخبز فإنه يغير طريقه كي يمر تحت نافذة نهى...
و حين يذهب لشراء الحليب فإنه يغير طريقه كي يمر تحت نافذة نهى...
و حين يذهب لمشاهدة مباراة في كرة القدم فإنه يغير... إلخ!
فهكذا، تكون نافذة نهى نقطة لاصقة بالنسبة لسمير، لأنه لا ينفك يمر بقربها...
و نقول أيضا: نافذة نهى هي نهاية جزئية لسمير... جزئية لأنه يمر بقربها لكنه يتابع طريقه بعد ذلك...

النقطة الثالثة: الفضاء المتراص...
هناك من الفضاءات الطبولوجية فضاءات نصفها بأنها متراصة ، فهي كالبنيان المرصوص يشد بعضها بعضا...

أبسط الأمثلة عنها هو: البرتقالة!
ألا تلاحظون أن البرتقالة متراصة ؟

لكن لو حصل لا سمح الله و كانت البرتقالة هي برتقالة من نوع لوباتشيفسكي، أي مثل الدائرة التي رسمت فيها قطة فإننا نلاحظ أن القطة المسكينة، و مهما سارت، فإنها لن تصل أبدا لقشرة البرتقالة...

فنقول وقتها أن برتقالتنا لم تعد متراصة ...

بعيدا عن التعريف الرياضي الدقيق للفضاء المتراص، نقول أننا نصف الفضاء الطبولوجي بأنه متراص حين يكون صغيرا إلى حد ما ، و هذا يسمح لنا بأن ندرسه و أن نستنتج خصائص هامة و عديدة...

النقطة الرابعة: قحمذم تمثل توطئة للقحمذم...
هذه القصة الحقيقية الممتعة و ذات المغزى (قحمذم) حصلت حين كنت، أنا، في سنتي الدراسية الأولى في المعهد إياه، و كان الدكتور صلاح الأحمد يدرسنا طبولوجيا المستقيم الحقيقي (مجموعة الأعداد الحقيقية)...
فقد قام الدكتور صلاح الأحمد بشرح مفهوم النقطة اللاصقة (النهاية الجزئية)، ثم إنه طرح سؤالا:
هل يمكن لكم أن تقدموا لي مثالا عن متوالية تمتلك نهاية جزئية لكنها لا تتقارب منها؟
فصمت طلاب دفعتي صمت أبي الهول...
و بعد أن طال الصمت، ما كان مني، من مقعدي في آخر القاعة -حيث أن المقاعد الأخيرة محجوزة للطلاب الكسالى، أليسه؟
اقول: من مقعدي في آخر القاعة حيث كنت أشترك في الجلوس عليه مع زميلي آصف، من مقعدي هذا رفعت يدي...
قال لي صلاح الأحمد: نعم يا أخي، ما اسمك؟
أجبته: اسمي عمرو الخيّر
ابتسم صلاح الأحمد (أخيرا هو شاهد هذا الطالب المدعو عمرو الخيّر) و قال لي: نعم يا أخ عمرو، هل لديك مثال؟
أجبته:
لتكن المتوالية واحد، اثنين، واحد، ثلاثة، واحد، أربعة، واحد، خمسة، إلخ... (يعني: 1، 2، 1، 3، 1، 4، ...)... من البديهي أن هذه المتوالية تمتلك قيمة لاصقة هي الواحد، لكنها ليست متقاربة!

فأثنى صلاح الأحمد على مثالي لأنه ابسط مثال يمكن تقديمه، و هو يوضح تماما قصة سمير و نهى (مفهوم القيمة اللاصقة)...

الآن أنجزت التقديمات و صرت مستعدا كي أروي القحمذم الأساسية.