آخر الأخبار

كرسي الحكم

كرسي الحكم رافضا أن يفسح المجال
مثل فرعون

هل أتاك حديث الحكّام و العسكر , هم سبب زمننا الأغبر وعلة تخلفنا المدمّر , جمعوا كل أموال الدنيا بالحرام والميسر , و حولوا شعوبهم إلى قطيع أغبر , وفتحوا السجون لكل حرّ من الظلم متدمّر , وفتحوا المواخير لبغاة العهر وقتلوا كل مثقف متطهّر ثمّ
لا يختلف إثنان في العالم العربي أنّ حكامنا جنوا علينا وعلى راهننا ومستقبلنا وعلى إقتصادنا وسياستنا ونهضتنا و تاريخنا وجغرافيتنا بجهلهم وديكتاتوريتهم وعمالتهم و عشائريتهم وظلمهم وبطشهم وسجونهم وجلاديهم ورجال مخابراتهم وجيوشهم وأجهزة التعذيب التي تفننوا في إستيرادها من كل مكان , ولقد أصيب بعض حكامنا بسرطان المقعد لكثرة ما جلس على كرسي الحكم رافضا أن يفسح المجال لغيره حتى لو كان هذا الغير ذا كفاءة فكرية وسياسية و حنكة في إدارة الأمور . وقد أصبح حكامنا بإمتياز مثل فرعون مصر الذي قال يوما كما ورد في القرآن الكريم : لا أريكم إلاّ ما أرى ...
ولا شكّ أنّ حكامنا يتحملون مسؤولية كاملة ومطلقة في كل التدهور الذي آل إليه واقعنا العربي في كل تفاصيله , فالمقدرات كلها بأيديهم و أدوات الأمر والنهي كلها بأيديهم , وما به تتحققّ التنميّة كلها بأيديهم , فحولوا الدولة إلى شركة فأعطوا للإبن نصيبا وللزوجة نصيبا و للخال نصيبا وللعشيقة التي يزني بها الحاكم في فيلاته الخاصة نصيبا وللموالي الذي يلحس الأقدام نصيبا , فيما أعطوا الشعب مواعظ وعلموه كل آيات الصبر والصابرين والدعاء لولاة الأمور بالحفظ والرعاية - اللهم أحفظ ولاة أمورنا - وما إلى ذلك من الأدعية علما أنّ الفقهاء يشترطون في وليّ الأمر أن يكون تقيّا ورعا صائنا لدينه راغبا في ربّه معرضا عن الدنيا , فأين هذه الصفات من ولاة أمورنا اليوم !!
و قد درجت العادة أن نقدمّ التعازي لعوائل الشهداء الأبرار , للعوائل التي فقدت عزيزا , لكن يجب أن نخرج عن هذه العادة قليلا , و نقدّم أحرّ التعازي لشعوبنا العربيّة و الإسلامية في موت حكام العرب والمسلمين , في موت كرامتهم ونخوتهم ورجولتهم ومروءتهم وعدلهم أيضا , نقدمّ التعازي لشعوبنا العربية و الإسلامية في موت حكوماتنا العربية الصعلوكة التي عجزت عن تسيير بلدية ناهيك عن دولة , والتي طحنت المواطن العربي طحنا والتي تحولت من سلطة تنفيذية إلى سلطة أمنية قمعية تلاحق الأبرياء , وتسلب الإنسان العربي إنسانيته.
وفي الوقت الذي وصل فيه الفرنجة إلى بلادنا على حد تعبير أجدادنا , تقيم العديد من الحكومات العربية ليالي الأنس والطرب التي يحييها المطربون الحشاشون هنا وهناك , ولا تنوي الحكومات العربية إنساء المواطن العربي فقده لأمنه السياسي والإقتصادي والحضاري فحسب , بل هي محتفية بقرب قدوم السيدّ الأمريكي بجحافله ليسوس المنطقة مباشرة بعد أن كان يسوسها عبر الحكام الموظفين في الإدارة الأمريكية .
و إشكالية مسؤولية الحكّام في تدهور أوضاعنا كل أوضاعنا عريقة جدا في خطابنا الفكري هي مطروحة بشكل مباشر وغير مباشر في أمهات المراجع والكتب الفكرية والتاريخية , نجدها في تاريخ إبن عساكر و في الإمامة والسياسة لإبن قتيبة و في مقدمة إبن خلدون وفي الفرق بين الفرق للأسفراييني البغدادي , وفي أخبار البلدان للبلاذري وفي أقوم المسالك في أحوال الممالك لخير الدين التونسي وفي طبائع الإستبداد للكواكبي وفي العقد الإجتماعي لمونتسكيو والأمير لميكيافيلي , و قد دشنّا خطابنا الفكري بهذه الإشكالية في مطلع القرن الماضي وفي مطلع القرن الحالي , وما زالت هذه الإشكالية سارية المفعول .
بطبيعة الحال فإنّ الحديث عن دور الحكّام في مسؤولية تردّي أوضاعنا يصبح أكثر إلحاحا مع الإنتكاسات الكبيرة التي نعيشها هذه الإيّام .
و الذي يتحمل مسؤولية الضياع العام والشامل وبفصاحة وإيجاز هم حكامنا وولاة أمورنا الذين نصفهم جاهل وثلثهم زير نساء والثلث الباقي أحفاد السفّاح العباسي , و السبب بسيط ومنطقي فكل المقدرات بأيديهم الجيوش والأجهزة الأمنية والميزانيات الضحمة و النفط الأسود وكل أدوات السلطة وآليات تحويل القرار إلى فعل .
وفي كل الثقافات والفلسفات فإنّ وزر الكبراء أشدّ وأعظم من وزر بقية الرعيّة , أليس في ثقافتنا الإسلامية ما يؤكّد أنّ الحاكم يطول وقفه بين يدي الله , أليس المخفون يجتازون الصراط بسرعة البرق , وهل يملك المثقف المقهور والمواطن المسلوبة حقوقه ما يملكه الحاكم .
والنكبة التي تسببّ فيها حكامنّا تفرعت إلى : نكبة سياسية ونكبة ثقافية ونكبة إقتصادية و نكبة عسكرية ونكبة إجتماعية و نكبة أمنية ونكبة حضاريّة شاملة .
و على الرغم من أنّ حكامنا أصبحوا مسيخا دجّالا فلا يمكن البتةّ أن نعولّ على أمريكا لإسقاطهم وإستئصالهم من واقعنا كل واقعنا , فأمريكا هي المسيخ الأكبر الذي غرس المسيخ الأصغر لإستخدامه عند الحاجة , وكما قال كيسنجر يوما سياستنا قائمة على تقسيم البلدان وإيجاد بؤر توتر هنا وهناك لنتدخل دوما , فواشنطن لا يمكن أن تكون المهدي المنتظر و الذي يراهن عليها إنما يراهن على السراب , إنّه سؤال برسم مليار و ربع مسلم تريد أمريكا قيادتهم كما تقاد النعاج !!