من النادر أن نجد عملاً درامياً يحاكي واقع الناس بصورة مباشرة، ويتلمس نقاط حساسة في أعماق مجتمعاتنا العربية، منتقداً بسخرية لا تخلو من الجرأة السياسات الحكومية العربية، التي في كثير من الأحيان لا تأتي إلا بالأذى على شعوب تلك المجتمعات.
أما مسلسل "بقعة ضوء"، فقد أصبح في جزئه السادس، عملاً لا يمكن للمشاهدين قضاء رمضان من دون مشاهدته، فكما كانت "مرايا" ياسر العظمة في التسعينات، أصبح "بقعة ضوء" باسم ياخور وأيمن رضا، هو المسيطر الرئيسي على التلفزيون خصوصاً بعد اختفاء المنافس الأوحد، وهو ياسر العظمة.
المميز في هذا المسلسل أن كتابته توزعت ما بين ستة مؤلفين هم: عمار مصارع، وكوليت بهنا، وأيمن رضا، وباسم ياخور، وعمر حجو، ورافي وهبة، ليجمعها المخرج الليث حجو في قالب واحد، ويضعها ضمن 30 حلقة جاهزة للمشاهدين للتعرف إلى الواقع العربي بصورة مأساوية في كثير من مشاهده، وصورة كوميدية في مشاهد أخرى.
العمل هذا العام جاء مميزاً وفقاً لعدد من متابعي العمل، ففي الحلقة الثانية، التي كان موضوعها حول رغبة المشاهدين في عودة أبو عصام، بطل مسلسل "باب الحارة"، إلى العمل لأنهم يرون أن العمل لا معنى له من دونه، وصور المخرج هذا الموقف من خلال مجموعة من السوريين الذين يتنقلون ما بين بيت مؤلف "باب الحارة"، ومخرجه، ومنتجه، للمطالبة بعودة البطل، الذي يرون أنه مثل الوجدان العربي، وكان قدوة للعديد من الرجال في هذا الزمن.
ولعل المخرج كان ذكياً للغاية في استخدام موسيقى مسلسل "باب الحارة"، وتقمص بعض الشخصيات أدوار رجال باب الحارة كالعقيد أبو شهاب ومعتز، اللذين نالا قدراً كبيراً من حب الناس.
من هنا نجد أن هذا العمل يلمس واقعاً يعيشه معظم الناس في الدول العربية، فكما أن بقعة الضوء قد سلطت على الدراما بشكل عام، واستخلصت أهمية باب الحارة بالنسبة للمتابعين، تم تسليط الضوء كذلك على غلاء الأسعار، ورغبة المواطنين في التعبير عن أنفسهم، والديمقراطية، والحب، وغيرها.
إلا أن هناك بعض الحلقات التي كانت تخرج عن حدود الكوميديا لتقع في مطب "الهزل اللا مرغوب"، كالحلقة التي يتم فيها معالجة موضوع الغلاء وملكية جميع المصانع والمستشفيات والمدارس والحدائق والمرافق الصحية وغيرها، من قبل المجموعة ذاتها.
وبالتالي فإن أي زيادة في الرواتب ومن ثم في الأسعار، ستعود بالفائدة على الأشخاص ذاتهم، ولن يظلم في هذا الأمر إلا المواطنون "الكرام."
ويقول أحد المتابعين للعمل: "أعتقد أن موضوع الحلقة كان مميزاً ومهماً، إلا أنه لم يُعالج بالشكل الصحيح، ففي بعض الأحيان يميل المسلسل إلى تضخيم الأمر بشكل يصبح فيه غير واقعي أبداً."
ويقول آخر: "أنا متابع لهذا العمل منذ جزئه الأول، وأرى أنه مر بقفزات نوعية، وهبوط في بعض معالجاته الكوميدية، ولا أدري ما إذا كان ذلك بسبب الموضوع نفسه، أم التمثيل، أم حتى المعالجة الإخراجية."
"بقعة ضوء" في النهاية هو عمل ساخر، هدفه الأوحد والأهم هو الوصول إلى أكثر النقاط حساسية في الواقع العربي، وتقديمها على طبق ساخر للمشاهدين، ونحن لا نملك إلا أن نقول أن متابعة هذا النوع من الأعمال التلفزيونية إنما يزيد من غنى الشاشات الرمضانية لأنها تملك جرأة كبيرة لم نعهدها أبداً من قبل.