لنكن واضحين: أمريكا ظنت لوهلة أن العالم "هيت لك" و أن اختفاء الإتحاد السوفياتي سيتيح لها فرصة أن تنشئ امبراطورية لا تغيب عنها الشمس و لا يطل على غيرها القمر...
المشكلة أن الإمبراطوريات التي اتسمت بهذه السمة (امبراطورية الإسكندر المقدوني، الإمبراطورية الرومانية، الإمبراطورية الإسلامية، و ايضا الإمبراطورية السوفييتية، و غيرها...) إنما وصلت لهذه المرحلة بتعاملها الإيجابي مع الشعوب المحتلة:
فنحن نعلم من كتب التاريخ أن الإسكندر المقدوني كان يحرص شديد الحرص على إجراء زواجات مختلطة بين جيشه و أهل الأرض المحتلة كي تصير بينهم قرابات و صلات دم.
نحن نعلم أن بعض إمبراطورات الرومان كانوا سوريين، و كانت سوريا مقاطعة رومانية كاملة الحقوق...
نحن نعلم أن الفتح الإسلامي لمصر تم بجيش سوري، لكن فتح بقية الشمال الإفريقي تم بجيش مصري، و حملة المسلمين على الأندلس تمت بقيادة المغربي البربري طارق بن زياد...
كما أننا نعلم أن أهم قادة الإمبراطورية السوفياتية كان الجيورجي جوزيف تشوغاتشيفللي المعروف باسم ستالين...
فأين الإمبراطورية الأمريكية من ذلك؟
الإمبراطورية الأمريكية -و باستثناء حالات محدودة مثل كوريا الجنوبية- تمارس العكس تماما: وصول الجيش الأمريكي لبلد ما يعني الفقر و الذل لأهل هذا البلد: من أمريكا اللاتينية وصولا لفييتنام و كمبوديا انتقالا للشرق الأوسط حيث نجد العراق.
هذه السياسة مصيرها الفشل: الفشل مؤكد.
في مواجهة فشلهم المؤكد، و نظرا لرفضهم دفع الثمن الذي يتطلبه إقامة امبراطورية مستقرة (و هو، كما كتبت سابقا، احترام سكان البلدان المفتوحة و إشراكهم في ثمرات الفتح)، نجد الأمريكان يحاولون التغطية على فشلهم -السياسي و العسكري- بمحاولة الحصول على انتصار هوليوودي: انتصار أمام عدسات التلفزيون...
- هل هناك من ينسى حكاية الميشن أكومبليشيد بتاعة جورج بوشت على حاملة الطائرات حين حط عليها بطائرة حربية أمريكية، و طبعا تجنب المخرج أن ينبه المشاهدين لحقيقة أن جورج بوشت عاجز عن قيادة طائرة حربية و أنه تم نقله في الطائرة إياها كما تنقل الحقائب...
- هل هناك من ينسى جورج بوشت و هو يقدم الطعام للبويز في العراق يوم عيد الشكر (و هو عيد يشكر فيه الأمريكان ربهم أنه ساعدهم على ذبح الهنود الحمر و الإستيلاء على أرضهم)، و طبعا فإن مخرج الفيلم نسي أن يخبر المشاهدين أن جورج بوشت وصل للعراق و غادره سرا، و أنه لم يجرؤ على مغادرة مطار بغداد...
- إلخ...
أمريكا مهزومة، أمريكا مهزومة سياسيا و عسكريا، فهي تحاول الحصول على نصر تليفزيوني عن طريق إهانة سوريا: مثلا عن طريق إجبار بشار الأسد أن يقابل مليص سيء الذكر، كي يصطهج جورج بوشت و يقول: "انظروا لتقدم الديمقراطية".
أظن أن أهم ما يجب على الحكومة السورية أن تفعله هو حرمان البوشت من هذا الإنتصار، و أن تتركه يواجه نتائج سياسته في العراق و غيره، و أن تقاومه و تنتظر انهيار أحلامه... خاصة و أن جورج بوشت و مهما "ضرط من طيز واسعة" فهو أعجز من أن يحاول احتلال سوريا... يعني هو تلقى الدرس الذي يليق به في العراق...
و أصلا إن رغب أن يحاول فيمكننا أن نجيبه بكلمته الشهيرة: برينغ إت آب!
و بالإنتظار، فكما يقول المثل السوري:
"الشجاعة صبر ساعة".
و أنا شخصيا لست على عجلة من أمري...