آخر الأخبار

تفكيك الفساد في بعده الوبائي

فلا يوجد انسان حي, ومعافى يمكن ان ينطبق عليه حرفيا انه لا يعرف, وكل معرفة تبدأ بالتجربة, وترتقي, وتزدهر, وتكبر بالعلم, واعمال العقل في الخلق, والابتكار في شتى ميادين الحياة, في الفكر والتقنية, والاقتصاد, والثقافة والفن, ومختلف ميادين المعارف الاخرى, وبفضل العلم والحرية, والابداع وهيبة القانون, والعدالة, والمساواة, والديمقراطية, وديناميكية الزمن وعدم الجمود على النصوص, والنظريات البالية استطاع الانسان في الانظمة المتقدمة ان يحقق تفوقه, وتطوره, وقوته, واستطاعت تلك الانظمة ان تحقق حراكها الحضاري وتحفظ قدسية الانسان, ومراعاة انسانيته, وحريته, وحقوقه.
اما اذا نظرنا الى واقعنا المتخلف في العالم العربي, ونخص بالذكر وطننا تصدمنا الحقيقة المرة من هول التخريب, والتدمير المتعمد في ادارات الدولة ومؤسساتها, والفقر المريع في انتاجية الفرد , وتفشي كثير من الاوبئة والامراض التي تكاد تشل كل حركة نحو النهوض والتقدم, ومواجهة عصر التحديات الكبرى, والعولمة, والمتغيرات المذهلة التي تعصف في العالم.
ومن هذه الاوبئة تفشي الرشوة, وشراء الذمم, والضمائر, والاستخفاف بالقوانين ودعسها باقدام مع السلطة او بعض رموزها لمصالحهم الخاصة, ومصالحهم الحزبية الضيقة على حساب الوطن, واهله ونهوضه, وتقدمه, والتاريخ اللائق بالانسان .. تاريخ الانسان ضد الوحوش وتاريخ الخلق, والابداع ضد العنف, والتحجر, وحارقي الوطن, وشل حركته, وتخريب ما حققته البلاد من خطوات في مسيرة الديمقراطية, والحرية التي لا يؤمنون بها الا بالقدر الذي يخدم مصالحهم, ويحقق اغراضهم, ومكاسبهم, وامتيازاتهم.
فالفساد في بعده الوبائي هو النتيجة الحتمية التي تخنق مستقبل البلاد وشبابها والتي ستفرخ غابات, ومستنقعات سامة ترمي البلاد في اتون الكوارث, والفواجع التي لايدرك احد مدى التدمير الذي سيصيب الانسان منها, والوطن وتحويل الحياة الى جحيم لا يطاق, وهذا ما نرى بعضه الان في حياتنا اليومية خصوصا اذا بقيت الاوضاع على ما هي عليه وانظمته البالية, والذي لا يجلب الى الامة الا سلاطين التخلف, والجهل,, وقوى الاحزاب الظلامية, ليصبح الولاء هو البديل للكفاءة, ويصبح الفساد الاداري هو الآفة التي تشل النسيج الوظيفي كله من اعلى المناصب في الدولة الى ادناها, وتصبح الرشوة نمط انتاج بعدما تظفر بالشرعية من خلال التعود والتكرار, وتصبح العدالة مجرد وهم او حبر على الورق.
وتفكيك الفساد ليس تقشيرا لبصلة, او ظاهرة مهما بلغت من التعقيد انه كشف, واضاءة, وتسمية الاشياء باسمائها بلا اية حسابات او مصالح انانية لان تبرئة فاسد واحد يبقى جمرا تحت الرماد, وبذرة قابلة للنمو, والتكاثر ليصبح حريقا يأكل الاخضر واليابس, ويبدو ان هذا التفكيك يحتاج الى ارادة ومعرفة لمفاصله, ونقاط اتصاله,ومن اين يأتي, عندها يمكن القول لمن يريد ان يمد يده في جحر الافعى ان يتلقح ضد لدغتها السامة, والمميتة, ولكن الاسى والالم ان من رفع شعار الاصلاح, ومحاربة الفساد ركب عربة عاطلة يأكل السوس خشبها, ووضعت العصى في دواليبها من مصاصي دماء هذا البلد من اصحاب المصالح, والاغراض, والذين لا يعيشون الا على ادامة هذا الوباء وانتشاره