إرتبطت الانقلابات بالعسكر بمعناها وأهدافها، وثمة انقلابات مرتبطة بأصحاب مناصب لا يتدخل فيها العسكر، فيطيح نائبُ مدير شركة مديرَها فيديرها، فهي انقلابات إجرائية وفعلية. إذا كانت الأصقاع العربية تصعقها مثل هذه الانقلابات، فإن بعض المفاهيم المجتمعية والأعراف التقليدية في حاجة إلى من ينقلب عليها انقلابا أبيض لا تراق فيه قطرة دم واحدة، ما دامت هذه المفاهيم والأعراف من صنع البشر وغير منزهة .
المرأة هي الضابط المنوط به البدء في ذلك ،وإنْ كانت كلمة انقلاب تخيف البعض لدلالتها العسكرية، فيمكن القول ،إذنْ، رياح التغيير ، أو ثورة ناعمة، تتبدل في أعقابها ظروف المطلَقة المشرقية ويحكم بالإعدام على ماهية النظرة الاجتماعية إليها كما لو أنها مرتكبة فاحشة أو سيئة الصيت، بينما الزوج من روح القداسة لا يمسسه قرْح من تلك النظرة ، ولا عجب في ذلك في ظل شريعة "ذكورابي" .
يدرك المرء العقلاني أسباب إحاطة المطلقة نفسها بزوايا الحزن، وتخويف نفسها من خبايا وخفايا المستقبل ،خصوصاً إذا سقطت على كاهليها مسؤولية تربية الأبناء وإيجاد لقمة العيش الكريم لهم ، وساورها الهاجس من أن تشعر أنها باتت عالة على أهلها ، يضاف إلى ذلك قلقها من أن تظل بلا شريك شرعي تتشاطر معه المضجع كي يصدى ظمأ أنوثتها .
كل ذلك مرده إلى مكنونات المفاهيم السائدة حول مسألتي الزواج والطلاق ، والتي تصل أحيانا إلى حد تغليف مسألة الطلاق بالسرية التامة لدى البعض خيفة القيل والقال ، وكأن في الأمر ما يدعو النعامة إلى إخفاء رأسها في الرمل ، عِلْما أن الطلاق حلال ولوْ كان أبغضَه .
حتى لا يوضع الطلاق في خانة واحدة ، يمكن تصنيفه وإنْ كان المآل واحداً. فلا ريب في أن انتهاء علاقة زوجية كانت قائمة على حب واحترام متبادلين ،هو فصل من فصول المأساة لا بابٌ من الملهاة ، حيث الذكريات بسرائها وضرائها ستظل طيفاً يلاحق الطرفين ، حينها تصبح المطلقة في غير حاجة إلى إعلان طلاقها على الملأ . أما الطلاق الذي يمكن وصفه بطوق النجاة من الغرق في الاضطهاد الذكوري هو الملهاة فيجوز للمطلقة، حينئذ ، أنْ تحتفل وأنْ تعلن ،على الأقل، لمحيطها البشري أنها تحررت من جحيم عايشته لسنوات ربما لا يحتمله جبل فيتصدع . عليها أن تشْرع في تغيير النظرة إليها كمطلقة .
إنْ كان كثيرنا ما انفك يستهجن ذلك ،فإن لحظة الانقلاب الكوبرنيكي أزفتْ ، أو لحظة التغيير هبت رياحها. ألا يصفق الجمْع ويبتهج إذا تم العثور على ناجية بين أنقاض زلزال ظلت حبيستها أياماً!! وتلِكم هي الزوجة التي عانت بين أنقاض علاقتها الزوجية لسنوات حتى نجت مطلقة ،فمرحى لنجاتها ، وهنيئا لها حياتها الجديدة وأيامها الوليدة.