تقول الحكاية:
كان للملك فيل ضخم , وكان الملك يحب فيله كثيراً , وكان الفيل , فيل الملك
يعيث فساداً في البلاد والعباد , وكان الشعب لايستطيع أن يتفوه بحرف واحد
,وزاد عبث الفيل بممتلكات الشعب حتى وصلت الأمور إلى حالة لا تطاق , يدوس
الأملاك والأولاد
وبسخريته المعهودة , في قلب الحقائق وعكس الحوار ينتقل بنا سعد الله ونوس إلى
المشهد الأخير حيث يتفق الناس على مقابلة الملك للشكوى إليه على ما يقوم به
فيله المسكين
الفيل يا ملك الزمان
سعد الله ونّوس
(الجزء الأخير)
-أمام قصر الملك:
(كل الناس يجتمعون أمام أبواب القصر الذي يشغل الجزء الأكبر من المسرح. انهم
ينتظرون
ويلغطون)
أصوات: تأخر الحارس
-لن يسمحوا لنا بدخول القصر.
-ولماذا لن يسمحوا لنا؟
( -صوت زكريا) من حق الرعية، ان ترى ملكها.
-حقها. من الذي يبالي بالحقوق!
-وان لم يسمحوا لنا بالدخول؟
-ماذا نفعل حينئذ؟
( -صوت زكريا) اطمئنوا. لا بد ان يأذن لنا الملك بالدخول عليه.
-وما الضرر في سماع حديثنا!
-يقولون عنه رقيق القلب
-رأيته في عيد التتويج يبتسم.
-كلنا نذكر ابتسامته.
-غير ان الحارس تأخر.
-اللهم جملها بالستر.
-قد يكون الملك مشغولاً.
-نحن رعيته.
-لمن نرفع ظلامتنا اذن؟
-لعلها تنتهي على خير.
( -صوت زكريا) لا تنسوا. اللهم ان نكون صوتا واحداً.
-كلمة واحدة.
-أرى الحارس!
-ها هو الحارس أخيراً.
-أي جواب يجمل؟
(يظهر الحارس على باب القصر)
الحارس) :باحتقار) أذن الملك لكم بالدخول.
أصوات: آه .. اذن لنا بالدخول.
-أمد الله في عمر الملك.
-آمين.
الحارس: (مقاطعاً الضجة، يزداد الاحتقار في وجهه) ولكن قبل أن تدخلوا نظفوا
أحذيتكم
جيداً، وانفضوا ثيابكم كيلا يهر منها قمل أو براغيث( يبدأ الناس لا شعوريا
بمسح أحذيتهم،
وتنفيض ثيابهم) وأهم من كل هذا أن تدخلوا بنظام وأدب. اياكم أن تلمسوا شيئاً.
وتذ ّ كروا انكم
لستم على مزابلكم بل في قصر الملك.
زكريا: لا تخف.. لا تخف.. سنكون عند حسن ظنك في النظام والأدب.
الحارس: اتبعوني اذن. ولا تحدثوا ضجيجاً.
4- أمام الملك
(يتقدم الحارس ووراءه الناس. يتلامح على وجوههم الخشوع والخوف والارتباك ،
وكلما
تقدموا داخل القصر ستزداد هذه الامارات وضوحاً وقوة. تنتشر بينهم همسات
مبحوحة
ومندهشة.
أصوات: أترى النوافير؟
-كالخيال.
-انظر إلى الرخام.
-يتلألأ بكل الألوان.
( -صوت زكريا) امشوا بهدوء ولا تجروا أحذيتكم جرا.
-الحراس قساة.
-ينتظرون اشارة وتسقط الاعناق.
-اننا ندخل القصر.
(يرتقون الدرجات المفضية إلى الباب الرئيسي. حارسان يقفان باستعداد على جانبي
الباب).
-سيظهر العرش بكل مهابته.
-ترتخي ركبتاي..
-هذا البهو.
-قلبي يدق.
-احذروا ان تلوثوا السجاد.
-الحيطان تلمع كالنهار.
-أين الملك؟
(يفتح الحارس بابا في صدر البهو يقف عليه أربعة حراس)
-ولكن باب حراسه.
-تشتد الحراسة من باب إلى باب.
-وجوههم من الصوان أو الفولاذ.
-بدأت أتعرق.
( -صوت الطفلة) أين يختبئ الملك؟
-هس...
-نمشي في نفق من الذهب..
( -صوت زكريا) اضبطوا أعصابكم.
-يزيغ البصر...
-أين يمضون بنا؟
-ما هذه التجربة المخيفة!
-أصبح الحراس في كل الزوايا.
-القتل عندهم أهون من التثاؤب.
-القصر كالمتاهة.
(يقف الحارس أمام باب آخر يحرسه عدد كبير من الجنود القساة.)
الحارس: (ملتفتا إلى الجماعة، وقد تزايدت رنة الاحتقار في صوته) الآن تدخلون
قاعة
العرش. الويل لكم ان بدر منكم شغب أو قلة أدب. للمثول أمام الملك أصول فلا
تنسوا ذلك.
زكريا: سنثبت أننا نحسن الوقوف بين يدي الملك أتسمعون؟ يجب أن نكون في غاية
الأدب.
ندخل في صفوف منتظمة، وننحني باحترام وخشوع، ثم بعدئذ نرفع للملك شكايتنا.
أصوات: سنرى الملك...
-رأسي يدور.
-قلبي يدق.
-قلبي يدق.
(يفتح حارسان مصراعي الباب الكبير)
الحارس: (ميمما وجهه إلى الداخل. لا يزال على الباب) عامة المدينة على الباب
يا ملك
الزمان.
الملك: (من الداخل) ليدخلوا.
الحارس: احنوا رؤوسكم وادخلوا.
(يتقدم زكريا، يتبعه الناس الذين بدا الذعر والاضطراب يشتتان نظراتهم،
وخطواتهم أيضاً.)
أصوات: (مبحوحة، وراعشة) - الملك وبيده الصولجان.
-ضوء كالشمس .
-لا ترفع رأسك.
-الحراس كالأشباح.
-في كل ركن وزاوية.
-العرش عال.
-والملك يتألق كالشهب.
-الملك...
(تتجمد الملامح. يتحول الخوف صمتا باردا. الجميع خافضوا الرؤوس، زكريا في
طليعتهم..
يجرون خطوات ثقيلة، ينحنون إلى أقصى حدود الانحناء، م لا يجرؤون على النهوض
بعدئذ.)
الملك: ماذا تريد الرعية من ملكها؟
(مت ثقيل. لا اختلاجة ولا حركة. مجموعة من الأجساد المقوسة اليابسة.)
الملك: أأذن لكم بالكلام. مم جئتم تشكون؟
زكريا: (متجرئاً ، صوته راجف) الفيل يا ملك الزمان.
الملك: ما خبر الفيل؟
صوت: (راعش من بين الجماعة) قت.. (ثم يختنق الصوت ، ويتلفت صاحبه حوله بذعر.)
زكريا: (يقوي صوته (الفيل يا ملك الزمان.
الملك: (متأففاً) وماله الفيل؟
صوت الطفلة: (خفيضاً )قتل ابن.. (تضع الأم يدها بهلع على فم الصغيرة وتجبرها
على
السكوت)
الملك: ماذا أسمع؟..
زكريا: (محرجا وغاضبا. يعلو صوته أكثر) الفيل يا ملك الزمان.
الملك :كاد صبري أن ينفذ. تلكم . ما خبر الفيل؟
زكريا: (يائساً، يتلفت نحو الناس المقوسي الظهور في انحناءة خوف) الفيل يا
ملك الزمان.
الملك: توقف عن هذا النواح.. الفيل يا ملك الزمان. أما أن تتكلم أو أأمر
بجلدك.
(يتفرس زكريا في الناس باحتقار ويأس. يتردد لحظات ثم يتغير وجهه، ويتقدم من
الملك.)
زكريا: (يمثل ما يقوله بخفة وبراعة) نحن نحب الفيل يا ملك الزمان. مثلكم نحبه
ونرعاه.
تبهجنا نزهاته في المدينة. وتسرنا رؤياه. تعودناه حتى أصبحنا لا نتصور الحياة
دونه. ولكن ..
لاحظنا أن الفيل دائما وحيد لا ينال حظه من الهناءة والسرور. الوحدة موحشة يا
ملك الزمان.
لذلك فكرنا ان نأتي نحن الرعية فنطالب بتزويج الفيل كي تخ ّ ف وحدته، وينجب
لنا عشرات
الافيال. مئات الافيال. آلاف الافيال. كي تمتلئ المدينة بالفيلة.
أصوات: _كالحشرجة) تزويج الفيل.
الملك: (مقهقهاً) أهذا ما جئتم تطلبونه؟
زكريا: لعل مولاي لا يرد لنا الرجاء.
الملك: (ملتفتا إلى وزرائه وحاشيته) أتسمعون! مطلب في غاية الطرافة. كنت أقول
دائما أني
محظوظ برعيتي. حنان ورقة في الشعور. رعيتي مليئة بالحنان. كلها حنان. طبعا
سننفذ
للشعب مطلبه. (يدق الصولجان) فرمانات ملكية. الفرمان الأول يأمر بالخروج إلى
بلاد الهند
للبحث عن فيلة يتزوجها الفيل. الفرمان الثاني يأمر بمكافأة هذا الرجل الجريء
وتعيينه مرافقاً
دائماً للفيل. الفرمان الثالث يأمر باقامة فرح عام ليلة العرس، تدق فيه
الطبول، وتوزع على
الشعب المآكل والمشروبات ويعم السرور والانشراح خمسة أيام بلياليها.
زكريا: أدام الله فضل الملك علينا.
أصوات: (كالحشرجة) أدام الله فضل الملك علينا.
الملك: (ضاحكا) مطلبكم أجيب. تستطيعون الانصراف.
(يتحركون بخطوات ذليلة منسحبين، وتخفت الاضواء فترة. بعد ذلك ينتفض الجميع.
يقفون
صفا أمام الجمهور، وقد نفضوا عن حركاتهم وهيئاتهم مظاهر التمثيل .. بعد
لحظات)
الجميع :هذه حكاية.
ممثل 5: ونحن ممثلون.
ممثل 3: مثلناها لكم لكي نتعلم معكم عبرتها.
ممثل 7: هل عرفتم الآن لماذا توجد الفيلة؟
ممثلة 3: هل عرفتم الآن لماذا تتكاثر الفيلة؟.
ممثل 5: لكن حياتنا ليست الا البداية.
ممثل 4: عندما تتكاثر الفيلة تبدأ حكاية أخرى.
الجميع: حكاية دموية عنيفة.
وفي سهرة أخرى سنمثل جميعا تلك الحكاية.
"ثم ينسحب الجميع"..