ويعجّ بالآلاف الذين جاؤوا من كل حدب وصوب للاستمتاع بمنظر البحر ومياهه الزرقاء وبالهواء العليل والفضاء الواسع والأفق البعيد، لكن كل ما سبق أصبح أثراً بعد عين، بعد القرار الخاطئ وغير المدروس منذ عشرات السنين والذي زرع المرفأ في واجهة المدينة، لتنفرط بعده مسبحة الإشغالات على يمين ويسار المرفأ للمؤسسات المختلفة والفنادق والمطاعم لترتفع الكتل الاسمنتية وتشكل حاجزاً ضخماً يغتال المزيد من الكيلومترات من الشاطئ الذي خُرب بطريقة لا يمكن تعويضها، ويحرم أهالي اللاذقية وزوارها من حقهم برؤية البحر ومتعة النظر للغروب وكيف يسرق البحر قرص الشمس بعد عناء لهيب يوم كامل.
وبقي حتى الأمس القريب الكورنيش الجنوبي الذي لا يتجاوز مئات الأمتار المتنفس الوحيد لأهالي اللاذقية وسائحيها، ورضوا بالواقع من مبدأ الكحل أفضل من العمى، وأن هذه الفسحة الصغيرة لا يمكن أن ترضي فضولهم في رؤية البحر والتعويض ولو عن جزء صغير جداً عما فقدوه.
لكن على ما يبدو أنه حتى هذا الكحل ضاق بعيون الجهات المسؤولة في المدينة ووزارة السياحة والمستثمرين، وفضلوا العمى على الكحل ليزرعوا هذا الجزء بالاستثمارات السياحية والمزيد من الحواجز الإسمنتية تحت الكورنيش، وليس المقصود في كلامنا أننا ضد الاستثمارات السياحية بل على العكس، لكن يجب أن تكون هذه الاستثمارات بالجهة المقابلة للكورنيش، بحيث يبقى الشاطئ حراً والمحافظة على لوحة التشكيلات الصخرية التي نحتت عبر آلاف السنين من الأمواج المتلاطمة، ففي أغلب دول العالم يتم بناء منشآت الخدمات السياحية في الجهة المقابلة للكورنيش ويتم الوصول إلى الشاطئ والرمال ومياه البحر عبر ممرات تحت طريق الكورنيش ودون مقابل، فقط الدفع يتم للخدمات التي تقدم للزائر، لكن الاستثمارات الحالية ستؤدي إلى إغلاق الشاطئ أمام الناس لتصبح المتعة فقط لأصحاب الأموال.
ويبدو أن الأنظار تتوجه الآن إلى شاطئ جبلة، وكيلا يسبق السيف العذل، نتمنى من الجهات المسؤولة أن يقتصر الاستثمار على المناطق في الجهة المقابلة للكورنيش بحيث لا يتم تخريب الشاطئ الفريد الذي تغنّى به كل من زار هذه المدينة.