لن أتآلف مع نظام السير هذا ,المقود على اليمين والسير على اليسار ..و عند كل دوار أو مفرق أحسب أن السائق قد أخطأ المسار .
في الطريق إلى ترودوس الجبال الشهيرة هنا المنظر مألوف ,فالصنوبر والكينا وطبيعة المكان تذكرك بالفرنلق وبالجبال الساحلية عموما .
هنا أوصى الأسقف مكاريوس أن يدفن في أعلى نقطة في قبرص كي يراها من أقصى شمالها إلى أقصى الجنوب كما أحبها موحدة . ويظل تقسيم الجزيرة جرحا في قلب كل قبرصي.
حتى العاصمة نيقوسيا قسمت ,وتستطيع أن ترى في قلبها لافتة تذكرك بأنها آخر عاصمة مقسمة في العالم.
وتتذكر القدس ,وما تفعله الصراعات الكبرى في الأوطان الصغيرة.
في ترودوس قرى لا زالت تحتفظ بتراثها وأبنيتها الخشبية ومنتوجاتها المحلية وخاصة العسل والمربيات والمنحوتات والمطرزات .
إلا أن الأسعار (بالنسبة لنا) مرتفعة..فمثلا ربطة الخبز ب 2.5 جنيه أي ما يعادل 250 ليرة سورية وكذلك باكيت الدخان .ومع ذلك لا يحس الناس هنا بهذا الإرتفاع فالأجور مرتفعة أيضاوهي متلائمة مع ارتفاع الأسعار.
تلفتك كثرة المطاعم والبلاجات والمقاهي ..ففي كل زاوية وشارع وشاطىء وجبل هناك مطعم أو استراحة أو مقهى..وباستطاعتك تناول الأكل الصيني والغربي واللاتيني والعربي ,ففي ليماسول تتجاور هذة المطاعم حتى تظن أن أمم الأرض قد ارسلت ممثلين لها إلى هنا.
والناس هنا لا يتكلفون بلباسهم ..فالصبايا ماقل ودل..والشباب فألبسة السبورات ,وتبحث عن أهل البلد وعن ملامحهم ولا تكاد تعثر عليهم في وسط هذا الخليط الأممي.
أنى مررت لا تجد شرطي مرور واحد ومع ذلك فالسير منتظم والإختناقات قليلة ,الجميع يحافظ على النظام ,إن مفهوم الأخلاق ذي السقف المرتفع عندنا والذي ارتفع لمستوى أصبح من المستحيل بلوغه (وربما لذلك هو مرتفع) ,حيث تجدشخصا من أشد المتحمسين والمتكلمين بالشرف والإيمان والحق والعدل وينظر عليك بكل ذلك بل ويكفرك ويمنحك المغفرة,وهو غير قادر على الإلتزام بإشارة المرور أو المحافظة على شجرة أمام منزله أو عدم إلقاء القمامة في الشارع .
هذا المفهوم هنا له شكل مختلف ,ايا تكن ومهما تكن أفكارك,لا يهمنا ذلك, التزم بأنظمة السير وبنظافة المكان ولا تزعج الآخرين وادفع ما يترتب عليك لن تجد أحدا يقلق راحتك ويتدخل بأمورك الشخصية.
تتنفس الحرية هنا ,وتجبرك الحرية على أن تلتزم وهذة هي فلسفة حياتهم.
أيتها الجزيرة التي تشير بإصبعها دوما نحو الشرق وروحها تهفو باستمرار نحو الغرب ,والملأى بأجهزة المخابرات العالمية وبمراكز التنصت ,التي تستقبل سواحا أضعاف أضعاف عدد سكانها يبحثون عن الشمس وعن سحر الشرق ,القادرة على منح كل هذا الهدوء والصخب والحرية..
يا جارتنا الجميلة..سلاما ..سلاما.