انه الرديف المدمج للاحتلال،فحتى يزول الحصار لابد من زوال الاحتلال، وان كان الحصار مجرد طعام وشراب وملبس ومستلزمات بناء مع بقاء الاحتلال فهذا أسوء تعريف والتفاف غبي على الملامسة الحقيقية لجوهر المصيبة الصهيونية، ليهب العالم بعجره وبجره وكل له أهدافه ومصالحه ليغرد مع سرب فك الحصار، فسواء كان حصار بمنع دواء أو منع طعام أو منع مستلزمات بناء، فان جذر الحقيقة تتمثل في الاحتلال، وقد برع هذا الاحتلال في اصطناع قضايا فرعية تُشغل الجميع عن جذر وأُس المشكلة الحقيقية، وخلال هذه المشاغلة بالحصار وصراخ التجويع، فإنهم يقومون بأعمال اشد قسوة مليون مرة من الحصار، إنهم يستكملون تهويد القدس والأغوار، إنهم يقومون بطرد وتهجير وتفريغ القدس من سكانها الأصليين، بل إن الانقسام اشد ضراوة وضررا من الحصار، إننا نحاصر أنفسنا قبل أن يحاصرنا من نتوقع منهم اشد إجراما من الحصار، إن قتل طفل فلسطيني أو اغتيال فدائي أهم ألف مرة من مجرد منع بعض أصناف الطعام من الدخول إلى قطاع غزة، إن الاحتلال يدفع صوب مزيد من الاحطاب لفوهة فرن مشكلة الحصار، فننشغل بأصناف الطعام وبعض من مستلزمات البناء عن مايقوم به الاحتلال في الاتجاه المعاكس من إطلاق يد المستوطنين للاستيلاء على الأراضي وتجريف أشجار الزيتون وحرق كل الغلال.
ومع آخر تقليعة من الجرائم الصهيونية في ظل تغذية بقاء واستمرار الانقسام الفلسطيني والتشرذم العربي والغياب الإسلامي، يشجع الصهاينة بقاء مسالة الحصار كأهم أولويات الشعب الفلسطيني ، وعندما يُحشر الكيان الإسرائيلي في الزاوية جراء التباكي الدولي والعربي على جريمة تجويع الشعب الفلسطيني، فان الصهاينة يتحدون العالم المتباكي كي يزورون غزة ليشاهدوا بأم أعينهم كيف تعج الأسواق المتضخمة بعروض شتى أصناف الطعام والفواكه والأجهزة الكهربائية والالكترونية التي أصبحت تباع على بسطات الشوارع المتحركة، انه الخداع الصهيوني المعهود يلازمه الغباء العربي والفلسطيني الذي ينجذب إلى الشرك كما الفراشة إلى مصابيح النور، إنها لعبة الحصار ويتبارى المتبارون ويتنافس المتنافسون في إغراق غزة بالمساعدات من طعام وشراب ودواء، ورغم حاجة غزة والضفة وكل شبر في فلسطين إلى هذه المساعدات لشعب يذود بروحه عن حياض الكرامة العربية.
وحتى يكون معلوما للجميع أننا نعتز ونفتخر بالمد الجماهيري الغير رسمي لبعدنا العربي والإسلامي، ونثمن لهم غضبهم وهبتهم لإغاثة أهلهم في فلسطين وحماة حلمهم العربي الإسلامي، لكن ما لايمكن فهمه من شدة فهم خلفياته التخاذلية من الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية، وسط معاناة الحصار بل الاحتلال بل الانقسام يسود الصمت إلا من بعض التصريحات الحذرة الخجولة التي لا تسمن ولا تغني من جوع حرية وليس طعام وملبس، بان تلك الأنظمة عندما يقوم مواطنيها بركوب البحر عبر سفن كسر الحصار تجدهم ينفضون أيديهم من مسئولية إرسال هؤلاء النشامى الذين تحركهم كرامتهم أو أشياء أخرى، وتعلم تلك الأنظمة الرسمية والتي ترسل السفن حاملة اسم هذه الدولة أو تلك ؛ أن الاحتلال الإسرائيلي سوف يقمع ويقتل ويعتقل مواطنيهم؛ وماذا أكثر ما نتوقع منهم حينها سوى استثمار للمصائب ببطولة مواطنيهم وإعلاء اسم دولهم على أنها دول مواجهة زائفة، لان إراقة دماء أو اعتقال هؤلاء المواطنين لا يتطلب تبرؤ من مسئولية إرسالهم، ومجرد الاحتجاج لدى الأمم المتحدة فاقدة الصلاحية، بل كسر الحصار وإنهاء الاحتلال الحقيقي يتطلب من تلك الأنظمة العربية والإسلامية والإقليمية، حماية مواطنيهم في ظل معرفة أكيدة بان الإجرام الصهيوني سيطالهم لا محالة، ومجرد التغني بدمائهم وصمة عار بحد ذاته على تلك الأنظمة، بل يتطلب الأمر حتى نتفادى حصار السفن التي جاءت لتكسر الحصار فيتكسر رؤوس وأضلع هؤلاء المواطنين الأحرار، يتطلب إما عدم زجهم إلى الجحيم وتركهم ليلقوا حتفهم وقمعهم على أيدي الصهاينة النازيون، أو الصحيح الذي لايصح سواه، إرسال قوة عسكرية تحمي هؤلاء الأحرار، أو يكون هناك مصداقية وليس شعار في تهديد الكيان الإسرائيلي فيما لو تم المس بأرواح وحرية مواطنيهم، ولا أقول ما سيضحك الجميع بان الاحتلال أصل الحصار والقتل والدمار يحتاج سفن حربية تحمل الصواريخ وإعلام العزة والكرامة العربية والإسلامية المستباحة كي ينتهي الاحتلال وينتهي الحصار.
وليتنا نشهد هبة عربية وإسلامية وإقليمية لمناشدة الفرقاء الفلسطينيون بإنهاء كارثة الانقسام، مطية الاحتلال القوية والهامة لتنفيذ مخططاته البشعة من تهويد واستيطان وتفرد ولعب على التناقضات الفلسطينية والعربية والإقليمية، والتي منها من يسعى لإنهاء الانقسام الفلسطيني ومنها البعض الآخر الذي يستميت ويدفع بسخاء لاستمرار وتكريس الانقسام الفلسطيني الذي لامصلحة لفلسطين به إطلاقا، بل المصلحة للكيان الإسرائيلي ولمن يستخدم الدماء والمصير الفلسطيني بشكل عبثي كورقة لتحقيق أعلى نسبة فائدة على أجندة مصالحه، إنهاء الانقسام أهم مليون مرة من توفير الطعام والملبس الذي لاينقصنا، ضحايا الانقسام على مستوى الأرواح والحريات والقمع وضياع القضية وتدمير الوطن أقسى مليون مرة من ضحايا مواجهة الاحتلال البغيض؛ الذي دون كلل ولا ملل نواجهه بضراوة منذ ستون عاما بإصرار على انتزاع حقوقنا الدينية والتاريخية والسياسية في فلسطين، لكن الانقسام دمر أواصر وحدة الخندق ، ودمر ركائز المواجهة ليحافظ كل على كرسيه وسلطته ونفوذه ومنافعه، ويغرق شعبنا الذي لايموت جوعا ولا يقهر من قلة الكساء، بل شبح الإحباط والحقد تدمره وتشكل أرضية خصبة للاحتلال لمزيد من التهويد والاستيطان وتصفية القضية الفلسطينية، فالحصار لعبة وصنيعة الاحتلال، ويبدو أن البعض أراد أن تكون لعبة الحصار مطية لأهدافه الحزبية وتكريس أبدية حكمه بل تحكمه في مصير هذا الشعب صوب الانهيار الشامل بشمولية القوانين الحزبية التفردية الدكتاتورية ومن بعده الطوفان، ولا أهمية لخيارات الشعب وحقه في استعادة سلطته ليهبها دائما وبتجدد لمن يريد، ولا يعلم هذا أو ذاك أن صاحب لعبة الحصار المتربص بالجميع يدفع السفينة بكاملها إلى الغرق، ولن يقدم حينها أي قارب نجاة لا لمن يتهاون في تسويات سياسية ولا لمن يتهاون في شطب المقاومة باستثناء الشعار، وفي المحصلة نقول لشعوبنا العربية والإسلامية أن الأوطان تُقسم في فلسطين والسودان والعراق ولبنان وأفغانستان والحبل على الجرار، فليس قضيتنا حاجة لطعام أو ملبس وإلا لكانت كثير من شعوبنا العربية والإسلامية أحق من شعبنا بهذا الطعام والكساء، بل شعوبنا العربية والإسلامية ومنها الشعب الفلسطيني قاطبة، بحاجة إلى فك حصار الوحدة فك الحصار عن الإرادة العربية والإسلامية المحاصرة، فك الحصار عن إرادة الشعوب في اختيار ممثليها لكي يواجهوا تراكم التحديات التي هي أصل كل أنواع الحصار وفي مقدمتها فلسطين.