لا أدري لماذا تناولت قلمي وبدأت أكتب عن الراحل الكاتب الساخر والصحفي الأردني الفلسطيني الأصل محمد طمليه..قبل قرابة العامين غيبه الموت بعد صراع طويل مع مرض السرطان اللعين, هذا المرض الفتاك لم يتمكن من إسقاط قلمه من يده حتى أيامه الأخيرة..يقول محمد"أصابني الخبيث في اللسان, هل هي مصادفة أم ترجمة ميدانية لردود فعل كانت تأتيني على شكل تهديد "أنا اللي راح أقص لسانه".."أنا أقوى وأتميز بإصابة سرطانية في موقع يرفع الرأس..اللسان أيها الصديق..أنت ألا تخجل من تقاريرك الطبية التي تقول أن السرطان أصابك في (...)؟..وتتجلى سخرية طمليه من مرض السرطان حين كتب يقول: "السرطان مجرد سكرتير مجتهد قمت بتعيينه في جسدي لتذكيري كل صباح بواجبي إزاء مشروعي الأدبي الذي يعرف كثيرون أنني أفكر فيه منذ أيام الجامعة:رواية تضعني في الصف الأول عالميا".
قال الشاعر الكبير أحمد مطر:"إذا ما عُدّتِ الأعمارُ بالنُّعمى وباليسرِ, فعمري ليس من عمري, لأني شاعرُ حر, وفي أوطاننا يمتد عمر الشاعر الحر إلى أقصاه, بين الرحم والقبر على بيتٍ من الشعرِ"..وهكذا اختصر طمليه كل حضوره بغيابه وغيابه بحضوره, ولكنه هو الغائب الحاضر.
قال شاعر القضية الفلسطينية ومقاومتها الراحل محمود درويش:"قل للغياب نقصتني وأنا حضرت لأكملك"..درويش بمقولته هذه تناصف الرغيف مع طمليه, ومضيا معا إلى مكان ما..مكان بإمكانهما القول فيه وبإصرار"أنت منذ الآن أنت".
من أشهر كتابات طميله"المتحمسون الأوغاد"..كثيرون هم الأوغاد يا رفيقنا ولكنهم غير متحمسين, وان تحمسوا فتراهم كخفافيش الليل, ضالين مضللين, ظلاميين إلى أبعد الحدود..يفتكون بمجتمعاتنا بعهرهم وذلهم ليعيدوننا إلى عصور ما قبل الجاهلية..يريدون أن نستمع إليهم وهم صم بكم لا يفقهون.
لن نقبل أبدا أن يزايد علينا الظلاميون المتخلفون في تمسكنا بعاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا, ولن نقبل أن يقوموا بفرض أفكار مستوردة باسم الدين, أفكار أبادت دولا ومجتمعات وحطمتها وكان نتاجها الوحيد والأوحد هو التخلف..ومن هنا يتوجب علينا جميعا أن نقف وقفة واحدة في وجه رموز الفكر الظلامي.
سوف لا يثير الغرابة لو سمعنا أن أوامر يصدرها هؤلاء الظلاميون بعدم خلط البندورة مع الخيار لأن الشيطان سيكون ثالثهما ، ففي شريعتهم لا يجوز اختلاط المذكر مع المؤنث ، ولله في خلقه شؤون.
رفيقنا الغالي محمد طمليه, رحلت تاركا وراءك الكثيرين ممن يدعمون الرداءة في زمن كله رداءة, وهنا أستذكر قصيدة الشاعر الانجليزي الشهير إليوت الأرض اليباب وذلك المقطع الذي يقول فيه:"نحن البشر الجوف, يسند بعضنا بعضاً, رؤوسنا محشوة بالقش..واحسرتاه".
قالت الشجرة لفأس الحطاب وهو يقطعها:"آه، فإن عصاتك مني".. بئس الزمن الذي يضطرنا إلى النزول إلى مستوى لا يليق إلا بأصحابه.
الآن أدركت لماذا كتبت في طمليه, لأنه كان إنسانا رائعا بسيطا أحب الحياة والناس أجمعين ونبذ التخلف والمتخلفين والرجعية الرجعيين, الذين وأينما حلوا يعيثون في الأرض فسادا وتزمتا وانغلاقا واستهتارا بقيم الجمال والأخلاق, وتنكرا لحقوق الإنسان, واضطهادا للمرأة والإنسان بشكل عام.. فوداعا طمليه وداعا.
-القدس المحتلة