آخر الأخبار

أموي الهوى والهوية

ليست طائفية ولن تكون أية حروب أهلية في سوريا، فبلاد الشام مشهورة باعتدال مناخها وطباع أهلها وبالتالي فإنّ إسلامها معتدل بالقياس إلى إسلام أهل الجزيرة العربية وبلاد مصر والسودان.. فالإسلام في سورية اجتماعي أكثر منه إسلام أيديولوجي، ولم يسبق أن نشبت حروب طائفية في سورية عبر تاريخها، حتى عندما كان السوريون أقل ثقافة واختلاطاً ببعضهم منهم اليوم.. فالصراع حقيقة هو بين فقراء الطوائف وأغنياءها، بين لصوصها وشرفاءها.. أما المجيشون والمحرضون فهم أذناب الطوائف وليس رؤوسها، ولن يفلحوا في إشعالها لأن الرأس وليس الذيل هو من يقود الجسد.. أما عن طائفية السلطة فهذه نكتة صنعها أعداؤها الإخونجيون لنفي الشبهة عن أنفسهم ، وهي، أي السلطة، على الرغم من بطشها وكثرة أخطائها، ليست في وارد المراهنة على الأقليات فيما الأكثرية إلى جانبها، لأن هذا اسمه حمرنة سياسية لا يرتكبها سوى الزعامات اللبنانية التي حولت حياتهم إلى ما يمكن تسميته بالديمقراطية الطائفية التي مزقت وحدتهم الوطنية تحت راية الحرية، كما يفعل بعضنا اليوم في سوريا...
فدمشق، منذ أيام معاوية إلى اليوم، أموية الهوى عروبية التوجه، وقد أدرك ذلك كل حكامها الذين مروا عليها فنشروا أشرعتهم باتجاه هواها على مختلف مشاربهم وقومياتهم ومذاهبهم، وكانت غرفة تجارة دمشق وما زالت هي الضامن الأزلي للتوجه الأموي، وهذا هو سر دمشق الذي لم يستطع أحد فك طلاسمه بما فيهم اليهود الذين استكملوا سيطرتهم على العالم وعجزوا عن دمشق..
ورأيي فيما تقدم بنيته على بحث لي اشتغلت عليه عاماً كاملا مع مجموعة من الباحثين والمؤرخين قبل عشرة سنين تحت عنوان «الأصوليات المتطرفة في الشرق الأوسط: الإسلامية ـ اليهودية ـ المسيحية» وذلك ضمن مشروع سيناريو وثائقي مدته 15 ساعة الهدف منه عرض المشهد الأصولي المتطرف في المنطقة والذي يرصد عنف الجماعات الأصولية ضد مجتمعاتها، بدءاً بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا وحتى ظهور الظواهري في مصر. بينما يرصد الملف الثاني عنف التيارات اليهودية الأصولية في إسرائيل، والملف الثالث يسجل عنف الإخوان في سوريا، ثم هناك ملف الجماعات الإسلامية المتطرفة في الجزائر، فملف الأصوليات المسيحية المتطرفة في لبنان.. وكان الغرض من هذا البرنامج (الذي تعاونت فيه مع د. الياس شوفاني والأستاذ جمال باروت في ملفي إسرائيل وسوريا) وضع صورة متكاملة أمام المشاهد بغية إطلاعه على بنية العقل الأصولي المشتركة بين متطرفي الأديان السماوية.. وللأسف فإن كل المحطات التي عرضت عليها البرنامج آنذاك اقترحت إنتاج الفصول التي تناسب سياستها، بدءاً ب "العربية" التي التقيت صاحبها الأمير وليد ابراهيم بدمشق قبل إطلاقها بأسبوع وتحمس للمشروع في البداية قبل أن يعطل مستشاروا المحطة الاتفاق، وانتهاء بالمحطات اللبنانية.. وقد اعتذرت عن بيع السيناريو منفصلاً، وبالتالي لم يفد منه أحد سوى صاحبنا الروائي خالد خليفة الذي استعار مخطوط المادة التاريخية للاستعانة بها في أحد رواياته عن الإخوان في سوريا «مديح الكراهية» ثم قال لي أنه أضاع المخطوط أثناء نقل عفش بيته..
أخيراً أقول أنه من حق كل قومية وطائفة وعائلة سورية أن تزدهي بما حققته من تسامح مع المجموعات الأخرى، في التعاون والتزاوج والتجاور.. فحياتنا اليوم هي مجموع إنجازات الطوائف والقوميات في بلدنا. فأنت سوري بقدر احترامك وتقبلك لبقية العشرين مليون نفر خلقهم نفس الرب الذي جبلك، وأنبتتهم نفس الأرض التي أنضجتك، وهم يشكلون خزان الطاقة السوري الذي يدفعنا نحو المستقبل، في الوقت الذي يعمل فيه الأذناب على إشعال هذا الخزان دون جدوى.. ستبقى سوريا صامدة وسنعمل على تجليسها كما ينبغي بإذن رب الطوائف والبشر والبقر..

مقدمات ونتائج: من يرفض الحوار لا يريد الوصول إلى السلام وبالتالي فإنه يمهد للحرائق.. وإذا لم ينجح الحوار الوطني فسوف نسمع قرع طبول الحرب من كل صوب وحدب، بين مؤيدي الدولة وبين المتمردين عليها: إنه خصام سياسي، وهو أسوا أنواع الخصومة لأنه يفرق بين الأهل والأصدقاء ويجمع بين الأعداء والفرقاء، يمزق الأمة ويفتح أبواب الدولة أمام الأعداء و الطامعين، فأبشروا بخراب وانقسام اجتماعي ليس له مثيل منذ حروب الردة التي قادها الخليفة أبو بكر الصديق ضد المرتدين وازدهر أيامها شعر المديح والهجاء كما يفعل الفيسبوكيين اليوم .. ولا حول ولا قوة إلا بالعقل الذي سخره لنا الرب للحكمة والهداية وليس للفتنة والغواية..

بيتنا: لن أحتج على ذهاب السفير الأمريكي علناً إلى حيث يستطيع جواسيسه الوصول سراً، وإنما سؤالي ماذا يفعل الملحق العسكري الأمريكي في حماة، وهل سيضع خططا عسكرية لتكون "بنغازي سورية" ، وكيف ضمن سلامة رقبته وقفا معلمه هناك لولا أنه ينسق مع تنسيقيات الثورة الحموية ؟ هذا هو الخبر السيء أما الخبر الجيد فهو أنه لا يوجد سفير إسرائيلي في دمشق لكي يتقاسم الأعمال مع أخويه السفيرين الساميين .. ويا أعزائي، عندما تدعم دول الأعداء المتمردين فهذا يزيل الشك وينزع الحجاب عن باصرة العميان بما يحاك للمبصرين..

(الجمل)