الجزء رقم 3
فالتحرك القطري نحو اليونان والمناكفة التركية له حفزا شهية إسرائيل فقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة اليونان في 16 آب 2010 في أول زيارة لرئيس حكومة إسرائيلي الى ذلك البلد، ونتنياهو اول رئيس وزراء إسرائيلي يزور اليونان التي تعرف تقليديا بمواقفها الموالية للعرب ولم تعترف بدولة إسرائيل سوى في عام 1991، وهي ليس ردا على زيارة باباندريو الذي زار إسرائيل والأراضي الفلسطينية في تموز/يوليو من نفس العام، بل هي خطوة إستراتيجية من جانب إسرائيل لإرسال رسالة قوية الى أطراف تركية تشددت في الفترة الأخيرة ضد إسرائيل، ولكن الأهم هو البحث عن تامين خطوط أمداد أمينة للثروات و للغاز المكتشف قرب الشواطىء الإسرائيلية يقود الى تأمين أسواق جديدة للثروات الإسرائيلية، فوجدت إسرائيل في اليونان الفرصة الذهبية ،ولكن كل هذا يحتاج الى شبكة حماية " عسكرية وأستخبارية وأمنية وتكنلوجية" من وجهة النظر الأسرائيلية، وهذا ما أتفق عليه نتنياهو مع اليونانيين ، فلقد أشارت القناة السابعة للتلفزيون الإسرائيلي بتاريخ 17 آب 2010 " لقد بحث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توطيد التعاون المشترك وإنتاج خطط عمل مشتركة في المجالات الأمنية , الإقتصادية والسياحية ، كذلك تطوير إمكانيات التعاون المشترك وفي الإطار الإقتصادي : تم البحث في إمكانيات تعزيز التوظيفات المالية والتعاون المشترك في التكنولوجيا البحرية، وإنتاج الطاقة المتجددة، وفي التجارة : أفيد أيضا من البعثة الإقتصادية لوزراء المقاولات ,سيصل ممثلي القطاع المهني في إسرائيل إلى أثينا من أجل تطوير الجهود الإقتصادية ، بالإضافة إلى ذلك تعزيز إمكانيات تنظيم السياحة المشتركة في المدينتين اللتان تعتبران من أبناء الثقافة الغربية , القدس و أثينا بهدف إستمرار توافد مئات الآلاف من السياح إلى الدولة" وفي 26 حزيران 2011 "اعلن الجيش الإسرائيلي إن اليونان وإسرائيل بدأتا مناورات عسكرية مشتركة،وقال بيان إسرائيلي عسكري أن المناورات تتضمن تدريبات على إقلاع الطائرات وهبوطها في مناطق جبلية تحت ظروف جوية مختلفة" ولكن تبقى الرسالة هي لتركيا من الناحية السياسية والأقتصادية والى إيران من الناحية العسكرية ،فلقد ذكرت صحيفة ها آرتس الإسرائيلية بتاريخ 28 نوفمبر 2010 أن هناك بلورة لحلف استخباري جديد بين اسرائيل و اليونان وبلغاريا ضد تركيا، و تسخين العلاقات كان أيضا مع قبرص، رومانيا، الصرب، مونتينغرو، مكدونيا وكرواتيا وهذه الدول تشارك اسرائيل في قلقها من التطرف في تركيا، ومن تسلل الجهاد العالم، وهي تشخص امكانيات للتعاون الامني، الاقتصادي والتكنولوجي معه، وقالت الصحيفة في حينها: قبل شهر نشرت في بلغاريا صورة استثنائية جدا لرئيس وزراء بلغاريا، بويكو بوريسوف، مع شخص ليس سوى رئيس الموساد مئير دغان.، وفي البيان البلغاري جاء ان الاثنين «اعربا عن الرضى من التعاون والعمليات المشتركة الناجحة لجهازي الامن البلغاري والاسرائيلي" وكل هذا كان بمثابة تمهيد الى أنشاء طوق أمني حول تركيا، وأنشاء شبكة أسواق تقوض الدور التركي، وإيجاد مناطق أمنة لمرور خطوط الغاز المسال من إسرائيل نحو أوربا وبمشاركة قطرية.
تركيا لعبت على عواطف العرب .. وأن معركتها مع إسرائيل تكتيكية!
ـ وعندما نقول أن الخلاف مع أطراف تركية وليس مع جميع الأطراف في تركيا، نقصد أن التعاون الأمني والعسكري والحركاتي بين إسرائيل وتركيا لم ينقطع ـ بل أن ماحصل هو خلافات سياسية وتكتيكية أستفاد منها الجانب التركي لتسويق نفسه عربيا وإسلاميا ومن خلال ملف " غزة" والقضية الفلسطينية ،فنجحت تركيا من وراء ذلك بعقد أتفاقيات دبلوماسية و أستراتيجية وأقتصادية وتجارية وسياحية عملاقة مع دول عربية وإسلامية، راهنت عليها تركيا لتكون طريق آمن للتدخل الإستخباري والثقافي في تلك الدول يمهد الى التدخل السياسي والأقتصادي التركي في هذه الدول وصولا لتخوم إيران وإسرائيل ونحو منابع الطاقة، وهذا ما شاهدناه بعد ثورة الياسمين في تونس، ولقد أكد مستشار الرئيس التركي ارشاد هرمزلو للأذاعة الإسرائيلية بتاريخ التاسع من ديسمبر 2010 "ان الاتصالات بين اسرائيل وتركيا مستمرة "وفي 22 يونيو 2010 قالت الأذاعة الإسرائيلية " وصل وفد عسكري تركي اليوم الى اسرائيل لاجراء الاختبارات النهائية لتسلم اربع طائرات تجسس اسرائيلية بدون طيار وهي الحصة المتبقية من صفقة عسكرية بين تركيا واسرائيل ، واشارت الى ان الجيش التركي تسلم حتى الآن من الصناعات العسكرية الاسرائيلية ست طائرات " وبتاريخ 13 آذار 2011 قالت أذاعة إسرائيل : أعلن مكتب الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز أن الحكومة التركية وجهت دعوة له لزيارة أنقرة، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مكتب بيريز قوله إن الدعوة وردته قبل شهر، ولكن لم يتخذ أى قرار بعد بشأن تلبيتها ، وكذلك نعيد ما نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية بتاريخ 5 يوليو 2011 وتحت عنوان " تركيا واحدة من اكبر زبائن اسرائيل في مجال شراء الاسلحة" وعندما قالت في تقريرها : انه وحتى العام 2009 أصبحت تركيا واحدة من اكبر زبائن اسرائيل في مجال شراء الاسلحة، وابتاعت في العام الماضي 2010 طائرات دون طيار وكذلك دبابات اسرائيلية متطورة، وطائرات حربية تركية قديمة من طراز"فانتوم 4" وزودتها بقذائف صاروخية بعيدة المدى اضافة الى أنظمة دفاعية متقدمة، لا بل أكدت الصحيفة وعلى لسان وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك وبشهادة خطيرة على الأزدواجية التركية" ان باراك يرى ان تركيا ساعدت اسرائيل في منع انطلاق قافلة "اسطول الحرية 2" من موانئها نحو قطاع غزة" وقالت الصحيفة أيضا : تركيا تعنيها وتعمل على الحصول على انظمة عسكرية اسرئيلية مختلفة بما يشمل انظمة الحرب الالكترونية ،وكذلك الصواريخ المضادة للدبابات و صواريخ "سبايك" التي تنتجها الصناعات الجوية الاسرائيلية.
ألم تكن هذه السياسة أزدواجية وبحرفية عالية من جانب القيادة التركية التي تلعب على عواطف الفلسطينيين والعرب والمسلمين؟ ،علما أننا أعطينا هذه الأدلة البسيطة من أدلة كثيرة لسنا بصددها،، ولكن هذا لم يمهد لأعتذار بسيط جدا من إسرائيل، وهو الذي يلهث ورائه رجب أردوغان ومنذ أشهر طويلة ليعلن نفسه صلاح الدين الجديد لكي يباشر بإبتزاز العرب والمسلمين، وأن إسرائيل تعرف ذلك، وبدلا من الأعتذار راحت لتنفتح على اليونان والبلقان، لا بل بعثت اسرائيل بالدبلوماسي الكبير والخبير "آريه مكيل" كسفير في اثينا ، فسارعت تركيا نحو الصين وإيران للإيحاء بأنها تبلور تحالف ثلاثي هي الأخرى ردا على تحالف إسرائيل مع اليونان ودول البلقان وردا على تنسيق إسرائيل مع دولة قطر لإنعاش الأقتصاد اليوناني، وهذا ما أكدته صحيفة هاآرتس العبرية بتاريخ 8 أكتوبر 2010 عندما قالت "ان العلاقات الامنية بين تركيا والصين وإيران تم التعبير عنها من خلال مناورة جوية مشتركة جرت الاسبوع الماضي وشاركت فيها مقاتلات صينية وتركية ، ونبهت الصحيفة الى انه وحتى العام 2008 كانت اسرائيل تمثل الشريك المركزي لتركيا في المناورات الجوية الدولية، مشيرة الى -- انه في العام 2001 افتتح سلاح الجو التركي قاعدة للمناورات التكتيكية المشتركة مع الطائرات القتالية بمشاركة إسرائيل والولايات المتحدة ــ وقالت الصحيفة: أن المناورات التركية الصينية جرت بسرية تامة، وهو الامر غير المعتاد، غير انه وبعد تسرب الانباء عنها نشرت انباء بشكل مقتضب في الصحافة التركية، وأن المقاتلات الصينية توجهت الى تركيا عن طريق باكستان وايران، وأن ،الادارة الاميركية بعثت برسالة احتجاج الى الحكومة التركية بشأن هذه المناورات ، لا بل راح الطرف السياسي التركي المتخاصم مع إسرائيل ليمارس ضغطا لتعيين رئيس جديد لاجهزة المخابرات التركية وهو " حقان فيدان" الذي وصفه وزير الحرب الإسرائيلي إيهود بارك ب"نصير ايران" في خطاب بثته اذاعة الجيش الاسرائيلي، وترأس فيدان من قبل الوكالة التركية للتعاون والتنمية ،وشغل منصب وكيل الشؤون الخارجية لدى رئيس الوزراء، ومثل تركيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فحاولت تركيا من وراء هذا التعيين تخويف إسرائيل لتنتزع منها أعتذارا أو ترطيبا، فتركيا لا تحبذ التحالف مع إيران ،ولكنها تستخدم إيران أحيانا لإبتزاز إسرائيل والولايات المتحدة والغرب، وأن إيران تعلم بهذا ولكنها هي الأخرى تستفيد من ذلك.
التحالف الأقتصادي المقدس بين إسرائيل وقطر يستفز الفرنسيين ويزيد من قوة السوريين!
فلدى إسرائيل حلف غير معلن مع دولة قطر ولكنه يمر بسوريا، وهدفه ومثلما أسلفنا البعد الإستراتيجي والعملياتي لمياه البحر الأبيض المتوسط ، ومثلما أكدنا أعلاه حيث هناك الثروات الهائلة و المكتشفة في المياه الإقليمية قرب لبنان وفلسطين المحتلة/ أسرائيل، وقد تصل تلك الثروات الى المياه الإقليمية السورية، وأنه فضاء بحري و إستراتيجي مهم للغاية، ويمتد من اليونان وقبرص حتى فلسطين المحتلة مرورا بلبنان وسوريا ونزولا نحو العراق فالخليج صعودا لبحر العرب، وأن هذا الفضاء الإستراتيجي ومعه الثروات الهائلة في قعر البحر سيجعلان إسرائيل في غنى عن الثروات الأخرى، لا بل ستفرضان إسرائيل قوة أقتصادية كبيرة في المنطقة، وخصوصا عندما يُستثمر المال القطري من قبل إسرائيل أولا، وكذلك عندما تتحالف دولة قطر وإسرائيل في موضوع الغاز ثانيا، وهو التحالف الذي سيفرض قوة اقتصادية جديدة تتكون من دولة قطر وإسرائيل وستفرض سطوتها على العالم، خصوصا عندما نجحت دولة قطر وإسرائيل من الوصول الى العمق اليوناني والسيطرة على قلب اليونان وشرايينه الأقتصادية، وهذا ما حفز الفرنسيين ليتحركوا نحو اليونان ، وهذا ــ ما أعلنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتاريخ 27 حزيران 2011، كمخرج لأزمة الديون اليونانية، شبيه بما يسمى «سندات برادي» التي أصدرتها حكومات اميركا اللاتينية الرازحة تحت ديون المصارف العالمية الخاصة في الثمانينيات، الاقتراح الذي وافقت عليه المصارف الفرنسية الدائنة لليونان بمبالغ ضخمة، يقضي بأنه كلما استحق سند دين يوناني "من مجموع 76.5 مليار يورو" خلال الاعوام الثلاثة المقبلة، تسترد هذه المصارف 30 في المئة فقط من قيمة مستحقاتها، وتقوم بإعادة استثمار 70 في المئة من قيمة السند على الشكل الآتي: 50 في المئة في سندات إقراض جديدة لليونان مداها 30 عاما، و20 في المئة في صندوق احتياطي يشكل ضمانا لهذه الديون اليونانية الجديدة،هذا النموذج الذي قد رجحت مصادر ايطالية وألمانية اتباعه، يسمح للاتحاد الاوروبي بتفادي إعلان "عجز" اليونان ــ وهذا بحد ذاته محاولة من الفرنسيين والأوربيين لمنع التوغل القطري ـ الإسرائيلي في اليونان أولا، ومن ثم منع اللاعب التركي من فرض نفسه شريكا على القطريين والإسرائيليين ويذهب ليُركع ويبتز اليونان، ولقد تزامن التحرك الفرنسي مع أندفاع فرنسا نحو سوريا في محاولة منها لتصبح هي عراب التغيير في سوريا لتشارك إسرائيل وواشنطن في الهيمنة على ثروات المتوسط والثروات في المنطقة، ومن خلال أستغلال السواحل السورية وموقع سوريا الإستراتيجي ، ولكن هذه الخطوة قد أقلقت القطريين جدا خصوصا عندما صمد النظام السوري ولحد الآن، لأن بقاء النظام السوري يعني ضياع المليارات القطرية التي ضخت في اليونان وستصبح لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، أو أنها ستصبح مجرد أموال تشغل في اليونان ولن تسفيد قطر من ذلك، والأهم أنها ستخسر سوريا وللأبد ، لأن قطر خططت ومن خلال رصدها لتلك الأموال الهائلة في اليونان لتصبح لاعب إقليمي ومتوسطي عبر سوريا ولبنان، لا بل شريك أقتصادي لإسرائيل، ويبدو أن هذا الموضوع قد أقلق القطريين فسارعوا لإرسال الإشارات الى دمشق من أجل زيارة وفد قطري رفيع، ولكن دمشق رفضت ولازالت ترفض، ونعتقد أن إرسال الإشارات القطرية تدل بأن قطر قد نُصب عليها في اليونان و سوريا لصالح إسرائيل وفرنسا، وهذا بحد ذاته نصر أول للسوريين عندما نجحوا بإقلاق قطر من الشراكة الشريرة ضد سوريا..
، فقطر تعرف وحتى إسرائيل بأن الحلف الأقتصادي المقدس بين تل أبيب والدوحة لن يتحقق إلا بتغيير النظام السوري الرافض للسلام التي تريده اسرائيل، و المتحالف مع المقاومة في لبنان ،وهذا ما تراه إسرائيل ودولة قطر،وبالتالي فقطر وإسرائيل متفقتان على رؤية واحدة، وهي أن تغيير النظام في دمشق سيقود الى أسقاط المقاومة في لبنان، وعندما يتم تغيير النظام في سوريا سوف تهرب جميع المنظمات الفلسطينية المقيمة في سوريا ،أو ستُجبر على الإنخراط في السلام الذي تريده إسرائيل، وسيتم دعم توليفة سياسية في دمشق لا تختلف عن التوليفة التي فرضت في بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين، وعندما قبلت بالعمل تحت وصاية الفصل السابع، والقبول ببنود الأتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة وكلها تجيز للولايات المتحدة البقاء في العراق والتصرف بكل شيء، وهذا ما يُخطط الى سوريا في الدهاليز الاميركية والاسرائيلية والغربية والقطرية، وسوف يتبعه لبنان حيث هناك مخطط لإنهاء دور المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، وفرض توليفة سياسية في هذا البلد أيضا تتماشى مع المخططات الإسرائيلية ـ الأميركية، وهذا مادفع دولة قطر للإستثمار في اليونان لضمان الدور القطري " أقتصاديا وإستراتيجيا" ومن ثم للأنخراط مع حلف الناتو ضد ليبيا، والتبرع في موضوع أسقاط النظام في سوريا، والهدف هو فتح الفضاء الإستراتيجي المتوسطي من ليبيا حتى اليونان وأيطاليا وقبرص نزولا الى لبنان وسوريا وإسرائيل ومثلما اسلفنا، ولأجله أبقت قطر على شعرة معاوية مع إيران ومع التيار الصدري لكي يستخدم الفضاء العراقي النازل نحو الخليج ثم دولة قطر، ولأن إيران تهيمن نوعا ما على الملف العراقي ،وعلى الأقل حتى هذه الساعة، وأن هناك خطوط إيرانية لها أتصالات مع دولة قطر ،وحتى مع إسرائيل بالموافقة على هذا المخطط، وأغلبها خطوط مقربة من الإصلاحيين وأطراف المعارضة،
غموض إيراني وأندفاع تركي!
ولكن يبقى السؤال:
هل ستقبل إيران التضحية بسوريا وبالمقاومة اللبنانية لصالح تحالف إيراني قطري يوصلها لمياه المتوسط، مع ضمان حصة الأسد في العراق لصالح إيران وقبول شراكتها في خط الحرير الإستراتيجي، وبموافقة إسرائيلية وأميركية؟
وهل ستجني إيران الثمار في لبنان ،والشراكة الإستراتيجية الطويلة في العراق مقابل التخلي عن سوريا أو قبولها بالتغيير في سوريا مع ضمان حصة طائفية لها في الكعكة السورية؟
فالجواب حتما سيكون في بطون الأيام المقبلة، وأن السياسة ليس فيها مناطق أمنة، وهي مليئة بالمربعات السوداء وحتى بالنفاق، وعلى العكس من الأقتصاد الذي لا يعرف الكذب لأنه يعتمد على الأرقام، ولكن الذي يخيفنا هو " هل سيتكرر تصريح طهران عندما قالت على لسان نائب الرئيس محمد خاتمي السيد محمد علي أبطحي عام 2004 : "لولا إيران ومواقفها ودعمها لِما سقط نظام طالبان ونظام صدام حسين"، فيا ترى هل ستقول القيادة الإيرانية: لولا إيران ومواقفها ودعمها لِما سقط النظام السوري ؟
فالسياسة فيها العجائب ،وهذا ما يخيفنا حقا على سوريا التي وجدت نفسها بين لاعبين لا يعرفون الرحمة، ولهم مشاريع أستراتيجية و أجندات خطيرة ومتضاربة، وبالتالي فنحن نعتقد بأنها معركة دمشق لوحدها نعم لوحدها، أي أنها معركة الشعب السوري والقيادة السورية فقط، لا بل هي معركة العرب في سوريا ،لأن المشاريع القومية الصاعدة في المنطقة لا تحبذ أن يكون هناك مشروعا قوميا عربيا ، لا بل تحارب المشروع القومي العربي ،وهي المشروع القومي الإسرائيلي وأسقاطاته الدينية، والمشروع القومي الإيراني، والمشروع القومي التركي وأسقاطاتهما الطائفية.
ولكن هناك تركيا التي شعرت بالخوف من التمادي القطري ـ الإسرائيلي ، حتى انها شعرت بالخوف من الصمت الإيراني في الموضوع السوري المهم بالنسبة لتركيا، فراحت لتركز أي إيران على لبنان والبحرين بدلا من سوريا، وأخيرا راحت لتهتم بالعراق وتعرض الشراكة التجارية والأقتصادية والأمنية، خصوصا وأن هناك ملامح إيرانية لقيادة " أنقلاب ناعم" وبموافقة المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي لأزالة المتشددين مع واشنطن وإسرائيل ،وبمقدمتهم الرئيس نجاد نفسه في أشارة مهمة للولايات المتحدة وإسرائيل ليتم قبول الوضع الجديد ولا داعي للدخول في مخططات التغيير والتثوير على الطريقة العربية ،وهو أمر مثير، وحيّر الأتراك والكثير من الخبراء والمحللين، وحتى أقلق السوريين أنفسهم، لهذا أندفعت تركيا وبقوة في الملف السوري فأزعجت النظام السوري، وكذلك أزعجت إسرائيل ودولة قطر، لأن أندفاعها المساند لفرض "الأخوان المسلمين" كشريك للنظام مع التبرع بحماية النظام قد أزعج النظام السوري لأنه أعتبرها مساومة رخيصة وإبتزاز مقرف، وبنفس الوقت أزعج إسرائيل التي تراهن على الأكراد السوريين بدلا من الإخوان المسلمين لأن إسرائيل تعتقد أن من يمتلك الأرض والمساحات الجغرافية والكتل البشرية المتشابهة فكريا وقوميا وعرقيا هي الأقوى والأكثر تأثيرا على النظام، وتجد في الأكراد هذه المواصفات، ومن هناك شعرت إيران بالخوف من المقامرة في سوريا التي تعتبرها العمق الإستراتيجي لها في الهلال الخصيب وفي المنطقة المحاذية لفضاء البحر الأبيض المتوسط، وربما ستلجأ لصفقة ما مع واشنطن في العراق، ولكنها ستمر على سوريا ولبنان!.
فلقد أصبحت طهران تستشعر الخطر التركي في سوريا وغيرها وعلى الرغم من قناعة طهران بأن واشنطن تميل الى تقسيم المنطقة بين تركيا وإيران ومن خلال لعبة التوازنات المذهبية والطائفية، والتي ستقود الى حرب باردة في المنطقة، وحتما سيكون لتركيا وإيران حصة الأسد فيها، ولم تكتف تركيا بهذا بل راحت لتطور من وجودها في ليبيا ومصر، والهدف هو لتطويق الإندفاع القطري ـ الإسرائيلي في الدولتين ،ومحاولة لقطع الطريق على إيران في ليبيا من جهة ،و تفريغ اليد الإيرانية من المكاسب في مصر من جهة أخرى، فأنقرة تعرف بأن الإندفاع القطري يصب في المصلحة الإسرائيلية في آخر المطاف، ولا ندري هل تريد أنقرة من وراء هذا الأندفاع تنازلات من قطر وإسرائيل في موضوع الطاقة واليونان و سوريا ،أم أنها ترى في نفسها أكبر من قطر وإسرائيل وسوف تبسط هيمنتها على مصر وليبيا ولاحقا في سوريا؟ أم هي تريد من وراء ذلك تنازلات معينة من الإيرانيين في سوريا ولبنان؟،
ففي الملف المصري ذكرت مصادر تركية بتاريخ 26 حزيران 2011 وعبر تقرير نشر في جريدة الأهرام المصرية " أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان سيصطحب معه خلال زيارته لمصر، المقررة في 21 يوليو المقبل، 300 من رجال الأعمال ورؤساء كبريات الشركات فى تركيا،قالت المصادر إن أردوغان قرر أن تكون مصر فى مقدمة الدول التي يزورها بعد تشكيل حكومته الجديدة عقب الانتخابات البرلمانية التي شهدتها تركيا في 12 يونيو 2011"وفي الوقت نفسه، ذكرت صحيفة "أكشام" التركية فى تقرير لها أن رجال الأعمال الأتراك يرغبون فى توسيع نطاق أعمالهم فى مصر دون تأخير بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية بشكل كبير عقب ثورة 25 يناير،وقال رجال الأعمال إنهم سيركزون فى الفترة المقبلة على قطاع التشييد والبناء ،وأن الشركات التركية تخطط للفوز بمشروعات لإنشاء مليون وحدة سكنية فى مصر، مؤكدين أن هناك فرصة جيدة الآن لقطاع المقاولات التركي في مصر "و "أكد السفير عبدالرحمن صلاح سفير مصر في تركيا أن حرص رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا على أن تكون مصر من أوائل الدول التي سيزورها بعد نجاحه في الانتخابات يعكس مدي قوة العلاقات المصرية التركية،وأضاف أن الزيارة التي ستتم في بداية يوليو ستشهد توقيع عدد من الاتفاقيات علي رأسها اتفاقية إنشاء مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين برئاسة رئيسي وزراء البلدين وسيتم عقد أول جلسة للمجلس خلال زيارة أردوغان القاهرة،وقال من المنتظر أن يتم إعلان بدء تشغيل خط للنقل البحري من ميناء مرسين التركي علي البحر المتوسط لميناء الإسكندرية, وكذلك سيتم توقيع عدد من الاتفاقيات الثقافية والتعليمية والإعلامية. "ومن سياق التصريح نشعر بأن تركيا قد قررت نقل تحالفها للتعاون الإستراتيجي مع دمشق نحو القاهرة، وهذا مؤشر بأن مخطط تغيير النظام في سوريا لازال ساريا، ولكن النظام السوري يمتلك أوراقا أستراتيجية مهمة لا تتوفر عند جميع الأنظمة العربية،فسوريا تمتلك حتى "قدح اللهب" الذي سيشعل حربا إقليمية كبرى لن تسلم منها إسرائيل وتركيا والمصالح الأميركية والغربية، ولكن التحرك التركي أيضا جاء منغصا للمحاولات الإيرانية ـ المصرية لطي صفحة الماضي والشروع بعلاقة جديدة بين إيران ومصر، ولقد برزت بعض الإشارات الإيجابية من المصريين، ولكن الضغط الأميركي والغربي على مصر أوقف تلك الرغبات بأتجاه إيران، ويبدو لصالح تركيا التي لم نسمع أعتراضا عليها في مصر، علما أن هناك أستراتيجية أميركية ـ أسرائيلية تؤكد على أضعاف مصر وإيران معا، وفي آن واحد لمنع ولادة تحالف إسلامي و ثوري بين الدولتين، وحتما هذا يقود لتعزيز الدور التركي، ولكن لا نعتقد سوف تسلم تركيا من هزات داخلية في المستقبل القريب وحينها ستتغير قواعد اللعبة.
ملاحظة: لن أكترث للحملة القذرة ضدي ومنذ سنوات في الشبكة العنكبوتية من قبل عملاء وعبيد الأحتلال والعمائم الصهيونية، سأبقى "مسلما وسطيا عربيا عراقيا" لا يعترف بالطائفية، وسأبقى رافضا للأحتلال والتدخل، ومحاربا شرسا للطائفية والطائفيين، وللأنفصال والأنفصاليين، وندا لا يتعب ضد المتاجرين بالإسلام والمظلومية من خلال المسكنة والرياء والتقيّة.... ولدنا أحرارا وسنبقى كذلك، وعزتنا بوحدتنا!.
القوة الثالثة