آخر الأخبار

نريد ثورة إعلامية

، وكشفت زيف تحيز كُتاب لأنظمة بالية، كانوا يتسترون على استبدادها، ويُغطون على فضائحها عبر ملء جيوبهم.

وكل ما جرى إلى الآن، ليس إلا إزاحة لشهرة مزيفة صنعوها على حين غفلة من الجمهور الغلبان، في ظل عدم توفر وسائل إعلام بديلة، إلى أن دهمهم شباب "تويتر"، واجتاحهم جيل "فيسبوك". وجاءت الثورات بمثابة "رصاصة الرحمة" لتُجهز عليهم.

بعض المذيعين استقالوا لموقف، وتنحوا على الهواء مباشرة، وسجلوا أنفسهم وبلدانهم الثائرة في قوائم الشرف، ورحلوا بهدوء. آخرون خرجوا في إجازة طويلة، حين اندلعت الثورة في بلدانهم، أملاً في أن تهدأ الأوضاع فيعودوا إلى الشاشة. ولما أدركوا أن الثورات لا تعرف الإجازات، ولا العطل السياحية، آثروا الإنزواء متذرعين بضغوط أنظمة قمعية وتهديدات شبيحة وبلطجية، فباعوا مهنة تحدثوا كثيراً أنهم على استعداد أن يدفعوا أرواحهم فداء لها، إلا أنهم سجلوا أسماءهم في "قوائم العار".

قليلون صمدوا أمام ضغوط أنظمة مستبدة، وداسوا على الشوك في ظروف ملتهبة، فكَبِروا في عيون جمهورهم، وسيزدادون كبرياء عند تحرر بلدانهم من خفافيش ليل تسمى "جيش".

إلا أن كل ما شهدناه حتى الآن من "موضة" استقالات المذيعين، وتواري بعض الصحفيين، هي محاولات خجولة وبسيطة نريد لها أن تكبر، وأن تصل حد الثورة في قطاع الإعلام العربي، للتخلص من العناوين القديمة، والشخوص المتكلسة والمتخمة بالفساد.

نريد ثورة تُخلص بلاط الإعلام العربي من متاجري الكلام، بائعي الثرثرة، مقاولي المقالات. نريد ثورة تُزيح عن كاهل إعلامنا الطبقة المخملية التي أَثرَتْ على حساب استغفالها للجمهور، وضَحكاً في وجوه الزعماء. نريد ثورة تُنظف صاحبة الجلالة من مستبديها، جرذانها، وخونتها.

يُطل علينا أحدهم باسم "المفكر العربي"، وهو ما انفك عن اقتحام غرف نومنا مع كل وجبة إخبارية كأنه مقبلات. وتبسيطاً للأشياء، فإن أي شخص يفكر هو مفكر، وإن عقّدنا الأمور قليلاً فإن ما يقوله المفكر يمكن لكثيرين من مبتدئي السياسية وحديثي قُراء الصحف أن ينشدونا به. الأكثر تعقيداً والأهم هو أن الفضائيات تحتاج غالباً إلى أسماء كبيرة، ومسميات أكبر، كي تُضفي على النقاش مهابة خاصة، فيسهل علينا بالتالي ابتلاع الكلام.

يخرج علينا آخر يَهذي، يَزعق، يُحرك رأسه، ومعه يداه، ثم يُزبد، ويرشق برذاذ لعابه المتناثر وجوه من حوله من مذيعين. يَظهر تقزز المذيع عبر حركة خفيفة إلى الوراء، أو يكظم غيظه وراء ضحكة مصطنعة. ولما سألت عن سر ثورة "الكاتب الكبير"، كما قدمه لنا نظام القذافي وصنع شهرته، قيل لي إن تصرفاً مثل هذا لا يكون إلا تحت تأثير الكحول.

في البداية لم أصدق، وجعلت من الشك دليلاً إلى اليقين، حيث أكد صديقان ثانٍ وثالث صحة المعلومة. الغريب أن "الكاتب الكبير"، الذي دافع عن نظام القذافي بداية اندلاع الثورة في ليبيا قبل أن يتحول ويتبدل، يبدو من حديثه المتكرر من المدافعين عن الإسلاميين، وخصوصاً حماس وحزب الله، حتي يَخال للمتابع أنه يقيم الليل مع قادة الحزبين.

خدمته الصدفة بأن اشتراه القذافي يوماً ببعض مال ومقال وُصف فيه بـ"الكاتب الكبير"، وفعلاً أصبح كبيراً في كل شيء، حتى في سقطاته وآرائه عن عقيد مستبد تحول أخيراً إلى جرذ يختبئ في إحدى حفر طرابلس.

أقول ذلك مستلهماً ما أحدثته الثورات من تحول سياسي في الشارع العربي، وكم أتمنى أن يأتي اليوم الذي يحمل فيه هؤلاء الصحفيون والكتاب لقب "الفلول"، وأن تجتاحهم الثورة الشابة التي يقودها جيل الإعلام الجديد، من المقهورين والمغمورين والمهمشين والمبعدين.

ورغم أن الإعلام العربي، وإن أدرك بعضه بعض الثورات، وتغاضى عن أخرى؛ إلا أن الثورة لم تدركه بعد. وإن كان سقوط بعض المذيعين والصحفيين والكتاب أخيراً من بوادر هذه الثورة في "ميادين تحرير الإعلام"، فإني آمل أن تنتقل من أطرافه إلى مركزه قريباً.

دبي

29 أغسطس 2011