تتضارب التوقعات والتحليلات
سقوط النظام سيعني انقسام الجيش، ما يمهّد لانفجار داخلي على الطراز العراقي ،
حيث تسعى فيه الغالبية للانتقام من الأقلية ،وهذا مايراه البعض مستبعداً ،ما دام القائد بشار في السلطة .
ملايين أخرى ، وعلى رأسها سكان العاصمة دمشق و حلب ،
ما زالوا يفضلون الاستقرار النسبي الذي يسود الدولة في العقود الأخيرة ، تحت حكم الأسد ،
وليسوا على استعداد للقفز إلى المجهول الذي قد يفضي بهم إلى واقع حمام دم طائفي ،
يشبه ذاك الذي يسود العراق .
التدخل العسكري في سوريا ليس على الطاولة ،
أطراف التدخل ليست على يقين ممن سوف ينتصر ،
وهذا موضوع حرج ،
كما أنهم يعانون من مفارقة : « الحرب غير الصحيحة » ،
كما أنهم لا يعرفون ماذا سيكسبون من تغيير النظام في سوريا ،
ولا يعرفون كيف يقدمون المساعدة ،
على أي حال ،
فإذا كانوا في ليبيا قد أدركوا ماذا سيكسبون ،
ففي سوريا يوجد أيضاً ما يمكن كسبه من تغيير النظام ..
أولاً وقبل أي شيء ، إضعاف المحور الإيراني .
لو كان السيّد المسيح ، عليه السلام ، حاضراً اليوم في أرض مولده ،
لأعاد النظر فيما قاله قبل ألفي عام .
فقد رجا ربَّه أن يغفر لمن كان حوله من رافضين وأتباع
لأنّهم لا يدرون ما يفعلون ،
لكن هل الحال الآن كذلك ؟! .
طبعاً لا ،
فالبشرية نالها ما كفاها من رشدٍ وهداية وأنبياء ورسالات وأولياء صالحين ،
وختْمٍ لتنزيل الكتاب مع خاتم النبييّن محمّد ، عليه وعلى الأنبياء أجمعين الصلاة والسلام .
تردي العلاقات بين بكركي وواشنطن بسبب المواقف التي أعلنها البطريرك الراعي في فرنسا ،
التي كانت فاتحة زياراته الخارجية ، ما أزعج واشنطن .
إلا أن الإدارة الأميركية لم تتمكن من كتم غيظها طويلاً بعد أن فشلت أدواتها التي تلقت الأمر في كبح بكركي ،
الراعية لشؤون المسيحيين عن إعلان مواقفها الوطنية ،
لذلك أقدمت واشنطن على خطوة تعتبر في عالم السياسة تصرفاً غبياً ،
لكنه ينم عن التعالي ،
بمعنى إما أن يخضع الطرف الآخر لمشيئة واشنطن ،
وليس لمشيئة الله في مصلحة عباده ،
أو فليكن ما يكون .
والخطوة هي :
إلغاء لقاء كان يفترض أن يحصل بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والبطريرك الراعي أثناء جولته الرعوية في الولايات المتحدة الأميركية ،
وكذلك لقاءات مع الراعي في مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين ،
ولأن إدارة أوباما ألغت اللقاء معه ،
ألغت بكركي في المقابل لقاءَيْ الكونغرس والنواب ،
مع تأجيل السفر لمدة أربعة أيام ،
واقتصار الجولة على الشأن الرعوي ،
باعتبار أن أوباما يجب أن يسمع قبل غيره المخاوف والقلق اللذين يعتمران صدر البطريرك كما المسيحيين عموماً ،
بسبب الأخطار التي تهدد الوجود المسيحي في الشرق ،
والتي يمكن القول بثقة إنها ناتجة عن السياسة الأميركية الرعناء والمتواصلة منذ عشر سنوات .
الانتكاسة في العلاقة الأميركية مع الكنيسة تعتقد واشنطن أنها لا تصطلح وإن بقيت خيوط التواصل ممدودة عبر السفارة والسفير ،
إلا بإطلاق البطريرك مواقف تنقض مواقفه التي أعلنها في باريس ،
لكنه جددها بطريقة أو بأخرى في الجنوب ،
خصوصاً ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي والأزمة في سورية .
الابتزاز الذي تمارسه الإدارة لم يقتصر على البطريرك الراعي ،
فهي أرادت أن تضرب اللبنانيين بعضه ببعض ، عبر رئيس الجمهورية ميشيل سليمان ،
تقول معلومات :
إن واشنطن عرضت مقابل تحديد مواعيد لرئيس الجمهورية مع مسؤولين أميركيين خلال وجوده في نيويورك لترؤس جلسات مجلس الأمن أن :
يصدر مواقف تنتقد حزب الله والنظام في سورية ،
وإلا لن تكون هناك مواعيد ،
لذلك جاءت مواقف الرئيس سليمان جلية في الكثير من المحطات ،
لاسيما ما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي والقرارات الدولية ،
وكذلك فيما خص الطلب الفلسطيني الاعتراف بالدولة ،
فضلاً عن مقاطعة سليمان لحفل الاستقبال الذي أقامه أوباما لرؤساء الوفود ،
كتعبير عن سخط ورد على الابتزاز الأميركي ،
لذلك حركت واشنطن أدواتها في لبنان ،
وكان خطاب قائد القوات اللبنانية في الاحتفال الذي رعاه : ( البطريرك صفير )
عاكساً حالة الهلع التي تعيشها ،
ليس فقط تلك الفئة التي ضلت طريق بكركي الانفتاحية ،
بل الذعر التي تعيشه قوى 14 آذار .
إن الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية ،
ومن ورائها قناتي العربية والجزيرة القطرية ،
تحاول أن تدخل على خط الأزمة السورية تماشياً مع المواقف الأميركية .
ودول مجلس التعاون الخليجي تحاول الالتحاق بالركب الأميركي لتحافظ على بقاء حكامها في السلطة ،
ومنع المد الثوري عن دولها ، واللحاق بالدور التركي ،
المطلوب إسقاط الأسد بأية طريق ممكنة قبل نهاية العام الحالي ،
وهو كلام قيل بعضه على هامش مؤتمر دعم المجلس الانتقالي الليبي في باريس ،
وخاصة من قبل نيكولا ساركوزي الذي تعهّد أمام بعض المسؤولين الخليجيين بالتفرغ لبشار الأسد في الأشهر المقبلة .
خيار شن حرب أطلسية على سوريا قد تراجع ،
وهذا ما أبلغه مسؤولون أتراك لقيادات في تنظيم « الإخوان المسلمين » زارت تركيا مؤخراً ،
و السبب الرئيس لعدم قدرة تركيا أو « الناتو » على القيام بعمل عسكري ،
يعود لعدم وجود غطاء دولي أو عربي ،
ولقيام المسؤولين الإيرانيين بإبلاغ القيادة التركية وبعض المسؤولين العرب والأميركيين ،
بأن أي عمل عسكري سيستهدف سوريا ،
سيؤدي لإشعال حرب شاملة في المنطقة كلها ،
كما أن تركيا لن تكون بمنأى عن تداعيات الوضع السوري .
وقد أبلغ المسؤولون الإيرانيون أمير قطر :
بأن التغيير في سوريا سيؤدي إلى تغييرات جذرية في دول الخليج ،
لأنه من غير المقبول أن تستمر الأوضاع في دول الخليج على ما هي عليه في ظل ما يجري في كل الدول العربية ،
الوضع الدولي والعربي يشهد حالياً متغيرات هامة ،
لا سيما بعد استخدام روسيا والصين لحق النقض ( الفيتو ) في مجلس الأمن ضد أي قرار يستهدف سوريا ،
ورفض عدد من الدول الأساسية لهذا القرار ( الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ) ،
وان العالم يتجه اليوم إلى واقع جديد ،
عبر انتهاء ما يسمّى ( الحقبة الأميركية المسيطرة على القرار الدولي ) ،
كما أن المنطقة العربية والإسلامية ،
تشهد خريطة جديدة عبر تكوّن محاور جديدة في ظل تراجع الدور السعودي ،
والتطورات التي تواجهها مصر والدور الجديد الذي يلعبه العراق إلى جانب سوريا ،
ما يعني أن المنطقة متجهة نحو تغيير كبير ،
وإذا نجح النظام السوري في تجاوز الأزمة خلال الشهرين المقبلين ،
وفشلت كل الجهود الدولية والعربية لإسقاطه ،
وهذا سيتم بإذن المولى العلي القدير ،
فإن ذلك سيؤدي إلى تغييرات كبيرة في المشهدين العربي والإسلامي .
هذه الصورة تقابلها صورة أخرى ،
تحدث توازناً قوياً لصالح يشار الأسد ،
وهي صورة تحمل في طياتها ملامح ومؤشرات داخلية ، ودلالات ومواقف خارجية ،
تدل على أن النظام السوري يملك أوراقاً تساعده على البقاء وتجعله مطمئناً إلى مجريات الأحداث رغم خطورتها .
بالنسبة للمؤشرات الداخلية :
___________________
الحركة شبه طبيعية في العاصمة دمشق وحلب ،
وعدم تأثير الاحتجاجات على سير مرافق الدولة ،
ومواصلة الملاحة الجوية والبحرية عملها ،
وإن كانت الحركة البرية تراجعت بسبب الأحداث الجارية ،
خاصة في بعض المناطق المتاخمة للحدود مع الأردن وتركيا ولبنان ،
إضافة إلى تماسك الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش ،
حيث لم تحصل انشقاقات كبيرة في صفوفه كما كان متوقعاُ من بعض الدول ،
وظلت القيادة العسكرية خاضعة للقيادة السياسية ،
( بالرغم مما يشاع عن احتكار القرار العسكري من قبل ماهر الأسد شقيق الرئيس ) ،
ومؤتمرة لها وتنفذ سياساتها .
ومن نقاط القوة التي يمتلكها النظام الحالي ،
تماسك الجسم الدبلوماسي الخارجي ،
الذي ظل ينفذ تعليمات وزير الخارجية ، ولم تسجل استقالات تذكر لدبلوماسيين سوريين ،
مع أن هكذا خطوات لا تشكل خطراً على أصحابها الموجودين خارج سوريا ،
الذين قد يجدوا تسهيلات مغرية للإقدام على هكذا أمر ،
خاصة في بعض الدول الداعية إلى إسقاط النظام ورحيله .
وبالنسبة لنقاط القوة الخارجية :
____________________
فتجلى في الموقف الروسي المعارض لأي قرار بالتدخل العسكري أو تشديد العقوبات ضد النظام السوري ،
لما لروسيا من عمق استراتيجي في سوريا يبقيها على تماس مع دول الشرق الأوسط ،
حتى لا تترك الساحة للأميركي منفرداً ،
يقرر ويهدد المصالح الروسية في هذه المنطقة ،
والموقف الروسي تطور بالوقوف مع نظام الأسد ،
خاصة بعد نشر نظام الدرع الصاروخي لحلف الناتو في تركيا ،
وكذلك موقف الصين الذي لا زال متردداً في السير وراء الصوت الأميركي في مجلس الأمن
أما عن الموقف الإيراني ؟
أكدت معظم التحليلات أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية والسلطات العليا في إيران ،
حسمت وقررت الوقوف إلى جانب النظام السوري ومساعدته بكافة الوسائل المادية والسياسية ،
حيث تسربت مواقف في غاية القوة ،
اعتبرت أن هذا النظام خط أحمر ، وممنوع أن يسقط ،
لأنه يشكل رئة لإيران تتنفس منها هواء هذه المنطقة الساخنة ،
فسقوط النظام السوري يعني انهيار شريك استراتيجي يشكل ضمانة للمصالح الإيرانية ،
التي تبدأ بلبنان وفلسطين ولا تنتهي بالعراق .
فكما اعتبرت تركيا أن ما يحصل في سوريا شأناً داخلياً تركياً ،
ردت عليها إيران بالمثل أن سقوط هذا النظام ضربة موجعة لإيران قبل أن تكون مدمرة لسوريا ،
وهذا ما أوجد توازناً بين تركيا وإيران ،
اللتان تتنافسان على لعب دور وازن في هذه المنطقة الحيوية .
إضافة إلى الورقة الإيرانية التي يحملها النظام السوري ،
هناك ورقة حزب الله في لبنان ،
الذي يمكنه أن يقلب المعادلة عندما يشعر بالخطر الداهم الذي يهدد وجوده ،
لأن سقوط نظام بشار الأسد يعني تجفيف منابع الإمداد العسكري للحزب ،
مما يضعفه على المدى الطويل ،
رغم ما يشاع أن لديه مخزوناً هائلاً من السلاح ،
لأن سوريا شكلت خط الدفاع الأخير عن المقاومة ، وعمقها الاستراتيجي ،
وأنه بحال سقوط هذا الخط فذلك يؤثر على مستويين ،
الأول : انهيار خطوط الإمداد العسكري عن الحزب ،
الثاني: افتقاد الملجأ الآمن لقيادة الحزب بحال تعرض لبنان لحرب إسرائيلية ،
قد لا يجد فيها النازحون أيضاً من مناطق الاعتداءات أي ملاذ لهم سوى البحر ،
خاصة في ضوء الإصطفافات المذهبية التي تسود المناطق اللبنانية ،
ونظرة استلهام لهذين المستويين كافية لإدراك أسباب عدم انتصار إسرائيل في حرب تموز 2006 ،
حيث لم تقصر سوريا في تأمين الإمداد العسكري ،
وفتح أبوابها للنازحين من المناطق اللبنانية وخاصة من الجنوب والبقاع ،
لتشكل لهم حاضنة وتمنع استغلال نزوحهم لإضعاف المقاومة
الصراع محتدم والأزمة السورية غير محصورة في دائرتها الجغرافية ،
بل هي بتوصيف أدق أزمة المنطقة برمتها ،
وعلى ضوء نتائجها ستقوم أحلاف جديدة وتسقط أخرى قديمة ،
وتزول ثالثة كانت قيد البناء ،
وسيتم التأسيس لمنظومة إقليمية أمنية ،
يكون على رأسها من انتصر في هذه الحرب الضروس،
التي قد لا يستخدم فيها الكثير من السلاح .
سوريا محاصَرة ومحاصِرة ، مُحرجة في مكان ، وقوية في أمكنة ،
كيف ستنتهي الأزمة ، من سيخرج حياً من هذه المعركة ، من سيسقط .
وإيران : سنقلب الطاولة
الإيرانيين ابلغوا الأميركيين أنهم قادرون على قلب الطاولة في كل المنطقة ،
من أفغانستان إلى البحر المتوسط ،
وأن :
« مؤتمر الصحوة الإسلامية » و « مؤتمر دعم الانتفاضة »
اللذين عقدا مؤخراً في طهران ،
شكلا بحضورهما ومضمونهما رسالة واضحة للأميركيين ،
ولبعض الجهات العربية والدولية بحجم القدرات الإيرانية والقوى المتحالفة مع طهران ،
القيادة السورية عبرت مؤخراً عن ارتياحها للموقف العراقي ولحجم الدعم الذي قدّمه العراق لسوريا في الأشهر الماضية ،
و الرئيس بشار الأسد وعدداً من القيادات السورية أشادوا بالمواقف التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ،
وبالجهود التي قام بها لدعم سوريا ،
هذه المواقف والجهود تركت ، في المقابل ،
صدى سلبياً لدى الإدارة الأميركية ،
وكشفت عن فشل أميركا في الإمساك بالورقة العراقية برغم كل ما قامت به خلال السنوات الماضية .
الجميع يعلم أن دول الخليج تحكمها أنظمة تنتهج آليات التوريث والانقلابات العسكرية للوصول إلى السلطة ،
تخلو دساتيرها من أية آلية للمشاركة السياسية
أن التمثيل السياسي الذي تؤمنه الانتخابات تكاد تكون شبه معدومة في تلك الدول ،
وإن وجدت فإنها أقرب إلى التعيين منها إلى التمثيل ،
ولا تغير في المشهد السياسي أو تخفف من فجاجة الملكية التي لا تستند إلى حكم القانون ،
ولا حاجة لتسليط الضوء على الكبت السياسي والاجتماعي الذي تعيشه شعوب هذه الدول ،
التواقة للعب دور يتيح لها رسم سياسات أوطانها ،
أما بالنسبة لدعوة سوريا وقف العنف ضد المواطنين ،
فهل نسي مجلس التعاون الخليجي كيف قمعت السلطات البحرينية الاحتجاجات السلمية ،
المطالبة ببعض الإصلاحات السياسية للمشاركة الفعلية في السلطة ،
وكيف تطور الأمر إلى دخول قوات سعودية تحت مظلة قوات درع الجزيرة التابعة لدول مجلس التعاون ،
من أجل خنق التحركات السلمية ،
رغم عدم تسجيل أي عمل مسلح يستدعي هذا التدخل ،
ولم يكن هناك مبرر لاستخدام السلطات البحرينية أبشع أساليب العنف ومحاولة إصباغ التهم المذهبية على هذه التحركات ،
واتهام إيران بالوقوف وراءها ،
كما لم يكن مبرراً استدعاء قوات عسكرية لدخول البلاد والقضاء على أي احتجاجات لتلبية مطالب محقة وغير ممذهبة ،
مع أن دخول تلك القوات كان رسالة واضحة للجميع ،
بأن دول الخليج لن تسمح بتعريض الاستقرار الداخلي لأية دولة للخطر ،
الأمر الذي دفعها إلى السعي لاستقطاب كل من الأردن والمغرب كنظامين ملكيين ينسجمان مع منظومة الدول الخليجية ،
وللاستعانة بقوتيهما رغم أنهما ليستا - جغرافياً - على سواحل الخليج العربي .
أما بالنسبة لواشنطن وباريس ولندن وتل أبيب ،
فلمن خانته الذاكرة والتبست عليه الأمور ،
نذكره بأن أميركا هي التي ساهمت في تزايد العنف ،
وساعدت الديكتاتوريات وخاصة في العالم العربي على الاستمرار في السلطة ،
وهي التي غضت الطرف عن تجاوزات الحكام مع شعوبهم ،
رغم تغييبهم لأبسط معالم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير ،
وهي التي منعت التوزيع العادل للثروة عبر وضع اليد على مقدرات هذه الدول وسلب خيراتها ،
وهي التي نمّت فكرة التسلح حتى تنهش أموال صفقات الأسلحة ميزانيات الدول على حساب لقمة عيش المواطنين ورفاهيتهم ومستقبل أولادهم ،
وأميركا نفسها لا تتأخر في لجوئها إلى أساليب التعذيب والقهر بحجج واهية وشعارات أصبحت معروفة ،
محاربة الإرهاب ومتطلبات الأمن القومي ،
حيث أصبحت بعض الدول شأناً داخلياً أميركياً يمس هيبتها وقوتها واقتصادها ،
هل من حاجة لذكر فضائح سجن أبو غريب أو غوانتنامو أو قصف الأعراس عن طريق الخطأ في أفغانستان ،
لعل من الإنصاف القول أن أميركا آخر دولة يحق لها التحدث عن ثورات الشعوب وحقوقها ،
أو إسداء النصائح للدول بكيفية التعامل مع هكذا مواقف وما هو المطلوب منها ،
كما لا يجوز للمعارضين للأنظمة أن يلوذوا بواشنطن من أجل طلب الدعم ،
لأنهم لن يجدوه ،
وإذا وجدوه سيكون على حساب مستقبل ثوراتهم البيضاء ومطالبهم المشروعة .
أما بالنسبة لفرنسا ،
فلم ينسَ العالم بعد مشاهد الاحتجاجات الشبابية في ضواحي كبرى المدن الفرنسية ،
التي انطلقت في أواخر تشرين الأول من العام 2005 ، وتجددت أكثر من مرة ،
تلك الضواحي التي تعيش كأحزمة فقر وبؤس تلف معظم المدن الفرنسية ،
ويقطنها الفقراء ومعظمهم من العرب والأفارقة والأقليات الأخرى ، المحرومون من معظم الخدمات الأساسية ،
ويعانون من التفرقة العنصرية وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع الفرنسي بسبب ذلك .
لقد تعاطت الشرطة الفرنسية مع تلك الاحتجاجات بقسوة بالغة وبوحشية فاضحة ،
واتهام وزير الداخلية في حينها نيكولا ساركوزي للمحتجين بالبلطجية ،
ووصفه الشباب المهاجرين وسكان الضواحي بالرعاع والحثالة ،
هنا يحق لساركوزي إهانة مواطنيه واستخدام العنف ضدهم ونعتهم بأقذع العبارات ،
مع أن مسألة الضواحي الفرنسية ستبقى في حالة غليان وقنابل موقوتة ،
تنتظر من ينزع حلقة الأمان عنها لتنفجر وتهدد الاستقرار في فرنسا .
أما بالنسبة لبريطانيا ،
فقد تذوقت كأس الاحتجاجات المرة ،
عندما وقعت عدة مدن بريطانية تحت كابوس الحرائق والمظاهرات والسلب والعنف بتاريخ 7 آب 2011 ،
وخيراً فعل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ،
عندما دعا بريطانيا لوقف معاملتها الوحشية لمثيري الشغب ،
ودعاها للتنبه لشعبها بدلاً من التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى كأفغانستان والعراق ،
وبدلاً من إرسال قوات إلى ليبيا حيث يجهدون للحصول على نفطها .
ألم يشاهد العالم كيف تصدت الشرطة البريطانية للمتظاهرين أو المحتجين أو المتهمين بالعنف من قبل السلطات الرسمية ؟
وهل يجوز لبريطانيا استخدام العنف لإعادة النظام ،
ولا يحق لسوريا أن تفعل ذلك في مواجهة مجموعات مسلحة تقتل المدنيين والعسكريين وتنكل بالضباط وترميهم في نهر العاصي أمام مرأى العالم ،
حيث خرجت الأمور عن مطالب شعبية بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لرفع مستوى المعيشة للمواطنين ومشاركتهم السياسية ،
هذا الكلام لا ينفي حصول تجاوزات مفرطة للقوة ضد بعض التظاهرات ،
لكن الأمور تختلف عندما يتأكد النظام والمتابعين أن هناك جهات خارجية وراء الاحتجاجات والمواجهات المسلحة ،
التي تحاول أن تفرض واقعاً يقود إلى تغيير النظام وتحضير الصفقات لعقدها مع أي نظام بديل .
أما بالنسبة لإسرائيل ،
الواحة الديمقراطية في هذه المنطقة ،
فإن استخدام العنف ضد الفلسطينيين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة مبرر ،
كونه يهدد كيانها ،
وواشنطن متكفلة بتبرير أفعالها ومدّها بكل مقومات القوة ،
وتعطيل أية إدانة أو محاسبة لها من قبل مجلس الأمن والمجتمع الدولي ،
الذي لم يحرك ساكناً أمام المجازر الإسرائيلية وحروبها التي لا تنتهي ،
ولا أحد يعرف كيف ستتعامل الحكومة مع الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل ،
التي تحتج على الوضع المعيشي والغلاء ،
وهل ستستخدم الورود والأرز لرشها على المتظاهرين عندما تصل الأمور إلى تهديد استقرارها الداخلي ،
الذي ترتكز عليه في حروبها الخارجية وعدوانيتها الوحشية .
أمام هذه المعطيات يتضح لنا أن سوريا تتعرض لأقسى أنواع الضغوطات ،
بسبب مواقفها من المشاريع المشبوهة لهذه المنطقة ،
وأنها تدفع ثمن وقوفها إلى جانب حركات المقاومة وتحالفها مع إيران ،
ومحاولة تشكيل حلف واسع كان يؤمل أن يضم تركيا ،
التي فضلت البقاء في الفلك الأميركي ،
الذي يتيح لها لعب دور إقليمي وازن ،
ينافس الطموحات السورية والإيرانية في هذه المنطقة ،
ومحاولة سحب الأوراق التي يملكها كل منهما ،
لتفريغ دورهما من أهميته ، التي سلم بها اللاعبون الدوليون وعلى رأسهم واشنطن .
أطراف المثلث الفرنسي القطري التركي ،
الذي شد من قوة تنسيقه في الشأن السوري وتدخلت أطرافه مباشرة في خطة مشتركة :
لدعم المعارضات السورية سياسيا وماليا وعسكريا بل و مارست جميع أشكال التدخل و الضغط لتفعيل الهجمة على سورية
وشل سورية حسب الخبراء ولد خلافات شديدة بين الأطراف الثلاثة .
و أدى تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن التورط وتوريط الآخرين والمبالغة في تعميم التوقعات عن قرب سقوط الرئيس بشار الأسد ونظامه ،
وهو ما تولاه الشريك القطري لفرنسا وتركيا في وقت مبكر من الأزمة السورية ،
بينما ربط رئيس الوزراء التركي تصعيد عدائيته نحو سورية بقبض الثمن الذي طلبه من باراك أوباما ،
عبر الوعد بتسهيلات أمنية للجيش التركي في شمال العراق ضد قواعد حزب العمال الكردستاني ،
وهي في نظر الخبراء وعود صعبة التحقيق لأن القيادات الكردية العراقية تعرف جيدا :
الكلفة العالية لتورطها في أي عمل مباشر ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني ،
بفعل الترابط العشائري العابر للحدود بين الأكراد في العراق وتركيا ،
كذلك لأن الولايات المتحدة تعتمد بقوة على الدور الكردي الذي لا يمكن الاستغناء عنه في صياغة التوازنات السياسية الراعية لمصالحها داخل العراق ،
فلن تفرط واشنطن على الأرجح بأولوية الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع مسعود البارزاني وجلال الطالباني لصالح إرضاء أردوغان ،
مقابل تصعيده للضغوط على سورية التي بات مشكوكا في فاعليتها وإمكانية توليد نتائج تترتب عليها ،
بعد التطورات الميدانية المهمة التي حققتها الدولة السورية على الأرض ،
وفي ظل التأزم التركي الداخلي حول الموضوع السوري وتداعياته المحتملة .
قبض ساركوزي ثمن تورطه في سورية من الكعكة الليبية ،
بينما شريكاه حمد و أردوغان يدوران في حلقة مفرغة بعد الفيتو الروسي والصيني المزدوج ،
الذي عطل تغطية التدخل في سورية ،
وشكل إعلانا لتفليسة الحملة الغربية التي قادتها الولايات المتحدة ضد الرئيس الأسد بتمويل قطري وبتناغم تركي .
حلقة الفشل السورية لثلاثي قطر وتركيا وفرنسا ،
هي الميدان الرئيسي للنزاعات بين هذه الأطراف ،
وعلى هامشها يمكن قراءة تداعيات حملة ساركوزي الانتخابية ،
واعتباره أن قطر ورطته بالتزامات حول الموضوع الفلسطيني وأظهرته في موقع العاجز عن التأثير أمام أوباما ،
الذي عاتبه بقسوة على دوره في الإعلان عن موقف أوروبي مساند لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية في البداية ،
حيث اضطر بعد تأنيب الرئيس الأميركي إلى الإيعاز بموقف فرنسي متحفظ ،
واقترح هو شخصيا أن تكتفي السلطة الفلسطينية بمقعد المراقب في الأمم المتحدة ،
بينما كان ساركوزي يبني كلامه على الوعود القطرية بعدم تقديم عباس لطلب الاعتراف ،
وبالتالي عدم وضع فرنسا أمام اختبار موقفها الكاذب الداعم للطلب ،
يبدو أنها مجرد بداية لحسابات الخاسرين في الملف السوري .