و لم يرد تحديد لجنس النص في الغلاف أو في الورقات الأولى و لكن حدده د.صلاح الدين بوجاه الذي قدم له على أنه رواية "صادمة هي رواية المشرط" و لكني لا أرى فيها رواية بقدر ما هي أقاصيص مكتوبة بصيغة الأنا لا كتعبير عن نص سيرذاتي و إنما كنوع من بيوغرافيا الكتابة تستعاد فيها أسماء لشخصيات لا علاقة سردية بينها و إن وجدت العلاقة الرمزية فالكاتب هنا غارق في استشباحاته متمثل لمناطق المحضور الجنسي و الإثني للكتابة لا يفتأ يذكر شخصيات سكنت المخيال الحكائي الجمعي يستعيدها ليستعيد معها ما يمنع النص من أن يكون صورة صاحبه لا صورة من عاصرهم ضرورة أو صورة للمحدَّد السياسي.
إن هذا النص نوع من طقس العبور الضروري في عملية الكتابة، فالكاتب هنا يقتل إلاهه ليجرب ألوهيته هو فاُصطلاحات مثل "المخّاخ" و "الثعبان" و "التمثال" لا تعدو أن تكون رموزا ذكورية جنسية ناجمة عن استشباحات كابوسية علاجية تخرج المارد من القمقم لتدين بشاعته و تفضح عورته فلا يعود للخوف سبب وجيه غير ما يقبع في روع الكاتب أو روع القارئ الذي هو شريك أساسي في استمرار التابو كجزء من العقد الوجودي بينه و بين المعرفة و المشرط رمز ذكوري جنسي و فكري يؤمّن للكتابة وظيفتها العلاجية إذ أنه وسيلة انتقام لوضعية "المركوب" في مجتمع لوطي يركب فيه الذكرُ الذكرَ ليمنعه من افتكاك مكانته فهو أداة لقلب المعادلة النفس-جنسية و المشرط كذلك فكري لأنه إدانة الثقافة للطبيعة و إدانة الفكري للغريزي الذي يتخذ البعد العدواني السلطوي.
يجد كمال الرياحي نفسه أمام آباء كثيرين يحاربهم ليفتكّ شرعيته المقبلة و هو كذلك الطفل الذي يريد أن يخلع إهاب أنوثته التي هي أصل بدايات الأشياء ليعمَّد ذكرا قادرا على الفعل و إن كان جورا -على الشاكلة القديمة- كأن الكتابة لا تعدو أن تكون تصفية حساب يُبين تارة و يَلزَمُ التقية طورا فالأب هنا حضاري متوسطي "البحر رب اللوطيين و زعيم المخنثين يركبه الغرباء فلا يبدي اعتراضا" ص27 و الأب أيضا حضاري شرقي "رأسه يحمل تاجا كتيجان السلاطين/ انظر كم هو جميل/ رائحته الكريهة لا تقاوَم"ص21/22 و الأب سياسي (المخّاخ) "في تلك الأثناء حط طير ضخم (..) أخذ يُدخل لسانه في رأس الرجل المصلوب ليلحس مُخّهُ بعد أن ثبّت قائمتيه على كتفي الجثة، ففررت فزعا"ص27/28
و الأب ديني إذ يستعيض الكاتب بصورة إبليس كالفاعل المرئي في قصة آدم و حواء "انظري إبليس، ها هو يقف وراءك في صورة الأفعى الملعونة، ماذا كان يفعل خلفك؟ أنت الجانية..أيتها الخائنة!" ص67 و يتخذ تجريم المعرفة بعدا دينيا فسبب سقوط آدم و حواء من الجنة ليس سوى تجاوز المعرفة المنقولة إلى المعرفة المعقولة و النقدية و اجتياز المعرفة الجمعية إلى المعرفة الفردية التي يصنعها الإنسان اضطلاعا بوجوده.
و يمكن تصنيف نص "المشرط"في أسلوب الكتابة التجريبية فهو يخلو من لون واحد يُلزِمُه كنواة أسلوبية أو فكرية إنما هو تارة يستعير قلم محمود المسعدي و طورا قلم صلاح الدين بوجاه و أحيانا أقلاما شرقية تتراوح بين السرد و الشعر و ربما ركّز لوحات فنية قدّم لها قراءة مقضوبة جعلها امتدادا فنيا في نصّه لجريمة الحب الأولى و كأنه في بحثه عن ذاته يتمسك تارة بالمثال و طورا يرفضه ليجرب كتابة واقعية تكاد لا ترقى إلى الفن إن هي إلا وصف لزمن فج قبيح لا فرق فيه بين الرجل و المرأة فلكل نصيبه من المساواة في الظلم إذ أن الرمز الذكوري يهتك كل شيء و يلاحق كل محاولة للكينونة رافضا مواجهة الآخر و يغدو اللواط في رمزيته عملا عدائيا لا يعتمد على المباشرة بل على إهانة الشريك الجنسي (ذكرا كان أم أنثى) و بالتالي لا يوفر خصبا و لا ينتج شيئا إنما هو الخلاء و الفراغ و ثأر لا ينام.
إن المخيال الجنسي في نص المشرط وظيفي يصل بنا حدّ الغثيان فالكاتب لا يرمي منه إلى المتعة الجنسية أو الفنية بقدرما يجعل العمل الجنسي عملا مؤلما مهينا لا ينفتح على حل فشخوصه منشطرة شوهاء (النسناس) تتلهى بالعدم و اللامعنى، تتآكل في أزمنة الفراغ حيث لا فعل و لا كينونة إنما تربصٌ بالرمز الذكوري و انتظار لا يني للمأتم العظيم.
إن نص "المشرط" لكمال الرياحي ليس سوى كتابة أولية تبحث عن ذاتها تستدعي مناخات الفنطازيا تارة و ثوابت المرجعيات طورا تجمع بين محامل عديدة (الرسم، المقال الصحفي، الشعرية، الصورة السينمائية) دون أن توفر التماسك الفني و لهذا يخرج صوت من داخل النص "متى تصبحين ملكي؟؟!! متى أيتها الحكاية؟!!" المشرط ص81