يبدو ان الكابينة السادسة تقترب من ايامها الأخيرة بعد سنتين من قيادة الهيكل الحكومي في اقليم كوردستان برئاسة الدكتور برهم صالح، والتي تميزت بمواجهة كثير من المشاكل الداخلية المتعلقة بالفساد والخارجية المتعلقة بملفات العقد الخلافية مع الحكومة الاتحادية، الى جانب تنفيذ خطط واعدة كانت الكابينات السابقة قد وضعت أسسها بعد توحيد الإدارتين وتوقيع الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الكبيرين الفائزين في معظم الانتخابات التي جرت خلال الأعوام السابقة بنسب متقاربة مع تحالفات تنضوي تحتها مجموعة من الأحزاب الأخرى الى جانب كل واحد منهما، حتى ظهرت أو بدأت تتبلور أشكال جديدة ومغايرة من المعارضة متمثلة بجناح انشق عن الاتحاد الوطني وأسس له تنظيما تحت اسم حركة التغيير ( كوران ) التي فازت بالتحالف مع حركتين دينيتين اسلاميتين بما يقرب من ربع مقاعد البرلمان الكوردستاني في الانتخابات الأخيرة، ورفضت المشاركة بحكومة برهم صالح.
ويستعد رجل الدولة الشاب نجيرفان بارزاني ( 45 سنة ) للعودة الى قيادة الحكومة الإقليمية في كوردستان للمرة الثالثة بعد نجاحه في قيادتها لما يقرب من ثمان سنوات أنجزت فيها حكومته ما عجزت عن تنفيذه الحكومة العراقية خلال ثمانين عاما، فأحدثت تغييرا كبيرا في كافة أجزاء الإقليم وخاصة العاصمة اربيل التي حولتها من مدينة صغيرة الى واحدة من أجمل مدن العراق في كل نواحي الحياة، لتصبح فعلا العاصمة الثانية للبلاد ومقرا لكثير من المؤتمرات العراقية والدولية ومركزا من مراكز الاستثمار الإقليمي والعراقي، وأنهت واحدة من أكثر المشاكل تعقيدا الا وهي مشكلة الكهرباء، ووضعت خططا ومشاريع عملاقة لمعالجة مشكلة السكن، إضافة إلى مشاريع مهمة وإستراتيجية في ما يتعلق بالماء والمواصلات والجامعات والمطارات وبقية الخدمات.
نيجيرفان البارزاني يشغل حاليا منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني ويتمتع بعلاقات ايجابية وقوية مع مختلف القوى السياسية وخاصة المعارضة منها، كان قد قاد قبل سنة 2009 حكومة إقليم كوردستان وحقق نجاحات كبيرة رغم ما صاحبها من مساحات للخلل ونقاط للفساد هنا وهناك أنتجته عملية التغيير الشاملة الا انها تركت بصمات واضحة على شكل الإقليم وتطوره خلال السنوات التي قاد فيها هذا الرجل وطاقمه كابينتين مثيرتين في مرحلتين دقيقتين، الأولى تلك التي أسسها الحزب الديمقراطي الكوردستاني ابان الإدارتين المنفصلتين، والثانية بعد توحيدهما حيث كلفه رئيس الإقليم لتأسيس حكومة كوردستانية موحدة ضم فيها أغلبية القوى الموجودة على الساحة السياسية والاجتماعية، من الشيوعيين والعلمانيين والإسلاميين والمسيحيين والايزيديين والتركمان وغيرهم.
نيجيرفان بارزاني حفيد الزعيم الكوردي الكبير الملا مصطفى البارزاني، وهو النجل الأكبر لإدريس مصطفى البارزاني، احد ابرز قيادات البارزانيين المعاصرة، والذي توفي في ثمانينات القرن المنصرم بعد ان ترك بصمة كبيرة في نفوس شعبه وحزبه الذي يذكره كواحد من ابرز قياداته المتميزة تاريخيا، ونجله نيجيرفان بارزاني الذي لمع نجمه خلال العقد الأول من القرن الحالي بديناميكيته المعهودة ودبلوماسيته الشهيرة في كثير من المواقف الصعبة التي واجهت الإقليم داخليا وخارجيا، فقد وصف بأنه مهندس العلاقات الكوردستانية مع كل من تركيا وايران، اضافة الى دوره المتميز في رأب التصدعات في الجبهة الداخلية لما يعرف عنه بالحنكة والحكمة في معالجة المشاكل السياسية وبالذات تلك التي شهدها الإقليم في صراعات الحزبين او بين الحزب الديمقراطي والعمال الكوردستاني وحتى اشكاليات حركة التغيير مع الاتحاد الوطني الذي انشقت عنه.
واليوم يقود البارزاني نيجيرفان واحدة من اهم الكابينات الحكومية في اقليم كوردستان التي يفترض ان تشترك فيها المعارضة بشكل جدي ومهم لتمثل بقوة المجتمع الكوردستاني وفعالياته السياسية والاجتماعية في واحدة من اهم مراحل تطور الإقليم سياسيا واقتصاديا، حاملة الكثير من الحزم والسلال المليئة بالمشاكل مع مجموعات المعارضة التي يحتمل كثيرا أن تشارك في حكومة يقودها نيجيرفان بارزاني، إضافة إلى ملفات الفساد التي تحتاج الى تنفيذ ما توصلت اليه اللجنة التي شكلتها رئاسة الإقليم في مكافحة الفساد، والعمل من اجل تقليص مساحات الفقر والبطالة والأمية ورفع المستوى المعاشي للأهالي وتحديث الهيكل الحكومي، إلى جانب الملف الخارجي سواء مع الحكومة الاتحادية وملفات المناطق المستقطعة والميزانية والنفط والغاز وقوات البيشمه ركه وغيرها، او مع كل من تركيا وايران وحزب العمال الكوردستاني وموضوع الحدود وتجاوزها من قبل قوات الاطراف الثلاثة.
ربما ان هذه السلال المليئة بالمشاكل داخليا وخارجيا سيكون حملها ثقيلا في ظروف دقيقة ومعقدة الان، الا ان ما يشيع الارتياح لدى معظم الأهالي في الإقليم هو تمتع السيد نيجيرفان بارزاني بشعبية كبيرة ومواصفات أهلته وتأهله لقيادة المرحلة القادمة، لما عرف عنه من شخصية عملية ديناميكية وميدانية يهتم بقيادة حكومة تشترك فيها المعارضة بشكل جدي ومهم، إلى جانب تبنيه لعملية تحديث البنية الأساسية للدولة والمجتمع وتسخير رجال الأعمال والاستثمار والشركات العالمية من اجل تلك الخطط الطموحة، وذلك لأحداث نقلة نوعية لا في البناء فقط وإنما في التنمية البشرية ايضا التي يحتاج لها الإقليم.