ما من مقال كتبته إلا وسخرت فيه من المفردات التي اخترعتها الحكومات الوطنية والقومية من مثل حاقد وموتور وخائن وعميل للاستعمار والإمبريالية وانتهازي ورجعي وزئبقي والتي ألصقتها بحق خصومها من الدروايش والوطنيين. لكنني اليوم أجد نفسي فعلا مضطرا لاستعارة بعض من هذه المفردات - من بعد إذن هذه الحكومة - لاستخدامها في وصف كاتب معروف جدا بسفاهته وانفعاليته وتطرفه في سوريا، لكنه ليس كبيرا قطعا، أول حرفين من اسمه هو نبيل فياض. (بالمناسبة قد يكون شخص ما معروفا ومشهورا كثيرا لكنه ليس بالضرورة كبيرا أو محترما. مثال على ذلك معظم الفنانات والسياسيين في بلادنا..)
نبيل فياض اليوم هو أشبه ما يكون بالحكام العرب الذين ما إن يتبنوا موقفا أو قضية حتى ينفض الناس من حولها وتتحول إلى جواد خاسر. وبذات الوقت ما إن يتخذوا موقفا سلبيا من قضية أخرى حتى يجتمع الناس في وحدة وطنية نادرة حول هذه القضية. هذا هو بالضبط حاله وذلك بسبب لغته الاستفزازية التي لا يجوز نشرها في أي نشرة إلكترونية محترمة أو جريدة مرموقة، لأن كتابته أشبه ما تكون بالضرب على الرأس من تلك التي تدفع القارئ دفعا لاتخاذ الموقف المناقض والمعاكس والمتطرف له.
أنا شخصيا بكل تواضع، قرأت كثيرا لكتاب عديدين، لكن لم يسبق أن قرأت لكاتب بلغة نبيل فياض الاستفزازية، وأرجو أن يسعفني القارئ الذي اطلع على كتاب ينتمون لنفس مدرسته الاستفزازية، اللهم إذا استثنينا لغة الكتاب الصحفيين في الصحافة الرسمية الموجهة الذين تسلطهم الحكومة ضد خصومها في الدول المجاورة (وللأمانة حتى هؤلاء يكتبون بأسلوب أرقى وأكثر احترافية)، كذلك نستثني الكتاب العقائديين الذين يكتبون في بعض صحافة الجبهة الوطنية التقدمية الذين يهجمون على خصومهم الفكريين والعقائديين رفاق الأمس بأشنع مما كان عبد الناصر يهاجم في خطاباته خصومه من أعوان الاستعمار والإمبريالية. وهؤلاء الكتاب العقائديون هم الوحيدون الذين يمكن تشبيههم بنبيل فياض وهذا ليس فخرا له على الإطلاق لأنه صغار جدا وثقافتهم بالنسبة له هي بمرتبة الصفر من الواحد.
أنا مع حرية الرأي والرأي الآخر ومع حق كل إنسان في أن يقول ويعلن ما يؤمن به لكن بشرط أن يكون ذلك ضمن حدود الذوق والأدب والأخلاق، أما أن يستخدم الكاتب الألفاظ السوقية التي تنافي الذوق السليم، عند ذلك أنا أنادي بالصوت العالي بضرورة منعه من الهذر والكتابة الاستفزازية التي تفرق أكثر ما تجمع، وتضر أكثر مما تفيد حرصا على المكان الذي ينشر فيه هذا الكاتب الذي إذا ما استمر بنشر أعماله في هذه النشرة أو الجريدة فإنها سرعان ما ستفقد مصداقيتها. وأنا أدلل وأثبت كلامي بأنه ما من صحيفة رزينة ومحترمة اليوم تقبل أن تنشر لنبيل فياض، باستثناء ذلك المقال الذي راح يتغزل وينافق فيه للأمن والذي نشره يوما في جريدة تشرين.
نطالب السيد فياض بأن يحترم نفسه وثقافته، وبهذه المناسبة اسمحوا لي أن انحني لثقافة هذا الرجل. الرجل قارئ مجتهد، وهو كما يقال تعبان على نفسه . لكنه للأسف يوظف ثقافته للهدم والشتم وليس للتنوير، مستخدما كما قلنا كل ما تسعفه به ذاكرته من ألفاظ سوقية واستفزازية تضيع الغاية من المقال الذي يكتبه.
فهو لشدة ادعائه بمعاداة الطائفية نراه طائفيا أكثر من الطائفيين
ولشدة حقده على الإسلام نراه أصوليا يهوديا
ولشدة دفاعه عن اليهود نظن أنه من المحافظين الجدد وربما سنسمع أنه مرشح للكونغرس الأمريكي وبعدها سوف يعدلون له الدستور ويرشحونه لرئاسة الولايات المتحدة التي يشترط دستورها لتاريخه في المرشح للرئاسة الأمريكية أن يكون أمريكيا بالولادة وليس بالتجنس.
ولشدة هجومه على الدكتاتورية نراه دكتاتوريا أكثر من الدكتاتوريين
أنا عدم المؤاخذة لا أعرف نبيل فياض شخصيا، لكنني أعرفه من خلال عناوين كتبه التي يتباهى بأنها ممنوعة وتطبع عدة مرات. تأملوا في عناوين كتبه: يوم انحدر الجمل من السقيفة (يقصد أبا بكر) و أم المؤمنين تأكل أبناءها (يقصد عائشة) لكن القارئ كما قلت في متن هذه المقالة المتواضعة سرعان ما يتعاطف مع من يتهجم عليه نبيل فياض وذلك بشكل عفوي. فأنا شخصيا - نكاية به - صرت أحب أبا بكر وعائشة وعمرو ابن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وزياد بن أبيه والحجاج وليقاضني إن كان له عندي شيء.
كلمة أخيرة بقي أن نقولها لهذا الرجل، بأنه ما لم يراجع لغته ويحترم ثقافته ويخفف من انفعاله والسفاهة في مفرداته، فسيخسر قراءه الواحد تلو الآخر وسينفضون عنه تباعا كما ينفض طلاب المتعة عن العاهرة التي انتهت فترة صلاحيتها.