لم تكن سورية ضمن دول محور الشر ؛ تلك التسمية الشهيرة التي أطلقها الرئيس بوش في يناير/كانون الثاني 2002، أثناء الخطاب السنوي للاتحاد، الذي وصف فيه العراق وإيران وكوريا الشمالية بأنهم أكبر التهديدات لأمن الولايات المتحدة. وبعد ذلك الخطاب، صار العراق هدفاً لغزو أمريكي عسكري للإطاحة بنظامه، ومحاولة إنشاء ديمقراطية حية في قلب الشرق الأوسط. غير أن الولايات المتحدة قررت عدم الدخول في مواجهة عسكرية ضد كوريا الشمالية وإيران، وشرعت في محادثات سداسية في شأن كوريا الشمالية، ودعمت مفاوضات نووية بين إيران وثلاث دول أوروبية قيادية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
ومع أن سورية لم تكن ضمن دول محور الشر في ذلك الخطاب السنوي، فقد بات واضحاً اهتمام واشنطن باتخاذ إجراءات ضد النظام السوري أقوى بكثير من أي إجراءات مماثلة جرى التفكير فيها في شأن إيران أو كوريا الشمالية. ففي خلال الأشهر القليلة الماضية ظهرت تقارير كثيرة في صحف الولايات المتحدة تشير إلى أن إدارة الرئيس بوش تبحث استراتيجية لتغيير النظام في سورية. وتختلف الروايات حول مدى التزام الولايات المتحدة بتلك الاستراتيجية والوسائل التي ربما تنتهج لتحقيق تلك الغاية. ويبدو أنه ليس هناك تفكير في تدخل عسكري أمريكي رئيس في سورية مثلما حدث ضد صدام حسين. ومما يبدو كذلك أن السياسة التي يجري رسمها هي البحث عن فرص مواتية للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، أو على الأقل رسم سياسة تستغل أي تغيير سياسي مفاجئ. ومما يدعم هذا التفكير الأمريكي التقارير التي تتحدث عن احتمال الإطاحة ببشار بواسطة المقربين من أفراد حاشيته، في ظل تصاعد الضغوط على القيادة السورية فيما يتعلق بحادث اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005.
تتضمن بعض الخيارات السياسية الأمريكية الجاري بحثها خيار العمل العسكري الأمريكي ضد منشآت سورية على الحدود العراقية، في حال تورطت مثل هذه المنشآت في مساعدة المسلحين الذين يدخلون العراق عبر البوابة السورية. وفي الواقع ، أوردت صحيفة نيويورك تايمز ، في عددها الصادر بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول 2005، أن القوات الأمريكية في العراق تصادمت مع قوات الحدود السورية مرات عديدة خلال العام، عندما حاولت القوات الأمريكية منع تدفق المسلحين إلى داخل العراق، وأسفرت إحدى هذه المصادمات عن مقتل العديد من الجنود السوريين. وقد نقلت الصحيفة في تقريرها هذا أن المسؤولين الأمريكيين نفوا أن تكون القوات الأمريكية قامت فعلا بعبور الحدود السورية- العراقية، غير أن مصادر أخرى أشار إليها التقرير ذكرت أن وحدات من القوات الخاصة الأمريكية قامت أحياناً بعبور الحدود، سواء بقصد أو بغير قصد.
ووفقاً لتعليقات منشورة أدلى بها مسؤولون أمريكيون، يبدو أن السياسة الأمريكية لا تضع في حساباتها تقديم دعم قوي ودائم لأيٍ من حركات المعارضة السورية. بل يصعب حتى تحديد أي حركة من حركات المعارضة يمكن الوثوق بها لتجني الفائدة الأكبر من الدعم الأمريكي. ولعل الاستثناء الوحيد لذلك هو حركة الإخوان المسلمين التي سحقها النظام في حماة عام 1982، ولكنها شرعت في استعادة كيانها ووجودها كحركة سرية بعيداً عن الأضواء خلال السنوات القليلة الماضية. ولكن من المرجح ألا تحصل حركة الإخوان على الدعم الأمريكي، وذلك لأنها حركة إسلامية تشترك في جذورها مع الجناح المصري لتنظيم القاعدة، رغم عدم وجود أي علاقات مباشرة بين جماعة الإخوان السورية وزعامة القاعدة. وبصرف النظر عن الدور العسكري الأمريكي على الحدود السورية- العراقية، يبدو أن ذلك الدور، حتى الآن، يركز على منع المقاتلين من دخول العراق، وليس على توفير الدعم العسكري لأي عناصر معارضة داخل سورية. ولكن إدارة بوش عقدت اجتماعات مع بعض عناصر المعارضة السورية في المنفى من أمثال فريد الغادري الذي يتزعم حركة تعرف باسم حزب الإصلاح السوري.
التقارير التي تشير إلى تحول أمريكي نحو تطبيق استراتيجية لتغيير النظام، يؤيدها تكثيف في الانتقادات الرسمية لسورية. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2005، وصف الرئيس بوش سورية وإيران بأنهما حلفاء مصلحة مع المتطرفين الإسلاميين غير العراقيين الذين ينضمون إلى المسلحين في العراق. وقد جاءت هذه التعليقات عقب تصريح لاذعٍ أدلى به، في 12 سبتمبر/أيلول، السفير الأمريكي لدى العراق زلماي خليل زادة الذي قال إن صبر الولايات المتحدة قد بدأ ينفد مع سورية (لسماحها للمسلحين بالعبور إلى العراق)، وفي ذلك التصريح اتهم السفير سورية بأنها تؤوي معسكرات تدريب، يتجمع فيها المقاتلون الأجانب، استعداداً لدخول العراق.
لم تتجاهل سورية الرسائل الصادرة من واشنطن، إذ أجرى الرئيس بشار الأسد مقابلة تلفزيونية مع شبكة سي.إن.إن ، باللغة الانجليزية، أنكر فيها أي تورط رسمي سوري في اغتيال الحريري أو تقديم أي مساعدة للمقاتلين الأجانب الذين يدخلون العراق. وأوضح أن هذين الفعلين يتعارضان مع المصالح السورية، مما يجعل افتراض تعمد سورية القيام بأي منهما أمراً غير منطقي. وفيما يخص العراق، أشار بشار إلى أن من الصعب على سورية حراسة حدودها الطويلة مع العراق لمنع دخول المقاتلين الأجانب إليه، وعزا دخول المتطوعين إلى حال الفوضى داخل العراق وليس لخطأ الدول المجاورة. كذلك أوقفت سورية إلى حد كبير تعاونها مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب، الذي ازدادت وتيرته نسبيا منذ 11 سبتمبر/أيلول، رغم تعرض الدولتين فيما يبدو لتهديدات مماثلة من المتطرفين الإسلاميين من أنصار القاعدة.
هناك الكثير من السيناريوهات المحتملة. فربما يؤدي تقرير ميليس إلى عملية سياسية تبلغ في نهايتها هدف إطاحة النظام، وبسرعة، مما يترك الولايات المتحدة في محاولات لتوجيه عملية الخلافة على الزعامة السورية، لتنتهي إلى مخرجات تصب في مصلحتها. أما البديل لهذا السيناريو، فهو ألا يستطيع خلفاء النظام إحكام السيطرة على الأمور، مما سيؤدي إلى فلتان أمني واسع، فإذا حدث ذلك تقلصت خيارات واشنطن، بحيث لا يبقى أمامها سوى انتظار تشكيل نظام جديد. السيناريو الثاني هو احتمال خروج النظام السوري سالماً من العملية السياسية التي أعقبت صدور تقرير ميليس، وبذلك يكون أمام الولايات المتحدة الفرصة للاختيار بين محاولة إسقاطه سياسيا أو الإبقاء عليه. فإذا كانت إطاحة النظام هي السياسة المختارة، فإن تنفيذها ربما يكون في هيئة دعم لحركات المعارضة السورية، أو الضغط على دمشق بعمل عسكري على الحدود السورية-العراقية. غير أنه ليس هناك ما يضمن نجاح هذا الخيار. وإذا كتب له النجاح، فلن يكون شكل النظام الجديد مؤكداً، فقد تظهر في دمشق حكومة أكثر تعاطفاً مع التمرد في العراق، وأقل استعداداً من النظام الحالي للتعاون في محاربة تنظيم القاعدة.