الفصل الثالثموت إنكيدووحزن جلجامش عليه وسعيه وراء الخلود أقام جلجامش حفل فرح في قصرهنام البطلان واستراحا في فراشهما مساءوعند ما نام (( أنكيدو )) رأى حلمافنهض أنكيدو وقص رؤياه على صاحبه وقال(( يا صاحبي لِمَ اجتمع الآلهة على العظام في مجلس الشورى اللوح السابع : ثم طلع النهار فقص أنكيدو رؤياه على جلجامش قائلا :(( يا صاحبي أي حلم عجيب رأيت الليلة الماضية !( رأيت ) أن (( آنو )) و (( انليل )) و (( إيا )) وشمش السماويقد اجتمعوا يتشاورون وقال آنو لأنليل :(( لا نهما قتلا الثور السماوي وقتلا خمبابافينبغي أن يموت ذلك الذي أقتطع أشجار لأرز من الجبالولكن انليل أجابه قائلا : (( إن أنكيدو هو الذيسيموت ، ولكن جلجامش لن يموت ))ثم إنبرى (( شمش )) السماوي وأجاب انليل البطل وقال :ألم يقتلا ثور السماء و (( خمبابا )) يأمر مني ؟فعلام يقع الموت على أنكيدو وهو بريء))؟فالتفت أنليل إلى (شمش)السماوي وأجابه حانقا:(ألا نك تطلع عليهم كل يوم حتى صرت كأنك واحد منهمرقد ((انكيدو))مريضا أمام جلجامشوأخذت الدموع تنهمر من عينيهفقال له جلجامش :يا أخي العزيز علام يبرؤنني من دونكوأردف يقول :هل سيتحتم على أن أراقب أرواح الموتىوأجلس عند باب الأرواح ؟وهل سيكتب عليه أرى صاحبي العزيز بعيني ؟)). . . . . . . . .(هنا ينتهي مابقى من اللوح ولكن يستبان من سياق القصة ومماسيلي إن (انكيدو) وقد رقد على فراش الموت وأدرك قرب نهايته أخذتتتوارد عليه الخواطر والذكريات، فود لو أنه ماجاء إلى حياة الحضارة بلظل في باديته سعيدا خالي البال يرعى مع الظباء، والحيوان . واخذ يكيلاللعنات على من زين له المجيء إلى المدينة. فصار يلعن الباب الذيصنعه ودخل منه ،والصياد الذي جاء إليه بالبغي ، والبغي التي زينت لهالمجيء إلى أوروك . ويروي لنا هذا المشهد المؤثر النص الأشوري بعدنقص في أوله ،كما في الترجمة الآتية):ـ((رفع انكيدو عينه وخاطب الباب كما لو كان إنسانامع إن باب خشب الغابة لا يفهم ولا يعقل:(( اخترت خشبك من مسافة عشرين ساعة مضاعفةقبل أن أبصر أشجار الأرز الباسقةإن خشبك، يا باب ،لم أر مثيلا له في البلادعلوك اثنتان وسبعون ذراعا ،وأربع وعشرون ذراعا عرضكلقد صنعك نجار ماهر في (( نفـّر )) وجلبك منها .أيها الباب لو كنت أعلم أن هذا ما سيحل بيوان جمالك سيجلب علي المصائبإذن لرفعت فأسي وحطمتكوان جمالك سيجلب علي المصائبولجعلت منك كلكا (طوافة )ولكن ما الحيلة يا باب وقد صنعتك وجلبتكلعل ملكا ممن سيأتي من بعديسيستعملك ويزيل اسمي ويضع اسمه ))سمع جلجامش قول صاحبه ((انكيدو )) فجرت دموعهفتح جلجامش فاه وقال لانكيدو :-((حباك انليل بقلب واسعومنحك الحكمة ولكنك تقول قولا شططاً.علام ياصاحبي نطقت بهذه الأقوال الغريبة ؟كانت رؤياك رؤيا عجيبة ! ولكنها مخيفةويا ما أكثر الرؤى العجيبة !يسلط الآلهة على الأحياء الأحزانوستلط الرؤى على الباقين من الأحياء الأحزانسأنام وأتضرع إلى الآلهة ))(يعقب هذا السطر نقص كبير في النص من نحو 50 سطرا وقد رأى بعض الباحثين ترجمة قسم منه على الوجه الذي أثبتناه في الترجمـــــــــة schott,das Gilgamesh epos,51-62)) وبعد إن يبدأ النص السالم نجد ((انكيدو )) يدعو الإله ((شمش)) ليحل اللعنات بالصياد ) :-ثم أخذ يلعن الصياد والبغي ويقول :((اسلب (الصياد ) ماله وأحل به الوهنوعساك إن لا تتقبل منه أعمالهوعسى إن يفر كل صيد يروم اقتناصهوان لا تتحقق له أمنية من أماني قلبه ))ثم دفعه قلبه إلى أن يلعن البغي فقال :-((تعالي أيتها البغي اقدر لك مصيركوهو مصير لن ينتهي إلى الأبدسألعنك لعنة كبرىستحل بك لعنتي في الحاللن تستطيعي إن تبني بيتا يليق بجمالك(نقص من نحو 8-9 اسطر )(( ليكن أكلك من فضلات المدينةستكون زوايا الدروب المظلمة مأواكوفي ظل الجدار سيكون وقوفكوسيلطم السكران والصاحي خدكوعسى إن ينبذك عشاقك بعد إن يقضوا وطرهم من سحرجمالك ))(نقص أيضاً من نحو 10 اسطر )ولما إن سمع الإله شمش كلامه ناداه من السماء وكلمه :-((علام تلعن البغي يا نكيدو ؟تلك التي علمتك كيف يؤكل الخبز الائق بسمة الإلوهيةواستقتك خمرا يليق بسمة الملوكيةوالبستك الحلل الفاخرةوأعطتك جلجامش الوسيم خلا وصاحباأفلم يجعلك جلجامش ، خلك وأخوكتنام على الفراش الوثيراجل انه جعلك تنام على سرير الشرفوأجلسك على كرسي الراحة الذي إلى شمال (يساره)وجعل أمراء الأرض يقبلون قدميكوسيجعل أهل ((أوروك)) يبكونك ويندبونكويجعل الفرحين من الناس يقربون ويصلون من أجلكأما هو نفسه فسيطلق شعره من بعدكويلبس جلد الأسد ويهيم على وجهه في الصحارى ))ولما سمع انكيدو ((شمش )) البطل ، هدات سورة غضبه(انخرام من سطرين ، ويتضح مما سيلي إن انكيدو ندم على كيل العنات للبغي فبدلها بركات إذ يعاود خطابه للبغي) :تعالي أيتها البغي لأقدر مصيركإن لساني الذي لعنك قد تبدل ليباركك((سيحبك الملوك والأمراء والعظماءولن يضرب أحد فخذه مستعيبا أياكومن أجلك سيهز الشيخ لحيتهوسيحل الشباب أحزمتهم من أجلك(وسيقدمون) لك اللازورد والذهب والعقيقوعسى أن يحل العقاب بكل من يمتهنكويكون بيته واهراؤه خاليةوسيدعك الكاهن تدخلين إلى حضرة الآلهةومن أجلك ستهجر الزوجة ،ولو كانت أم سبعة))ثم اشتد المرض بأنكيدو ولبث راقدا على فراش المرضوصار يبث أحزانه في تلك الليلة إلى صديقهوناجاه قائلا:يا خلي ، رأيت الليلة الماضية رؤياكانت السماء ترعد فاستجابت لها الأرضوعندما كنت واقفا ما بينهماظهر أمامي شخص مكفهر الوجهكان وجهه مثل وجه طير الصاعقة (زو)ومخالبه كأظافر النسرلقد عراني من لباسيوأمسسك بي بمخالبهوأخذ بخناقي حتى خمدت أنفاسي( نقص من نحو 12 سطرا)لقد بدل هيئتي فصار ساعداي مثل جناحي طائرمكسوتين بالريشونظر إلي وأمسك بي وقادني إلى دار الظلمة ،إلى مسكن(إراكلاََّ)إلى البيت الذي لايرجع منه من دخلهإلى الطريق الذي لارجعة لسالكهإلى البيت الذي حرم ساكنوه من النورحيث التراب طعامهم والطين قوتهموهم مكسوون كالطير بأجنحة من الريشويعيشون في ظلام لا يرون نوراًوفي بيت التراب الذي دخلتشاهدت الملوك والحكامورأيت تيجانهم قد نزعت وكدست على الأرضأجل ! رأيت أولئك العظماء الذين لبسوا التيجانوحكموا البلاد في سابق الأياموكان نواب ( انو) و(انليل) هم وحده الذينيقدم لهم شواء اللحمويقدم لهم الخبز ويسقون الماء البارد من القربوفي بيت التراب الذي دخلتيسكن الكاهن الأعلى وخدم المعبدويسكن كهنة التطهير والرقاة والمعوذنويسكن الذين يقدمون زيت المسح للآلهة العظامويسكن ( إيتانا) و(سموقان)وتحكم ( ا يرش ــ كيكَال ) ملكة الأرض السفلىو( بعلة صيري) ، كاتبة الأرض السفلى تسجد أمامهاوبيدها رقيم تقرأ لها منهولما رفعت رأسها أبصرتني فقالت :ـمن الذي أتى بهذا الرجل إلى هنا ؟نحيه عني !(الباقي من النص الأشوري ومقداره نحو 50_55 سطرا مخروم ،وتوجد كسرة من لوح بيدو أنها تعود إلى سياق القصة هنا وتحتوي على الكلاميظهر انه موجه من جلجامش إلى أمه الآلهة ((ننسون)) وهو النص الذيتلي ترجمته )(( لقد رأى صديقي رؤيا تنذر بالشر))ولما انقضى اليوم رأى فيه ((انكيدو)) الرؤيااشتد به المرض فظل ملازما فراشه يوما وثانيا وثالثاورابعا وخامسا وسادسا وسابعا وثامنا وعاشراوثقل المرض على ((انكيدو)) ، ومضى اليوم الحادي عشر والثاني عشر وهولا يزال راقدا على فراش المرض ، فدعا إليه جلجامشوكلمه قائلا:ـ((يا صاحبي لقد حلت بي اللعنةفلن أموت ميتة رجل سقط في ميدان الوغىكنت أخشى القتال (ولكنني سأموت ذليلا حتف أنفي)فمن يسقط في القتال يا صديقي فأنه مبارك(باقي النص مخروم ، ثم يلي اللوح الثامن، الحقل الأول)عندما نورت أولى خيوط الفجر قال جلجامش لصديقه :ـ(( يا ((انكيدو)) إن أمك ظبية وأبوك حمار الوحش ،وقد ربيت على رضاع لبن الحمر الوحشيةلتندبك المسالك التي سرت فيها في غابة الأرزوعسى ألا يبطل النواح عليك مساء نهاروليندبك شيوخ أوروك ، ذات الأسواروليبكك الأصبع الذي أشار إلينا من ورائنا وباركنافيرجع صدى البكاء في الأريافوليندبك الدب والضبع والنمر والأيل والسبعوالعجول والظباء وكل حيوان البريةليندبك نهر (( أولاً)) الذي مشينا على ضفافهوليبكك الفرات الطاهر الذي كنا نسقي منهلينح عليك محاربو (( أوروك)) المحصنة... ذبحنا الثــــور... ليندبك ...ليبكك من عظم أسمك في أريدوومن مسح ظهرك بالزيت المعطر وسقاك الجعةولينح عليك من أطعمك الغلةولتبكك الأخوة والأخواتثم دعا جلجامش الصناع والنحاسين والنحاتين وقال لهم أصنعوا تمثالا لصديقيوصنع التمثال لصديقه( بعد إنخرام في النص يأتي الحقل الثاني من اللوح الثامن ):ـ(( اسمعوني أيها الشيبة ( الشيوخ ) وأصغوا ليمن أجل (( انكيدو)) ،خلي وصاحبي ، أبكيوأنوح نواح الثكلىأنه الفأس التي في جنبي وقوة ساعديوالخنجر الذي في حزامي والمجن الذي يدرأ عنيوفرحتي وبهجتي وكسوة عيديلقد ظهر شيطان رجيم وسرقه منييا خلي وأخي الأصغرلقد طارت حمار الوحش في التلالاقتنصت النمور في الصحارى(( أنكيدو!)) يا صاحبي ، وأخي الأصغرالذي اقتنص حمار الوحش في النجاد والنمر في الصحاريتغلبنا معا على الصعاب وارتقينا أعالي الجبالومسكنا بالثور السماوي ونحرناهقهرنا خمبابا الساكن في غابة الأرزفأي سنة ( من النوم) هذه التي غلبتك وتمكنت منك ؟طواك ظلام الليل فلا تسمعني ))ولكن (( أنكيدو )) لم يرفع عينهفجس قلبه فلم ينبضوعندك ذاك برقع صديقه كالعروسوأخذ يزأر حوله كالأسدوكاللبؤة التي اختطف منها أشبالهاوصار يروح ويجيء أمام الفراش وهو ينظر إليهوينتف شعره ويرميه على الأرضمزق ثيابه الجميلة ورماها كأنها أشياء نجسةولما إن لاح أول خيط من نور الفجر نهض جلجامش. . . . (نقص)ونادى صناع المدينة وصاح بهم :-((أيها الصفار والصائغ والجوهريونحات الأحجار الكريمة اصنعوا لي تمثالا لخلي ))ثم نحت لصديقه تمثالا جاعلا صدره من اللازورد وجسمه من الذهبونصب منضدة من الخشب القويوإناء من اللازورد مملوءا بالزبدوقرب ذلك إلى (( شمش ))وشرع يندب صديقه ويرثيه .(انخرام في النص لا يعلم مقداره بوجه التأكيد ولعله يقارب الستين سطرا ثم يعقب ما يأتي في العمود الثالث من اللوح الثامن ) :-((على فراش المجد أضجعتكوأجلستك على كرسي الراحة الذي إلى شمالي (يساري)لكي يقبل أمراء الأرض قدميكسأجعل أهل ((أوروك)) يبكون عليك ويندبونكوسأجعل أهل الفرح يحزنون عليكوأنا نفسي (بعد إن توسد في الثرى ) سأطلق شعريوالبس جلد الأسود وأهيم على وجهي في الصحارى ))(باقي النص مشوه تتعذر ترجمته ، ولكن يبدو من سياق القصة إن جلجامش بعد إن قام بشعائر الدفن الخاصة ، صار يرثي صديقه ويندبه ويبكيه ليل نهار ، ثم شرع يهيم على وجهه في البراري ، ومن بعد ذلك قام برحلته البعيدة قاصدا جده ((اوتو ـــ نبشتم )) ليسأله عن الخلود ، ويأتي من بعد ذلك اللوح التاسع). اللوح التاسع :العـمود الأول : من أجل أنكيدو ، خله وصديقهبكى جلجامش بكاء مراوهام على وجهه في الصحاري ( وصار يناجي نفسه ) :إذا ما مت أفلا يكون مصيري مثل أنكيدو ؟لقد حل الحزن ولأسى بجسميخفت من الموت ، وها أنا أهيم في البواديوالى بيت (( أوتو _ نبشتم )) ابن (( اوبار توتو ))أخذت الطريق وحثثت الخطى إليهولما بلغت مجازات الجبال في المساءرأيت الأسود فتملكني الخوف والرعبفرفعت رأسي إلى (( سين )) وصليت لهوابتهلت إلى العظيم بين الآلهة ودعوت انم يحميني ويحفظنيوفي المساء اضطجع فأيقظه حلم رآهرأى ( الأسود حواليه ) وهي تمرح مسرورة في ضوء (( سين )) ( القمر )رفع فأسه بيده وأستل سيفه من غمدهوانقض عليهم كالسهمفضربها وجعلها تفر منه( ثم بلغ جلجامش جبلا عظيما )( باقي النص مخروم (( نحو 32 سطرا )) يدل ما بقى منه على أن جلجامش بلغ الجبال التي سيأتي وصفها ):وكان أسم الجبل (( ماشو ))لقد قصد جبل (( ماشو )) فبلغه( وهو الجبل ) الذي يحرس كل يوم شروق الشمس وغروبهاوالذي تبلغ أعاليه قبة السماءوفي الأسفل ينزل صدره إلى العالم الأسفلويحرس بابه (( الرجال العقارب ))الذين يبعثون الرعب والهلع ، ونظراتهم الموتويطغى جلالهم المرعب على الجبالالذين يحرسون الشمس في شروقها وغروبهاولما أبصرهم جلجامش اصفر وجهه فزعا وهلعاولكنه استعاد ربطة جأشه وأقترب منهمفنادى أحد (( الرجال العقارب )) زوجه وقال لها :(( إن الذي جاء إلينا جسمه من مادة الآلهة ))فأجابت زوجة (( الرجل العقرب )) زوجها وقالت :(( أجل إن ثلثيه الــه وثلثه الأخر من مادة بشرية )) .ثم نادى (( الرجل العقرب )) جلجامشوخاطب نسل الآلهة بهذه الكلمات :-(( ما الذي حملك على هذا السفر البعيد ؟وعلام قطعت الطريق الطويل وجئت عابرا البحر الشاق العبور ؟أبن لي القصد من المجئ إلى :( يتبع نقص من عدة أسطر )فأجابه جلجامش قائلا :-(( أتيت قاصد أبي ، أوتو نبشتم ، باحثا عن الحياةأبي الذي دخل في مجمع الآلهةجئت لأسأله عن ( لغز ) الحياة والموت ))ففتح (( الرجل العقرب )) فاه وقال مخاطبا جلجامش :-لا يوجد إنسان يستطيع ذلك يا جلجامشلم يعبر أحد من البشر مسالك الجبالإن داخلها يمتد اثنتي عشرة ساعة مضاعفةوالظلام حالك ولا يوجد نوروالى مطلع الشمس . . . . .والى مغرب الشمس . . .( الباقي وخروم ، ويبدو من السياق أن الرجل العقرب يسترسل في وصف رهبة مسالك الجبال ووعورتها ) :( فأجاب جلجامش ) : عزمت على أن أذهب بالحزن والألموفي القر والحر وفي الحسرات والبكاءفافتح لي الآن باب الجبلففتح الرجل العقرب فاه وأجاب جلجامش :(( ادخل يا جلجامش ولا تخفأذنت لك أن تعبر جبال (( ماشو ))وعساك أن تقطع الجبال وسلاسلهاوعسى أن تعود بك قدماك سالماوها هو باب الجبل أمامك )) ؟ولما أن سمع جلجامش اتبع كلمة (( الرجل العقرب ))أتبع طريق مسير الشمسولما قطع ساعة مضاعفة كان الظلام دامسا ولا يوجد نورفلم يستطيع أن يبصر ما أمامه ولا ما خلفهوسار ساعتين مضاعفتين ثم أربع ساعاتولم يزل الظلام حالك ولا نور هناكفلم ير ما أمامه وما خلفه( إنخرام من نحو 15 سطرا ، والكن يمكن تكميل النقص باستمرار سيره ثلاث ساعات مضاعفة ثم أربعا وخمسا الخ ) .وسار خمس (( ساعات مضاعفة )) وست ساعاتوسبع ساعات وثماني ساعات مضاعفةولم يزل الظلام دامسا ولا نور يمكنه أن يبصر ما أمامه وما خلفهوبعد أن قطع تسع ساعات مضاعفة أحس بالريح الشمالية تلطم وجههولكن الظلام لم يزل دامسافلم يستطع أن يبصر ما أمامه وما خلفهثم سار عشر ساعات مضاعفة وبعد إحدى عشر ساعة بزغ الفجر .وبعد أن قطع اثنتي عشرة مضاعفة عَمَ النوروأبصر أمامه أشجارا تحمل الأحجار الكريمة .ولما رآها اقترب منهافوجد الأشجار التي أثمارها بعقيقوتتدلى الأعناب منها ومرآها يسر الناظرووجد الأشجار التي تحمل أللازورد فما أبها مرآهارأى الشوك والعوسج الذي يحمل الأحجار الكريمة واللؤلؤ البحري( باقي اللوح التاسع مخروم لم تبق منه أجزاء واضحة تستحق الترجمة ) ولكن يستدل من الأجزاء القليلة السالمة أن الباقي من هذا اللوح يواصل وصف تلك البساتين العجيبة ويستمر النقص إلى أن نجد جلجامش في اللوح العاشر ليصل إلى ساحل البحر حيث يلتقي بصاحبه الحانة التي كان للقائه بها علاقة بطريقة وصوله إلى جده (( أوتو ــ نبشتم )) الخالد ، وهو موضوع الطوفان كما سيأتي :(( سدوري صاحبة الحانة الساكنة عند ساحل البحرشاهدت جلجامش مقبلا وكان لباسه من الجلودووجهه أشعث كمن سافر سفراً طويلا ويبدو العناء والتعبولكن جسمه من مادة الآلهةفنظرت صاحب الحانة إلى جلجامش وناجت نفسها بهذه الكلمات :ـيبدو أن هذا الرجل قاتل فليت شعري إلى أين يريدفأوصدت بابها لما رأته يقترب وأحكمت غلقه بالمزلاجفسمع جلجامش صرير الباب فنادى صاحبة الحانة وقال :(( ما الذي أنكرت في يا صاحبة الحانةحتى أوصدت بابك بوجهي وأحكمت غلقه بالمزلاج ؟لاحطمن بابك وأكسر المدخل ))وأردف جلجامش قائلا لصاحبة الحانة :ـ(( أنا جلجامش ،أنا الذي قبضت على الثورالذي نزل من السماء وقتلتهوغلبت حارس الغابة وقهرت ((خمبابا))فأجابت صاحبة الحانة جلجامش وقالت له :(( إن كنت حقا جلجامش الذي قتل حارس الغابةوغلبت خمبابا الذي يعيش في غابة الأرزوقتل الأسود في مجازات الجبال وأمسك بثور السماء وقتلهفلم ذبلت وجنتاك ولاح الغم على وجهك ؟وعلام ملك الحزن قلبك وتبدلت هيئتكولم صار وجهك أشعث كوجه من سافر سفرا طويلاوكيف لفح وجهك الحر والقر؟وعلام تهيم على وجهك في الصحارى ؟))فأجاب جلجامش صاحبة الحانة وقال لها :ـ(( كيف لا تذبل وجنتاي ويمتقع وجهيويملأ الأسى والحزن قلبي وتتبدل هيئتيفيصير وجهي أشعث كمن أنهكه السفر الطويلويلفح وجهي الحر والقر وأهيم على وجهي في الصحارىوقد أدرك (( مصير البشر )) صاحبي وأخي الأصغرالذي صاد الحمر الوحشية والنمور في الصحارىوالذي تغلب على جميع الصعابوغلب خمبابا الذي يسكن غابة الأرزأنه (( أنكيدو )) صاحبي وخلي الذي أحببته حباً جمالقد أنتهي إلى ما يصير إليه البشر جميعافبكيته في المساء وفي النهارندبته ستة أيام وسبع ليالمعللا نفسي بأنه سيقوم من كثرة بكائي ونواحيوامتنعت عن تسليمه إلى القبرأبقيته ستة أيام وسبع ليال حتى تجمع الدود على وجههفأفزعني الموت حتى همت على وجهي في الصحارىإن النازلة التي حلت بصاحبي تقض مضجعيآه! لقد غدا صاحبي الذي أحببت تراباوأنا ، سأضطجع مثله فلا أقوم أبد الابدينفيا صاحبة الحانة ، وأنا أنظر إلى وجهك ،أيكون في وسعي ألا أرى الموت الذي أخشاه وارهبه ؟ ))فأجابت صاحبة الحانة جلجامش قائلة له :ـ(( إلى أين تسعى يا جلجامشإن الحياة التي تبغي لن تجدحينما خلقت الآلهة العظام البشرقدرت الموت على البشريةواستأثرت هي بالحياةأما أنت يا جلجامش فليكن كرشك مليئا على الدواموكن فرحا مبتهجا نهار مساءوأقم الأفراح في كل يوم من أيامكوأرقص وألعب مساء نهاروأجعل ثيابك نظيفة زاهيةوأغسل رأسك وأستحمم في الماءودلل الصغير الذي يمسك بيدكوأفرح الزوجة التي بين أحضانكوهذا هو نصيب البشرية))( ولكن ) جلجامش أعادة الخطاب إلى صاحبة الحانة قائلا :(( يا صاحبة الحانة أين الطريق إلى (( اوتو نبشتم))دليني كيف أتجه إليهفإذا أمكنني للوصول إليه فأنني حتى البحار سأعبرهاوإذا تعذر الوصول إليه فسأهيم على وجهي في الصحارىفأجابت صاحبة الحانة جلجامش وقالت له :ـ(( يا جلجامش لم مل يعبر البحر من قبلك أحدأجل ! إن (( شمش )) القدير يعبر البحر حقاولكن من غير شمش يستطيع عبوره ؟إن عبوره شاق عسير .وما عساك ستصنع لما تبلغ مياه الموت العميقة ؟ولكن يا جلجامش هناك ((أور شنابي )) ملاح (( اتو _ نبشتم ))وعنده صور الحجر وها هو الآن في الغابة يقتطف النباتفعسى إن تراه عيناكوإذا أمكنك فأعبر بصحبته والا فعد إلى وطنك ))ولما سمع جلجامش ذالك اخذ فأسه واستل خنجره من حزامهوتغلغل إلى الغابة واتجه إليهاوانقض عليها كالسهم وكسرها وهو في سورة غضبهرفع (( أور _ شنابي )) عينيه وأبصر جلجامش فصاح به :قل لي ما أسمك ؟ أما أن فأسمي (( أور _ شنابي ))من التابعين ل(( اوتو _ نبشتم )) القاصيفأجاب جلجامش (( أور_ شنابي )) ، وقال له :(( اسمي جلجامش ، أنا الذي قدم من أوروك ، من (( إِِي _ أنَّا))وأجتاز البحار وركب الأسفار الطويلة من مطلع الشمسجئت لأراك . فيا (( أور شنابي ))، وقد رأيت وجهكدلني على (( اوتو _ نبشتم )) ، القاصي ))فأجاب (( أور _شنابي )) جلجامش وقال له :( ولكن ) لم ذبلت وجنتاك وامتقع وجهك ؟وعلام غمر الحزن قلبك وتبدلت هيئتك؟فصار وجهك أشعث كمن عانى الأسفار الطويلةولم لفح وجهك الحر والقروهمت على وجهك في الصحارى ))فأجاب جلجامش (( أور شنابي )) وقال له :-(( ياأور شنابي )) ، كيف لا نذبل وجنتاي ويمتقع وجهي ؟ويغمر الحزن والأسى قلبي وتتبدل هيئتيوكيف لا يصير وجهي أشعث كمن أنهكه السفر الطويل ؟ويلفع وجهي الحر والقر ،وأهيم على وجهي في الصحارىوان خلي ، وأخي الصغيرالذي طارد حمار الوحش في البرية واصطاد النمور في الصحارىانه انكيدو ، خلي وأخي الأصغرالذي تغلب على جميع الصعاب وارتقى اعلي الجبالالذي امسك بثور السماء وقتله ،وقهر خمبابا الساكن في غابة الأرزصاحبي وخلي الذي أحببت حبا جماوالذي صاحبني في كل الصعابقد أدركه مصير البشريةفبكيته ستة أيام وسبع ليالحتى سقط الدود من انفهلقد أفزعني الموت حتى همت على وجهي في الصحارىإن النازلة التي حلت بصاحبي قد اوهنتني وأقضت مضجعيفهمت على وجهي المسافات البعيدة في الصحارىإذ كيف اهدأ ويقر لي قراروصديقي الذي أحببت صار تراباوأنا أفلا أكون مثله فاضطجع ضعجة لا أقوم من بعدها ابد الدهر ؟ثم أردف جلجامش وخاطب ((أور نبشتم )) قائلا :والآن يا ((أور شنابي ))أين الطريق إلى ((اوتو نبشتم ))أين الاتجاه إليه ؟ دلني على الطريق إليهفإذا استطعت الوصول إليه فحتى البحار سأعبرهاإذا تعذر بلوغ مرادي فسأظل أجول في الصحارى ))فقال ((أور- شنابي )) لجلجامش :ياجلجامش يداك هما اللتان منعتاك من عبور البحرلأنك حطمت صور الحجر وأتلفتهاوإذا تحطمت صور الحجر فلا يمكننا العبوروالآن خذ الفأس بيدك يا جلجامشوانحدر إلى الغابة واقتطع منها مائة وعشرين ((مرديا))طول كل منها ستون ذراعاواطلها بالقير واجعل أعقابها الازجاجولما أن سمع جلجامش ذلكرفع الفأس بيده وسحب خنجرهوانحدر في الغابة واقتطع منها مائة وعشرين ((مرديا)) طول كل منها ستون ذراعاوطلاها بالقير وغلف أعقبها (بالازجاج) وجاء بها إليه ))