آخر الأخبار

"أسطول الحرية" و "رياح السماء" .. سياق أشمل

عشية وصول قافلة كسر الحصار الأوروبية إلى قبالة سواحل قطاع غزة عبر المياه الإقليمية،وحيث أبحرت ثماني سفن وجهتها قطاع غزة ومهمتها كسر الحصار، يتصدر هذه الحملة برلمانيون ومؤسسات مدنية تركية،على اعتبار أن تركيا تعتبر نفسها دولة أوروبية وتسعى جاهدة لدخول النادي الأوروبي ،بموازاة التنكر الأوروبي لانتمائها الأوروبي بسبب اعتبارها دولة إسلامية، يرافق الأتراك من دول أوروبية عديدة أهمها السويد وايرلندا واليونان برلمانيون وناشطين في حقوق الإنسان وإعلاميون، كما يجب الإشارة إلى احتواء القافلة على سفينتين عربيتين هما السفينة الكويتية ، والسفينة الأكبر على الإطلاق والتي هي منحة من الشعب الجزائري الشقيق لفلسطين، وعلى مدار أسابيع من إدارة الأزمة والتحدي بل وإصرار منظمي حملة"أسطول الحرية" على الوصول إلى شواطئ غزة، وفشل محاولات الخارجية الإسرائيلية للتأثير على ساسة تلك الدول التي يشارك مواطنيها في رحلة التحدي، بل وزيادة وتيرة الحضور التركي حيث ستقل السفينة التركية قرابة ال750 برلماني ومتطوع لهدف فك الحصار عن غزة، وتسرب الأخبار بان أزمة شديدة مرتقبة بين تركيا والكيان الإسرائيلي، في حال أقدمت القوات الإسرائيلية بأي سلوك عنيف مع المواطنين الأتراك، والمشهد يختزل المواجهة تلك بين تركيا والكيان الإسرائيلي، وربما يعول معظم المتطوعين ليس على حصانة توفرها دولهم بل على اعتبار أن الكيان الإسرائيلي سيحسب ألف حساب للتهديدات التركية.

هنا يدور الجدل وخلال الساعات الأربع والعشرون القادمة؛ حول السلوك الإسرائيلي للتعامل مع الهجوم المدني الكثيف بهذا الحجم وهذه النوعية لكسر إرادة المحتل الصهيوني المتغطرس، بعض المراقبين متفائل بصمود رجال قافلة كسر الحصار وإدارة معترك إعلامي لإظهار الوجه البشع العنصري لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وبعض المراقبين يعتقد بان الكيان الإسرائيلي سوف يستخدم العنف لإرهاب رواد أسطول الحرية؛ على اعتبار تاريخ الكيان الإسرائيلي الحافل بضرب عرض الحائط بالاحتجاجات الدولية تحت مسميات الهاجس الأمني ودعم الإرهاب، وهنا لابد لنا من وقفة مع الاستعدادات الصهيونية العسكرية وتهيئة ميناء أسدود ليكون جزء منه بمثابة خلية أزمة، بل ليكون مركز اعتقال ضخم لاحتجاز السفن الثمانية وروادها، وهنا يتبادر إلى الذهن دلالات المسمى الذي أطلقه قادة الاحتلال على عملية المواجهة المرتقبة" رياح السماء" ، فكل عدوان له شهادة ميلاد نازية لدى الصهاينة ، وهذا مسمى العدوان المرتقب في مواجهة أسطول الحرية الضخم والذي تم الإعداد له بشكل جيد وكبير" عملية رياح السماء" فماذا يخفي المسمى بين سطوره العدوانية السوداء؟

لقد بات معروفا أن الكيان الإسرائيلي على أهبة الاستعداد لعدوان كبير وأنا شخصيا اقرأ اتجاه ذلك العدوان الذي اكتملت حلقاته بالاستعدادات والمناورات العسكرية الجدية والضخمة بنقاط التحول "من1الى4" وهذا يعني فيما يعنيه بان الكيان الإسرائيلي غير معني حاليا بتأليب من يعتقد بأنهم حلفاء في دعم العدوان المصيري الصهيوني لاجتثاث خطر حزب الله، لذلك قراءتي المتواضعة للمسمى العدواني ستكون باستخدام عشرات الطائرات العمودية والتي ستغطي سماء المنطقة وفوق السفن حين اقترابها من منعطف الخروج من المياه الإقليمية شرقا صوب شواطئ قطاع غزة، وربما تكون الطائرات على ارتفاعات منخفضة جدا على مسافة أمتار؛ لتحدث رياح صناعية كزوبعة دائرية لايحتملها أي شخص على ظهر السفن، مما سيضطر المتضامنون إلى الاحتماء من الرياح بجوف السفن والغرف المغلقة، وهذا سيسهل على القوات الصهيونية والوحدة الإجرامية الخاصة المسند إليها مهمة السيطرة السريعة ودون أي عنف على السفن، وإجبار طاقمها وربانها على الانحراف صوب ميناء أسدود مع إحداث رعب نفسي أثناء الإنزال العسكري على ظهور السفن، وهذا باعتقادي مفهوم" رياح السماء" وسيصاحب ذلك حملة تشويش سلكية ولاسلكية وفضائية بحيث ينقطع الاتصال بين رواد تلك السفن والعالم الخارجي إلى حين اكتمال المهمة، باحتجاز السفن والتفرد بإنزال روادها بشكل منفرد وليس جماعي مع ضمان السيطرة على ظهر السفن والحرص الصهيوني على عدم وجود أي من المتضامنين على سطح أي سفينة بواسطة الرياح التي تسببها الطائرات المرافقة للسفن، ومن ثم تسليم مواطني كل دولة على حدة لممثلياتها وسفاراتها لدى الكيان الإسرائيلي دون أن يمسهم عنف جسدي خاصة الأتراك والأوروبيون.

سألني احد الأصدقاء الأعزاء حول غرابة التوقيت من قبل تركيا لتسيير تلك السفن في هذا الوقت بالذات، حيث أن كل مؤسسات الكيان الإسرائيلي تخضع لاستنفار وطوارئ ومناورات شاملة تنبئ بعدوان قريب، لم أجد للإجابة على سؤاله غير الحديث عن التشجيع التركي الرسمي لمواطنيها برحلة كسر الحصار، فكان لابد من وضع الأمور في نصابها الاشمل أو سياقها المختفي خلف توقيت هذه الهجمة الإنسانية والتحدي لغطرسة المحتل، فتركيا التي تعلم علم اليقين أن فشلها في دخول النادي الأوروبي رغم علمانيتها مما أدى إلى البحث الحقيقي عن مصالحها الإستراتيجية في ظل واقع إقليمي متغير، ليضمن لها عودتها للانتماء الإسلامي ومناصرة الحق العربي بواسطة القيادي البارز"اردوغان" كي تضمن لها موطئ قدم على خارطة الشرق الأوسط الجديد ، بمدى امتلاكها لأوراق التأثير وثقة أطراف الصراع بكينونتها القيادية الزاحفة من زمن العثمانيين إلى زمن الألفية الثالثة، وربما كان التوقيت التركي ليس جزافا بل للتنغيص على الكيان الإسرائيلي بمخططاتهم العدوانية قبل انجازها ومن ثم يكون الدور التركي أو الوجود التركي من عدمه على الخارطة السياسية العربية واحد، وحيث أن الاعتقاد يدور حول صمود تلك السفن لعدة أسابيع أو حتى عدة أشهر، فربما المخابرات التركية على علم بعملية عدوان صهيونية موشكة، وأرادت أن توصل رسالة للكيان الإسرائيلي أنها قادرة على إرباك كل مخططاتهم بطرق شتى ومن ضمنها تشجيع تسيير هذه القوافل في هذا التوقيت بالذات حيث ذروة الاستعداد الصهيوني للانقضاض على إحدى الجبهات والمرجح منها الجنوب اللبناني وحزب الله، حيث تعلم تركيا بان الإطاحة بأهم واعتى ركائز الصراع وتجريد المنطقة من أوراق القوة سوف يسحب بساط المناورة السياسية من تحد أقدام العديد من الدول الطامحة إلى مركز إقليمي في شرق أوسط جديد يتم إعادة رسمه بعد حرب أو حروب موشكة في المنطقة وتركيا ليست طرفا أصيلا تاريخيا في هذا الصراع.

هذا ليس معناه أن القادمون على متن السفن من مؤسسات حقوق إنسان وبرلمانيون وإعلاميون بأنهم ينفذون سياسة بلدانهم وفق خطة سياسية تتوافق مع مصالح حكوماتهم، بل على العكس تماما الدولة هي التي تستثمر وتستغل حراك مواطنيها وهدفهم الإنساني النبيل بالإصرار على تحدي المحتل لفك الحصار الجائر والغير محتمل على قطاع غزة، هذا الحصار الظالم الذي لو فرض على دولة أوروبية على مدار أربع سنوات ونيف لانهارت دولهم ولهاجر سكانها، فالسياسة شيء والتوجهات الإنسانية شيء آخر، لكن الساسة يفكرون بشكل ابعد من مبادئ العدل والرحمة والإنسانية، بل يفكرون بمقايضة إمكانية التأثير بتحقيق مصالح ونفوذ ومراكز ريادية تحقق لهم بروز سياسي ومصالح اقتصادية، خاصة إذا ما أدرك الساسة أن المنطقة بكاملها مقبلة على إعادة رسم الخارطة السياسية بعد سقوط أنظمة وبروز انقسامات واختلال موازين القوى بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية "كتقارب رؤوس" وتوافق واختلاف مصالح هذا من جهة، وبين الغرب والنمور الآسيوية وفي مقدمتهم "العملاق الصيني" وتوافق مصالحه من روسيا الاتحادية من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة بروز قوى إقليمية في الميدان أهمهما تركيا وإيران وتحالف بعض القوى العربية مثل"مصر والسعودية والأردن" للحفاظ على دور ريادي ونصيب في مركز متقدم في إدارة شؤون المنطقة الإقليمية بعد إعداد المخططات لإطفاء الأزمات صنيعة الغرب فيها.

هذا مجرد سياق اشمل من حسر عملية السفن "أسطول الحرية" في خانة محاولة فك الحصار عن غزة، وإمكانية فشل المحاولة أو نجاحها يعتمد على توافق اللاعبين الرئيسيين قوى صراع الهيمنة القدامى والجدد، لكنها تأتي في توقيت غاية في الحساسية بالنسبة للكيان الصهيوني مما سيضطره للتعامل معها بهدوء حاسم، وإكمال مخططاته العدوانية، والتي يواكبها اكبر عملية تضليل صهيونية وأمريكية عنوانها توزيع صكوك مخادعة لطمأنة الدول المرشحة للعدوان مثل سوريا وإيران ولبنان، بان حربا مباغتة لن تشنها دولة الكيان الغاصب على أي منها، وان مناوراتهم هي للاستعداد واختبار الجاهزية للدفاع عن النفس!!! لذا فإننا ننظر بشكل اشمل إلى سفن كسر الحصار وتأثيرها على مخططات الكيان الصهيوني في هذا الوقت بالذات، ومصالح الدول جراء تأييد هذا الموكب الإنساني الكبير، فلا تركيا ولا ايرلندا ولا السويد ولا اليونان كان لها كدول رسمية مواقف جدية في الصراع العربي الصهيوني، لكننا سنعود ونفرق بين سياسات تلك الدول ومصالحها ، وبين مواطنيها ممن لايرضون بهذه المهزلة الإنسانية النازية بالحصار الذي يفرضه الاحتلال، ويشهد صمت دولي كوصمة عار في قلب شرعيته الزائفة، متمنين أن تصل السفن لتكسر إرادة الغطرسة الصهيونية وتناصر العدل الإنساني، لينتفض العالم بصوت واحد كفى للاحتلال، كفى للإرهاب الصهيوني، كفى لعذابات هذ1ا الشعب وحقه في تقرير مصيره وكنس الاحتلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

greatpalestine@hotmail.com