تطالعنا الصحف والأخبار هذه الأيام بأخبار الاعتصامات وعرائض الاحتجاج وخيم الإعتراض, ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع باعتصام من هنا ..وعريضة من هناك..
طبعا هذا أقل ما يمكن وما يجب أن يفعله أبناء الوطن ,تجاه ما يتعرض له من أخطار محتملة..وهذا حق وواجب
كما يمكن أن يقال في هذا المقام.
ولكن ولكن..
ألم يكن من واجبنا نحن وهم أن نرد الدين للوطن بأشكال أخرى :
مثلا أن يخفض المعلمون أجور الساعات الخصوصيه, وأن يعالج الأطباء المرضى لأيام معدودات مجانا مساهمة في رفع الروح المعنوية , وأن يجتهد المهندسون لإيجاد حلولا للمشاكل المزمنة في الشوارع والجسور والسدود ..وأن يداوم المتسربون من وظائفهم ولو لأسبوع واحد كرمى لعين الوطن..
وان يلغي شرطي المرور تعريفته اليومية ولو لأيام ..
وأن ينظر المسؤول الى وظيفته باعتبارها خدمة وطنية وتكليفا وليست تشريفا.
طبعا لن ندخل هنا في جدل عن الهم الكبير والهم الصغير ..وقانون جدل الداخل مع الداخل والداخل مع الخارج.
-2-
عادت بي الذاكرة وما أكثر ما تعود هذه الأيام ..إلى أيام الدراسة في مدرسة الشهيد محمد سعيد يونس وتحديدا
لعامي 1981 و1982 ..
ففي عام 1981 كنا قد نفذنا اضرابا واعتصاما ..كنا وقتها في الصف العاشر الثانوي ..وكانت مطالبنا هي تحسين الخدمات في المدرسة دورات المياة, مرور الآليات المزعج في الشارع المجاور, المحافظه على الكادر التعليمي وعدم استبداله بمدرسين لا خبرة لديهم ...وجملة من المطالب الأخرى.
أبدت الإدارة تجاوبا شكليا ووافقت على استقبال وفدا من الطلاب لشرح هذه المطالب , ونجحت في إقناعنا بفك الإعتصام وذلك بسلسلة من الوعود التي لم تنفذ لاحقا..
وأذكر وقتها أنهم أخضعونا لسلسلة من المحاضرات التوجيهية عن أننا في نظام اشتراكي والإضرابات ممنوعة .
تطورت الأمور بعدها نحو السلب ..وتم استبدال معظم المدرسين الأكفاء بمدرسين لا يملكون لا الخبرة ولا الشخصية ولا العلم ..
وتشاء الصدف أن أكون المسبب في الإضراب التالي ..فقد حاول أحد هؤلاء وبأول حصة له أن يفرض هيبته ويقطع راس القط من ليلة العرس ..
فأثناء تلاوته لأسماء الطلاب ..كان ينهض الطالب ليتعرف عليه الاستاذ الجديد ..ويبدو أن طريقة نهوضي لم ترق له فاستدعاني وبغفلة صفعني ..خرجت من القاعة فورا..ويبدو أن الدرس استمر بعد هذه الحادثة.
في الحصة التالية تكرر المشهد مع زميل آخر ..وعندما استدعاه وهم بصفعه خرجت من مقعدي وأمسكت بيديه ومنعته من تكرار المشهد ..وصاح أحد الزملاء قوموا شباب ..
كانت تلك الشرارة التي أشعلت اضرابا عم الفصول الدراسية لصف العاشر ..إلا أقلية من الطلبة أربعة أو خمسة الذين آثروا أن يتابعوا الدوام.
خرجنا من المدرسة إلى الكورنيش ننشد ونتسكع ولا ندري ما ذا سيكون تصرف الإدارة.
ما تلا ذلك تقرير كتب بي ..واستدعاء من الإدارة ..وطلب ولي الأمر.
ويبدو أن الذي أنقذني من الكلمة التي كانت تخيفنا طرد من جميع مدارس سوريا أن والدي كان موجها سابقا في الثانوية ..إضافة وهو العامل الأهم أنني ومعظم قادة الإضراب كنا متفوقي المدرسة ..ولا يمكن لمدرسة تحترم ذاتها أن تطرد خيرة أبنائها وهو ما صرح به لاحقا هذا الاستاذ .
-3-
في السنة التالية تغيرت الادارة وكانت أحداث الإخوان لا زالت تعكر المشهد في سوريا, بجرائمهم الدموية مذهبة بالمزيد من الضحايا يوميا..
وتم التشديد على الكثير من الأمور ..والتي كانت تتم على حساب العلم والتعليم..
مثلا الطرد من الدرس لأتفه الأسباب , لمخالفة اللباس أو لوضع شارات الفتوة ...
وزاد الطين بلة أنهم طلبوا من الجميع ...الحلاقة على الصفر..
رفضنا الأمر القراقوشي الجديد ..وبدأت في المدرسة حركة احتجاج واسعة .
وبدأت النقاشات والإجتماعات مع طلاب البكالوريا باعتبارهم سادة المدرسة...وتم الاتفاق على رفض هذه الخطوة والتمرد على الأمر.
تطورت الأحداث بسرعة..واعتبرت الإدارة أن هذه الحركة تشكل تهديدا في أول اختبار لها..وعملت على حصر الحركة كالعادة في مجموعة من طلاب البكالوريا ..وتم تحميلهم المسؤولية .
وصدر قرار بفصل خمسة منهم من جميع مدارس سوريا وأذكرهم الآن كتحية لهم:
منذر الخطيب, رفعت ميا , نادر محمد , بسام صالح , محسن زينة.
-4-
أتذكر هذة الأحداث الآن ...وأذكر ...
أن قادة هذة الاعتصامات والإضرابات والمشاركين فيها هم الآن:
الشعراء والكتاب , الدكتور المهندس, وخريجو مركز الأبحاث , والأطباء , والمهندسون , والمحامون, ورجال الأعمال الناجحون ليس في سوريا وحسب ,بل في الخارج أيضا ..
ومنهم مثلا: مالك حسن , عمرو الخيّر , عمار خيربك , وضّاح الخطيب , مناف علي, بسام القاضي , لؤي محمود , حمزة الخيّر ... إضافة لما ذكر سابقا وا لعشرات من الأسماء الحبيبة .
أتذكر ذلك وأذكر..
أن هؤلاء تراهم في كل منبر متاح ...ينبرون للرد على افتراءات الآخرين على الوطن ..
ويحملونه ..في عيونهم وفي قلوبهم ..في قارات الأرض وحيثما حلوا..
مع انهم اتهموا في وقتها وصنفوا على أنهم أعداء للبلدوتم رفع التقارير الغزيرة بهم ..بل ووصل الأمر الى حد اتهامهم بالمالوكسية ..!
وبدأ يتردد على ألسنة الطلاب وفي سماء مدرسة الشهيد يونس ..اسم غامض مثل الأشباح..
المالوكسية ...المالوكسيون..
من هم ؟ وما هي المالوكسية ؟ هذا ما سنروية في فرصة قادمة..