الدكتور عدنان بكريه / فلسطين الداخل
لا اذكر في حياتي أنني دخلت في سجال مع أي كاتب كان، بل حرصت دائما على طرح وجهة النظر المغايرة وبأسلوب أخلاقي حضاري مبتعدا عن الهتك والهجوم !لكنني أجد اليوم نفسي مضطرا لدخول ساحة الرد للدفاع عن الحق والعدل والإنصاف.
لو لم يتعلق الأمر بنا جميعا بتاريخنا ومسيرتنا لتركت النقاش وآثرت الصمت .. ولو لم يكن الأمر يتعدى الحدود الأخلاقية والحضارية وحتى الدينية في تناول الموضوع لصمت وقلت.. لنا رب في الأعالي يحاسبهم، لكن الهجوم الذي تعرض له شاعرنا الكبير محمود درويش والذي اعتبره هجوما متعمدا على محمود ومحبيه وعشاقه.. هجوما على القضية التي استوطنت محمود وحملها في خلاياه .. هجوما على شعلة المقاومة ونار الثورة المتوقدة ومحاولة إطفائها بالحقد والضغينة التي أعمت بصيرة البعض ممن يمتهنون الدين ويدعون الفقه والدين منهم براء !
أحد رموز هذه الحالة المرضية (محمد اسعد بيوض التميمي ) والذي يعرف نفسه "عالم ومفكر إسلامي " ولا يبدو لي كذالك والعلم عند الله سبحانه وتعالى !! كتب مقالا هجوميا تشنيعيا بالشاعر محمود درويش مشككا بتاريخه ونضالاته ... سوف أتناول مقتطفات مما كتب لاحقا ، لكن ليس قبل أن اذكر القراء بأنه وبنفس الطريقة المرفوضة دينيا وأخلاقيا هاجم المناضل الراحل الدكتور (جورج حبش) بعد وفاته بأيام ووصفه بالملحد الذي سخطه الله وشله وأقعده ! مقالته حملت عنوان "جورج حبش صليبيي ماركسي لينيني عدو الله وللعروبة والإسلام", ومما جاء فيه:"عندما قام جورج بتأسيس(الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) لم يكُن هدفه في حقيقة الأمر تحرير فلسطين ولا مُحاربة اليهود وإنما لتكفير المسلمين و تخريب العمل الفدائي المُتمثل بحركة فتح يومئذ " متناسيا بان حبش ورفاقه ساهموا بإرساء أوتاد العمل الثوري الوطني .. باصقا على تاريخ هذا الرجل.
ويطل علينا اليوم ومن نفس الطاقة الضيقة التي يتمترس خلفها وباسم الإسلام والدين وتعاليمه ينبش قبر الكبير محمود درويش .. باسم الدين يكفر هذا وذاك ويخون من يريد ! يا لهشاشة المشهد وقباحته ! يا لها من امة ضحكت من جهلها الأمم ! والسؤال المطروح لماذا يتعمد الكاتب على صب حمم حقده على الرموز والمناضلين بعد موتهم ؟وأين كان قبل وفاة درويش ولماذا لم يناقشه في الحياة قبل أن يورى مثواه التراب ؟أسئلة تثير الشكوك بنوايا الكاتب واليكم ما كتبه هذا (المفكر ) في مقالة هجومية راح يصول ويجول بها في المواقع تحت عنوان (محمود درويش ورأي في الإتجاه المُعاكس)
"فمن هذه النخبة المزيفة والمزورة التي إبتليت بها الأمة وصنع منها الاعلام رمزاً وطنياً وثقافياً وفكرياً وصنع من حوله هالة وقداسة وحصانة جعلت لا أحد يجرؤ أن يقترب منه مهما تطاول على عقيدة الأمة ودينها وتاريخها وحضاراتها(محمود درويش) الذي ظهر فجأة وبطريقة غامضة في عام على المسرح الثقافي والسياسي في العالم العربي والمسرح السياسي الفلسطيني في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي في عام 1972 بعد أن كان يعيش في الجزء الذي سرقه اليهود عام 1948 من فلسطين ,حيث أنه كان يُمثل الحزب الشيوعي في الكيان اليهودي في إحدى المؤتمرات الثقافية والشبابية للأحزاب الشيوعية في هنغاريا في ذلك العام,فبعد المؤتمر لجأ إلى لبنان وبعدها سُلطت عليه الأضواء فصار من المثقفين والشعراء المشاهير,وكان(محمود درويش) مسكون بهاجس الحصول على جائزة نوبل والتي لا يمكن ان تمنح لأحد إلا بعد أن يدفع استحقاقاتها وهي محاربة الإسلام وإعلان العداء له والتزلف لليهود,لذلك أخذ محمود درويش في العقد الأخير من عمره يُصعد من عدائه للإسلام ولتاريخه ولمفاهيمه ولحضارته,وأخذ يستهزء بالقرأن جهاراً نهاراً,فلا يكاد أن تخلوا قصيدة من قصائده من إستهزاء بالله ورسوله وبالقرأن" الى هنا
لم انقل هذا النص للدفاع عن محمود درويش فهو فوق كل هذه الاتهامات ومهما تطاول الكاتب فلن يهز سجل درويش الحافل والذي استحق لقب شاعر المقاومة وبجدارة وباعتراف اعدائه وخصومه .. بل نقلت هذا النص ليعرف القراء مع من نتعامل ! وكيف لنا أن نقيم دولة المحبة والأخوة في ظل الجهل المتقع الذي يسيطر على هؤلاء "العلماء" الذين يسخرون الدين للعبث بالتاريخ الناصع لمناضلي الأمة وحاملي رايتها النضالية وموقدي شعلتها الكفاحية .. وحتى أن الكاتب يجهل تماما تاريخ درويش وانتمائه وهو الذي قال "انتمي لسمائي الأولى وللفقراء في كل الأزقة ينشدون صامدون وصامدون وصامدون " هل يوجد أعظم من هذا الانتماء أيها العالم ؟ويحاسب درويش على انتمائه سابقا وهو الذي رفع راية الشعب الفلسطيني خفاقة في سماء الوطن عندما كانت كلمة فلسطيني تؤدي إلى السجن ! وهو الذي اخترق جدران العزلة المفروضة على شعبنا ليقرع أبواب العالم ليس نادبا، بل متحديا كل أنواع القهر.
لم انقل هذا النص لاقف موقف المدافع عن درويش فمسيرته الحافلة بالأحداث والانكسارات والانتصارات أعظم من توضع في قفص الاتهام وأعظم من أن أدافع عنها .. تراثه الثقافي الحضاري صار سجل شعب وتاريخ ثورة.
محمود درويش الفلسطيني بامتياز إن لم تعرف أيها العالم قاوم الظلم وتمرد عليه..لوحق وسجن واضطهد .. سجنه كان منفى وإقامته الجبرية كانت منفى وهو لم يهبط علينا من الفضاء الخارجي بل ترعرع مع زيتون وصبار الوطن أحب الأرض فأحبته أحب الشعب والثورة والوطن إلى حدود العشق... وهو ليس عابر في كلام عابر ! سامحني أخي محمود إن تعديت على خصوصيات حبك للوطن والأرض.
لو لم يتعلق الأمر بشعب محمود درويش ومحبيه وسيرته لتركت الكاتب العالم !! يشط وينط كيفما شاء ،لكن نبش القبور كفر أيها العالم والتعدي على حرمات الأموات خطيئة ! وأقول كفى استغلالا للدين..أي دين يسمح بانتهاك حرمة الموتى ؟ وأي دين يقبل بالتزييف والضغينة والحقد ؟ صحيح إنني لست فقيها بالدين، لكنني أعرف تمام المعرفة انه لا يوجد دين يسمح بالاعتداء على حرمة الموتى !ولا يوجد دين ينصب أحدا قاضيا وجلادا على العباد فكلنا في عهدة الله.
ويتابع السيد محمد اسعد بيوض التميمي .
"بعد أن تمارس كل عمليات التخريب الفكري تلجأ إلى حانة أو ماخور أو بار في بيوتها لتشرب كأساً من خمر تحتسيه حتى الثمالة لتستريح من النضال الذي ناضلته ضد الأمة ألا يُسمى هؤلاء السكارى بشعراء وكتاب المقاومة المناضلين,فتتخيل هذه النخبة وهي في حالة السكر والسطلان بأنها حقاً نخبة مثقفة مناضلة,أو تذهب الى السفارات لتقبض ثمن ما خربت في كيان الامة ومقومات صمودها وما يبعث فيها روح التحدي والصمود والنهوض الحقيقي))...فواقع أمتنا الفكري والثقافي الفاسد المتعفن والمنحط هومن صناعة هؤلاء,فاستحقوا عن جدارة أن يكونوا رموزالعصر الإنحطاطي الذي تمت صناعته تحت غطاء شعروادب المقاومة"
لو لم يعرف الكاتب نفسه بمفكر وعالم إسلامي والإسلام منه براء ! لتركته يصول ويجول .. يشط وينط كيفما شاء ..لكنني وانطلاقا من حرصي على عدم تسخير الدين كأداة لرش سموم الحقد والضغينة وتحييره لخدمة أهداف خاصة، رأيت من واجبي الإشارة ونقل ما كتبه الكاتب واعتقد أن الرد في مثل هذا الموقف لن يجدي بل إن التحذير أهم.. التحذير ممن يتسترون خلف ستائر الدين الحنيف ظانين أنهم بالهجوم والتهجم يستطيعون استقطاب البشر ولا يدرون بأن أسلوبهم يسيء للدين وينفر البشر !! نعم أنهم يسيئون للدين ويشوهون صورته .. وهؤلاء الذين تصفهم برموز عصر الانحطاط.. هؤلاء هم من صنعوا تاريخ الأمة وعلى حساب حياتهم الخاصة.. هؤلاء هم من حلقوا بقضيتهم في فضاء العالم نسورا تطاول السحاب.. هؤلاء هم من أبدعوا في الحفاظ على تاريخنا وقضيتنا وتراثنا.. فكفى استهتارا بعقولنا ورفقا بنا ... كفى امتهانا واهانة للدين !