آخر الأخبار

إبْطال نظرية داروين.. ماذا عن "الداروينيين" العرب

في النشوء والارتقاء نتيجة أبحاث استمرت خمس عشرة سنة، وهي النظرية الباعثة على الجدل منذ نشأتها ليس بين العلماء والباحثين فحسب، إنما بين ثقافات مختلفة منها المبني على أسس دينية، تسلل إلى الداخل النفسي تخيّلٌ ليس ذا صلة بجوف الخبر، وإنْ كان تخيلاً ناشئاً ومرتقياً من نظرية النشوء والارتقاء.

هذا التخيل المتسلل، وهو ضمن تخيلات متسلسلة، حدا بالذهن إلى إثارة سؤال حول نظريات الداروينيين العرب لا في أصل ونشوء وارتقاء الإنسان، ولكن في نشوء الزعامات السياسية و"ارتقاء" القيادات الحزبية التي منها مَن نشأ زعيماً بين عشية وضحاها دون المرور بمراحل الإعداد والتقويم ليستحق الزعامة أو القيادة بجدارة. هؤلاء الناشئون المرتقون لا يكفيهم أنهم على سُدات قد يغبطهم عليها رهط آخر، بيْد أنهم يصبحون داروينيين، وغير ذلك من نَسَبِ الأسماء، في التنظير والتبشير ونشر العظات على اعتبار أنهم الأكثر دراية وعِلماً بأحوال المهمومين المغمومين سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً، وفكرياً.

لا ضرر ولا ضرار في أن تكون للداروينيين العرب نظرياتهم، خصوصاً إن كانت منبثّة عن أسس منطقية وموضوعية، إنما الضرار والأضرار في أن يجعلها صاحبها، وأتباعه من بعده، نظريات محض مطلقة، غير قابلة للإبطال ولا يجوز حتى مسُّها وإلا فقد مسّنا الشيطان من بعد ذلك، وخذْ بعدئذٍ أحكاماً وأوصافاً وإجحافاً بحق من تجرأ على معارضة نظريات القائد الفلاني، أو دحض نظريات المرجع العلاني.

ما كان لهؤلاء "الداروينيين" أن يداروا أنفسهم ويديروها على هذا النحو لولا أنّ تربية النشأ عندنا قائمة على تقديس الأشخاص ممن تزيوا بأثواب القيادات وهم كُثر، وكثرتهم مِيزتُها اللاواقعية المجنونة، وبالتالي تقديس ينشأ عنه توجيه النشء بعدم جواز مغالطة ومعارضة أولي الفكر ولا أولي الأمر ولا حتى أولي المال. فلا عجب حينئذ أن يستشعر المرء الخطر الكامن في الطريقة التي يتْبع بها الأفراد هذا الزعيم وذاك القائد أو المرجع، فلا يريدون من غير اتباع قائدهم إلا كلاماً ينسجم مع قناعاتهم، وحديثاً لا يتعارض مع منهج ونظريات "الزعيم" والعكس صحيح، فتصبح حتى النكتة السياسية من فصيل المحرَمات التي قد تتفجر عنها تظاهرات واحتجاجات تُزهَق فيها أرواح وتسفك دماء فداءً لروح الشخص المستزعِم.

في وقت تجتاح العالم الثورة التكنولوجية، ونحن نحتاجها، ما انفكت تجرفنا ثورة "القداسات" بسيولها نحو المزيد من "تصنيم" الأشخاص. فنحن على مفترق: إما أن نلحق بالركب العلميّ وركب الحرية الفكرية ونسلخ ذواتنا عن التبعية العمياء ونسمح لأنفسنا بإبطال "نظريات" الداروينيين العرب إذا وجب إبطالها. أو أن نظل على ما نحن عليه، أتباعاً لهذا وذاك، لا نجادله ولا نحاججه ولا نناقشه، وليس لنا لسان حال سوى القول سمعاً وطاعة.

mohammad.abuobeid@mbc.net